لا شك أن ردة الفعل التي أبداها المسلمون في كافة أصقاع الأرض من الاعتداء على شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل إحدى الصحف الدنماركية تحت مظلة الحرية، ذات تأثير إيجابي وعميق رغم أنف الأعداء ومن لا يظهرون لنا العداء لديننا ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يظهرون عدم التأثر أو عدم المبالات من أبناء جلدتنا ردهم الله إلى رشدهم.
لنتجاوز هذه الحقائق ونعود إلى التأثيرات على الساحة المحلية الإسلامية على وجه العموم والتي أيقظت هذه الفعلة جوانب قد تدارت إلى حد ما مع متغير الحياة وسرعة إيقاعها والتي عبرت عن ذلك الغضب الواعي بطريقة تلقائية تمثلت في محاسبة الضمير الفطرية من قبل المذنبين والخطائين أو غير الملتزمين بالعودة إلى معين الدين وجوهره، ثم انتقل ذلك إلى التأييد والقبول برد الفعل والحث عليها بوعي وتلك ثمرة الدين الذي هو بحاجة إليها مدى الدهر وصدق الله العظيم سبحانه قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الآية، ثم أخذت الملصقات والكتيبات والتنويهات الإعلامية المختلفة بشكل سريع ومتراكم ومتسارع تقوم بدورها في التركيز والحض على القيام بالواجب نحو الرسول صلى الله عليه وسلم بردة الفعل.
إن هذه الإجراءات الإعلامية والإعلانية بكافة أشكالها وأنواعها من كافة الأطياف قد يكون هناك من هو يسخر منها أو من لا يؤمن بجدواها الإيجابية بل يفترض سلبياتها بأسلوب مباشر وغير مباشر سواء من المسلمين أو غير المسلمين عندما يتم وضعها في معايير محددة ومجردة، إلا أن هناك الوقع الإيجابي الكثيف إذا تمت الرؤية لذلك بموضوعية وأبعاد شمولية ووعي يتناسب مع وجوبيتها الإيمانية بالنسبة للمسلمين وفهمها بوجه يجعل منها ملامسة للشعور المعتقدي وتفاعلي بالنسبة لغير المسلمين يجعل من استثمارها بكافة الأطراف مفيداً للجوانب الأمنية والاطمئنان لكافة الأديان لا أن نقوم بالكيل ضدها في رؤية محدودة تنحصر في الاستفزاز للأطراف أو طرحها بمفهوم عدم الإيجابية أو الأفكار، ولنجعل من ردود الفعل هذه إيجابية وأسس يمكن استقراؤها وإعادة النظر في تأثيراتها المستقبلية ومن ثم تطويرها وتلمس الهفوات والأخطاء فيها لإثرائها بما يتناسب مع الواجبات الدينية والمناهج التشريعية، أما قضية مقاطعة المنتجات الدنماركية ومن ماثلها في السلوك من الدول الأخرى عموما فإن الرؤية القريبة قد تدعو إلى التساؤلات التي تدفع إلى الإجابات التبريرية لعملية التجاوز أو القبول الإجباري أو التراجع عما تم التأكيد على التعاون من أجل تحقيق الأهداف أو التردد في عملية نجاح هذه الإجراءات.
ولكن قبل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة يجب أن ننزر بموضوعية وتبصر إلى الإجابات الذاتية ووضعها في ميزان الرؤية الإيجابية في تكامل يكفل عدم التمادي في جانب على حساب الجانب الآخر أو طغيان منهجية محددة الإطار أو التوجه أو الإملاءات أو الاسقاطات سواء كان مادية أو غيرها، وهذه التساؤلات هي: هل يستطيع العالم الإسلامي أن يعيش بدون أن يستهلك منتجات الغرب أو أن يستفيد من خبرات وتقنيات الغرب ومصانعه وقدراته البشرية والمالية، وهل يستطيع الغرب أن يستمر في دفع عجلة صناعته دون المستهلك الإسلامي ودون رأس ماله، ربما في الإجابة على الجزء الثاني من السؤال رداً على أحد المسؤولين الدنماركيين الذي قال: إن العالم الإسلامي بحاجة إلى منتجاتنا ومصانعنا لتشغيل أبنائهم.
- هل يستطيع رأس المال الإسلامي أن ينمو في موطنه دون أن يهاجر باحثاً عن مناطق أخرى في العالم ويقوم بإعادة التقييم والتقويم ويعود إلى رشده ليخدم دون خوف أو تردد خاصة في هذه المرحلة.
- هل مقاطعة الدنمارك أو أي دولة في الاتحاد الأوروبي بالنسبة للعالم الإسلامي جزئية وبالنسبة للغرب كلية تقطع الطريق على محاولات الغرب تسويق المنجات الدنماركية أو غيرها من الدول وقد لبست هوية دولة أخرى غريبة أو غير غريبة.
- هل نشر هذه الرسومات في دول أخرى من باب التحدي أو الضدية للإسلام أو من باب الحرية أو من باب الاستكشاف من هم، وقوة الضد في الدول الغربية أو غير الإسلامية بصورة أشمل وإذا كانت هذه النزعات موجودة أو مستهدفة أو أحدها ما هو موقفنا منها؟ وهل يستلزم ذلك إعادة الحسابات التعاملية وبحذر ومسؤولية.
- هل نشر هذه الرسوم خطة يراد منها جس نبض وقوة رد الفعل الإسلامي لتتم صياغة أخرى للتعامل معه من قبل الغرب وبأسلوب آخر، وهل ذلك مؤشر للدول الإسلامية بفشل خطط الغرب الفكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية والتي مورست في الحقبة الماضية وتواجه عقبة عدم الاستمرارية بالرغم قوة مواجعها.
- هل المقصود من نشر الرسوم إحداث انشقاق واسع الهوة في العالم الإسلامي بين ولاة أمورها وشعوبها والتضاد بين مفكريها في تباين بين مؤيد ومعارض لإيجاد واستمرار وإيقاد المواجهة لتمرير الخطط والتطلعات الغربية الضدية وهذا يدفعنا إلى السؤال لماذا تردد الغرب في الاعتذار للعالم الإسلامي والتلويح بأن المشكلة سيطول حلها.
- هل قصد الغرب بذلك إنابة الدنمارك ومن تجرأ معها من الدول الغربية لكونها بوابة تحظى بالقبول في العالم الإسلام إلى حد ما بحكم عدم بروزها صراحة في مواجهة العالم الإسلامي لينصرف من استيعاب أو الاستعداد للتحرك الغربي المستهدف احداث الشروخات في العالم الإسلامي الذي أخذ الغرب خطوات أبعد من التسلط إلى الإلغاء والتسخير لإنجاز بقية خطط القرب فيه بداية بالسخرية بعقيدته.
- هل يقصد الغرب من ذلك معرفة قدرة الآلية الإسلامية التضامنية تحديداً كمنظمة العالم الإسلامي وغيرها من الكيانات الرسمية وغير الرسمية على التعامل مع هذه الأزمة وإدارتها خاصة أنها تمس العقيدة أو أنها تتعدى ذلك لمعرفة الجانب الآخر من الحركات الإسلامية المتطرفة ومدى قدرتها على دخول الصراع مع العالم الإسلامي الوسطي لينصرف العالم الإسلامي جله عن الغرب، وما تلويح الغرب بخشية استغلال القاعدة لهذه الأزمة إلا دليل على ذلك لإحداث ارتباك وعدم الاتزان أو القوة في الردود إزاء هذه الأزمة.
- هل إجابات الغرب المضادة للدنمارك أو غيرها أو الاعتذار الرسمي أو إصدار القوانين العالمية لحماية الأديان كافٍ في الردع أو إيقاف محاولات الغرب في الهجوم على الإسلام والمسلمين والوقوف عند ذلك الحد من قبل المسلمين.
- هل المقصود بهذه الاعتداءات من رسوم وغيرها الوقوف ضد مبادئ حوار الأديان وإيقافه أو تأييد اتجاه طرح صراع الحضارات التي نراها بين الفينة والأخرى في عصرنا الحاضر.
- هل فكرنا العلمي والعملي كافٍ لمواجهة ما يراد بنا ولنا وهو ما نراه في الواقع من تجرأ على ديننا عملياً من هدم المساجد وقتل المسلمين ومن ثم السخرية بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وربما المستقبل ينبئ بالأسوأ.
- هل هذه الممارسات من قبل الغرب يراد بها التأكيد على غرس التردد والمفارقات التي تتم تنميتها من قبل الغرب بأي شكل من الأشكال في مظاهر عدة منها الديمقراطية وتسويقها - وأعني الديمقراطية التي يريدها الغرب لنا كمسلمين - ويتم من خلالها تنفيذ برامج الاختراق الوطني لكل وحدة وطنية على حدة دون تكليف عالية جراء الانشغال بالقضاء والمواجهة والخلافات واستغلال مفارقات التوقيت الزمني في ردود الفعل.
- هل ردود الفعل الإسلامية حرية بالاستمرار أو الإصرار على المبادئ وإنها ذات قيم عالمية تخلق إحساساً لدى الغرب بوحدة العالم الإسلامي ليتم التعامل معه بشيء من الجزئيات رابطها الأساسي المصالح المادية فقط مما يسهم في حد الزحف الإسلامي في الغرب الذي يواجه بأشكال متعددة بدءاً بمنع الحجاب ووضع ضوابط أمنية يحدد الغرب على ضوئها مدى قدرة الإسلام على الانتشاى واتخاذ إجراءات للحد من اتساع رقعته كعقيدة جامعة لا إقليمية معلمها الجنس أو اللون أو الجنسية، ولعل في إسراع بعض الدول الغربية في إصدار قوانين ضد المسلمين المقيمين فيها بحجة محاربة الإرهاب دليل على ذلك.
إن أطروحات ردود الفعل ضد ما قامت به الدنمارك في العالم الإسلامي بحاجة إلى الاستمرار بعد تقويمها لأن تكون عاطفية لحظة أو استفزازية زمنية أو انفعالية متهورة غير واعية تطرح بأسلوب سطحي ينحصر في الاستعراض فقط أو تحدث ردود فعل سلبية كاستخدام العنف أو تراجعية ترضي وتقف عند السقط من القول لتخديرها ثم استغلال مظاهرها كسلاح ضدي في جهل من قبل الرعاع تنعكس آثارها على الجميع، بل يجب أن تأخذ عناية من الجميع وأن تتخطى الشكلية إلى التعمق والتأكيد على الخطر الذي سيواجه أجيال المستقبل، وهذا من الواجب الذي يمليه الدين أولاً ثم الوطن وولاة الأمر لا أن تترك لغير الواعين أو الانفعاليين السطحيين فيكون الجرح غائراً لا ينفع معه العلاج.
إن ردود الفعل من قبل الحكومات قد لا يقبلها البعض لعدم وعيهم لتصرفاتهم أو سطحيتهم أو لشيء ما في نفوسهم ضد بعض الحكومات لا تعني عدم القيام بالواجب تجاه الدين والعقيدة وإنما هي مساحة من الحرية النموذجية الإيجابية الحقيقية وهذه الحرية يجب ألا تتجاوز لتتعدى إلى المصالح الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وهي واجبات الحكومات الرئيسية والتي فقدها يحدث فساداً وتجاوزاً ممن لا يدركون آلية التطبيق الواعي والوجوبي الشرعي نحو الإسلام والمسلمين وتأثيرها على الكيانات الوطنية، ولعل مظاهر العنف والاعتداء على الحقوق الشخصية والمعابد لأهل الديانات الأخرى ممارسات الإسلام برئ منها والمسلمون، وربما أوجدت تلك التصرفات فرصة للغرب في أن يقوم بتشجيعها ودعمها بوعي منه ليظهر الإسلام عدواً للديانات الأخرى أو مقتفيها كسلوك يبيح لهم الإمعان في محاربة الإسلام بشتى الوسائل وباستخدام أصحاب هذه الديانات لتحقيق أهدافه ومآربه المادية وغير المادية.
وليس أمامنا إلا الاستمرار في الدفاع عن الإسلام كواجب شرعي بوعي ورقي وتحضر ورؤية شرعية خالصة من التعصب أو الإصرار على منهجية لا تعتمد على الإدراك لمنهج التشريع كما جاء بها الإسلام، والله الموفق.
|