يفهم المتخصصون في الإعلام أن عقيدة المجتمع، وثقافة الوطن تمثلان الوعاء الحضاري لمضامين هذا الإعلام، وهما المحددان الرئيسان للممارسة الإعلامية. والمنظرون في المجال الإعلامي أشبعوا هذا الموضوع بحثاً ودراسة وكل نتائجهم تشير إلى أن لكل مجتمع خصوصية ثقافية تحكم إطار العمل الإعلامي.
وفي خضم التداخل المعرفي، والتلاقح الثقافي بين الأمم والشعوب تتأكد أهمية التميز الحضاري لكل مجتمع، وتنشط برامج مقاومة غزو الثقافات الأخرى للثقافة المحلية، بل إن الناشطين في هذه البرامج يتصدرون طلائع النُّخب الموصوفة بالغيرة والوطنية، كما هو الحال في اليابان والصين وفرنسا وغيرها من الدول التي رفعت لواء الدفاع عن ثقافاتها المحلية، ومنحت الأوسمة والجوائز للرموز الإعلامية والنخب الثقافية التي نذرت نفسها لخدمة ثقافتها والدفاع عن الملامح الحضارية لفكر مجتمعاتها وثقافة أوطانها.
ما نحتاجه اليوم - أكثر من أي وقت مضى - أن نمنح مثل هذه التجارب وقفات متأنية فاحصة لقراءة الدوافع والأسباب والوسائل التي كانت سبباً في نجاحها وتتأكد حاجتنا إلى هذا المنزع الحضاري والثقافي الراقي إذا علمنا أن وطننا - من بين سائر أوطان الأرض - يتميز بثقافة مرتبطة بالوحي، وأن أرضه مصطفاة، وأن شعبه يتحمل مسؤولية البلاغ الفكري والاصطفاء الجغرافي. وبالتالي فإن مفهوم (سوق الأفكار الحرة) الذي يُصدِّره الغرب لثقافات العالم، إنما هو نقيض لقراءتنا مثل تلك التجارب العاقلة التي نأمل الإفادة منها، بل هو مصادم بطريقة حَدِّية لثقافتنا التي نسعى إلى المحافظة عليها، ولآمالنا بأن يكون إعلامنا في طليعة المنافحين عنها.
إن الدفاع عن ثقافة الوطن وأيديولوجيته لازمة من لوازم السيادة الوطنية، وإن هذا الوطن كبير وشامخ، وليس من علو الهمة ولا صدق الوطنية أن نكون أصغر منه بالتقصير في الدفاع عنه. وإن من المفترض اليوم أن يكون إعلامنا في مقدمة الصفوف في الذب عنه، في وقت تشهد فيه المجتمعات فرضاً قسرياً لتبني أيديولوجيات تتقاطع جذرياً مع هويتها وشروط نهضتها.
* أستاذ الإعلام السياسي المشارك جامعة الإمام - الرياض |