Sunday 26th March,200612232العددالأحد 26 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

إجراءات (المرور)..بين (مسرُور) منها و(مكدُور)..؟!! إجراءات (المرور)..بين (مسرُور) منها و(مكدُور)..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

* نودع اليوم فعاليات أسبوع المرور؛ فلعلنا لا نودع معها؛ تلك الأهداف والغايات التي توخيناها من هكذا فعاليات توعوية، لأن المآسي والفواجع الناتجة عن حوادث السيارات لا تترك لنا فرصة للنسيان أو التناسي، فهي تذكرنا بنفسها صباح مساء، وتصدمنا بأرقام كبيرة لضحاياها من القتلى والجرحى والمعوقين تعد بالآلاف، وهي تمد لنا لسانها على صفحات الحوادث اليومية هازئة بنا وساخرة من حالنا.
* أتوقف قليلاً بهذه المناسبة؛ عند الذي رأيناه ولمسناها مؤخراً من تنفيذ لإجراءات مرورية مشددة على الطرق الطويلة بين المدن. شخصياً.. لست ضد هذه الإجراءات التي تتسم فيما يبدو بعزم وحسم لم يتعود عليهما المواطن، ولي هنا تحفظات على وسائل التنفيذ بالجملة. إن هناك انفلاتاً خطيراً في حركة السير في بلادنا؛ لا يقتصر على الطرق الطويلة فقط، ولكن نجده كذلك داخل المدن، فحياة الناس تهددها السيارات من سائقين يستهترون بكل شيء، ويتجاهلون الأنظمة المرورية، ويستسهلون ارتكاب المخالفات المرورية التي تأتي في مقدمتها السرعة العالية، وقطع الإشارات، والتجاوز غير المسموح من كل جهة، والوقوف في الممنوع، والأمر والأدهى من هذا كله أن تتحرك سيارات في الشوارع العامة، وحتى في الطرق الطويلة؛ ويقودها صبيان ومراهقون بدون رخص قيادة، أو كبار سن ومرضى بالسكر والضغط لا يقدرون حجم الخطر، وكثيراً ما تواجه بسيارة تظن أنها تسير بدون سائق لأن قائدها صغير سن يصعد بجسمه ويهبط بين المقود والكابح مثل شمبانزي صغير بين فرعي شجرة..! وسيارات تسير وهي لا تصلح للسير، وغير مؤهلة لقدمها أو لعدم صيانتها فتصبح عرضة للعطل الفجائي، وتهديد الآخرين في الطريق العام.
* كل ما يضمن حياة الناس وسلامة أرواحهم على الطرق الطويلة وداخل المدن هو إجراء مرحب به، وهو مطلب كافة الناس حتى الذين يرتكبون المخالفات في العادة هم أول من يتذكر أهمية الالتزام بلوائح وأنظمة المرور، ويؤنبون أنفسهم على تجاوزاتهم لكنهم سرعان ما ينسون وعظ أنفسهم إذا انطلقوا بسياراتهم فانشغلوا عن هم الطريق بهواتفهم الجوالة، أو محادثة وممازحة من هو راكب معهم، وكثيراً ما نجد شباناً يجتمعون في سيارة أحدهم من أجل مضايقة خلق الله وخاصة في الشوارع الخلفية، وبين المساكن في الأحياء، فهم يسيرون بطريقة جنونية، تهدد حياة الأطفال والأسر والمارة، فلا رقيب ولا حسيب على مثل هذا العبث الذي يطال كثيراً من الناس وهو يركب سيارة مجنونة، تقطع الإشارات، وترسم في الميادين (الخمسات)، وتؤذي من كان من الناس ماراً أو قاراً.
* لست ممن يعجب أو يسر بالتراخي في الرقابة المرورية، لأن المرور مشتق من الحركة والنشاط، وهو الذي ينبغي أن يطور من أنظمته ووسائله وأدواته باستمرار، فلا يغيظني مثل رجل مرور يجلس على ظهر دبابة وهو يتحدث طوال وقته بجواله، أو يكتفي بالفرجة على هواة ركوب الأرصفة، وقطع الإشارة والوقوف الممنوع.. يرى كل ذلك فلا يحرك ساكناً..!
* من منا لا يسره الحد من جنون السرعة على الطرق الطويلة، وضبط الحركة داخل المدن، وإيقاف هذه الهمجية التي تسود حركة الشارع، فأنت إذا وقفت أمام إشارة، وجدت من الخلف من بعيد من يصم أذنك ببوق سيارته، وبينك وبينه رتل من السيارات، ومن يرفع صوته بالشتم والسب، ومن يقذف من نافذته بقاذوراته في الشارع العام وأمام الكل دون حياء أو خجل..؟!!
* نفرح كثيراً إذا أصبح الكل منا يشعر بأنه ليس وحده في هذا الطريق، وهذا الشارع، وأنه مثلما له على غيره حقوق، فلهذا الآخر حقوق عليه كذلك، وأنه لن يعفى من مخالفة (مرورية نظامية) ارتكبها في طريق عام، مهما علا شأنه، وارتفع قدره، وأنه سوف (يساءل ويحاسب ويعاقب) إذا لم يلتزم بالعقد الذي بينه وبين المرور وهو نص لوائح (القيادة والسير).. ولكن كيف..؟!
* كيف نسائل ونحاسب ونعاقب المخالفين لأنظمة السير..؟!
* هل يتساوى في هذا المستهتر والجاهل، والمضطر والغار، ومن شابه غيره، والضيف، وكبير السن وصغيره، والمريض والعاجز والمسعف غيره، ومن هو في مهمة أمنية أو إنسانية..؟! هذا على سبيل المثال.
* هل استعدت كافة إدارات المرور في المملكة لاستقبال واستضافة هذه الحشود اليومية من المخالفين بأن وفرت لهم أماكن توقيف كريمة تليق بهم، وفرش نظيفة، وأسرة نوم مريحة؛ ووسائل اتصال بأهلهم، ومرافق توفر الطعام والشراب والدواء إلى ما إلى ذلك مما هو داخل في الحد الأدنى من حقوق الإنسان التي يجب مراعاتها، حتى لو كان هذا المخالف مذنباً وفق تقرير جندي مرور رآه مسرعاً أو متجاوزاً، أو اشتبه في سيارته، وكان المخالف غيره، أو حتى إنه تسبب في حادث ذهبت ضحيته أنفس..؟
* سمعت من المهندس زكي فارسي في جدة (مشافهة) قصة ست ساعات حزينة في غرفة توقيف في مرور جدة كان هو فيها مع تسعة وثلاثين آخرين صعب عليهم فيها حتى التنفس..!
* وسمعت من الصديق (أحمد بن ناصر العبيكان) مشافهة كذلك قصة الطبيب الذي أوقفه المرور وهو في طريقه إلى إجراء عملية جراحية لمريض ينتظره تحت البنج فلم يكن هناك أحد على استعداد لسماع الطبيب، ومثله قد يكون في نفس الموقف من هو في الطريق إلى المطار لإدراك رحلة على وشك الإقلاع أو آخر يسعف مريضاً معه أو أي ظرف إنساني آخر لايبدو أنه على أجندة هذه الحملة المرورية الطارئة التي لا ندري على أي أساس بنيت..؟
* مازحت صديقاً لي بعد سماعنا لقصة المهندس الفارسي في جدة فقلت: لماذا لاتكون غرفة توقيف المرور بهذه المواصفات التي ذكر صديقنا الفارسي هي جزء من العقاب المخطط له..؟! ولماذا لايكون هناك عقاب مواز لعقاب السائق نفسه يطال هاتفه الجوال الذي يحبس في مظروف مغلق..؟! وسيارته التي تسحب أو تسحل إلى (حوش حجز) شبيه ب(حوش البقر) أيام زمان..؟! ليس فيه ضمان لسلامتها من التلف أو العبث؟!!
* عقاب السيارة هذا عندي خرج من دائرة الملاطفة إلى دائرة التفكير الجدي فقد فكرت أكثر من مرة ووجدت، أن في الاكتفاء بحجز سيارة المخالف عدة أيام تأديب.. وأي تأديب لصاحبها الذي لايستغني عنها، فلو استمع المرور لهذه الفكرة، واكتفى بحجز سيارات المخالفين أياماً طويلة هو يقررها، وعلى حسابهم الخاص باليومية، لحققنا عدة فوائد أولها حفظ كرامة الإنسان، فلا يهان ولا يصبح المرور ملزماً بإسكانه وتغذيته وعلاجه يومين أو أكثر، ومن ثم يستريح الناس من مخالفين لأنظمة السير عدة أيام، ثم يعرف هذا المخالف قيمة السيارة التي كانت تحت يديه، وأهمية الالتزام بأنظمة السير عندما يضطر للسير على قدميه أو ركوب سيارات الأجرة.
* وشيء آخر ربما يصبح واقعاً ذات يوم خاصة وأن (المحاكم المرورية) التي مكثنا نسمع عنها منذ ثلث قرن دون أن نرى لها أثراً، ولأن المرور يتشدد هذه الأيام في مراقبة الطرق الطويلة خارج المدن فقط فلماذا لا تكون هناك عقوبة معلومة عند كل الناس، يتم بموجبها منع من تتكرر منه المخالفات على هذه الطرق، من القيادة عليها لفترات تبدأ بأسبوع ثم تتدرج إلى أشهر، وهكذا، دون اللجوء لهذا التعسف في زج الناس في سيارات مرورية، وتعطيل هواتفهم الجوالة، ومنعهم من الاتصال بأهلهم، وحشرهم في غرف صغيرة، لا تليق بإنسان له كيان وكرامة بين أهله وفي وطنه.

fax 027361552

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved