الساعد الأيمن لابن لادن (الظواهري) كان طبيباً، وأحد المنشقين الذين اتخذوا من الإسلام واجهة ليمرروا من خلالها برامجهم السياسية، عبر إذاعة الإصلاح في لندن كان يعمل طبيباً أيضاً، وبل إن بن لادن نفسه، كان خريج جامعة تخصص إدارة أعمال وهو تخصص أبعد ما يكون عن حلة الشيخ الوقور التي يظهر بها بين الجبال والبنادق والوعول، بشكل أسطوري يلهب خيال المراهقين والسذج.
وأخيراً ظهر لنا مؤخراً أحد المحسوبين على التيار الإسلامي، (ولا أدري تحت أي مظلة يعمل بعد ظهور أسماء وفرق من نوع البنائين والسروريين والجاميين)، وجميع أولئك المتقاطعين مع المدرسة السلفية التقليدية، ولكن الأخير تصدر للفتوى ولإطلاق الأحكام يميناً وشمالاً، بخطاب محتدم بالنبرة المتشنجة التي تتوسل النكهة الإسلامية لتمرير آرائها الشخصية ومعتقداتها وهذه الشخصية أيضاً خريجة جامعة بريطانية تخصص سماد طبيعي)!!!
والغريب في أمر هؤلاء أنهم جميعهم يتحدثون باسم الإسلام ويصدرون بياناتهم وشعاراتهم وخطاباتهم الجماهيرية من خلاله، وكأن الإسلام مقتنى شخصي خاص بهم (أو تفسيرهم) دون بقية العالمين، وجميعهم ارتدى عباءة الشيخ الواعظ وتصدر للفتوى دون أن يمتلك الأرضية الشرعية المتينة التي تجعله يعي وعياً تاماً الشروط الشرعية والفقهية الخاصة بهذا الأمر.
الملاحظ أيضاً أن جميع الشيوخ الأفاضل الذين تخصصوا في العلم الشرعي وتبحروا فيه، وميزوا بين الفروع والأصول عن علم ودراية يندر أن يظهر منهم، من يتبنى ذلك الخطاب السياسي المؤدلج العنيف المستتر خلف الغطاء الديني الذي يتبناه أنصاف الشيوخ أو أرباعهم.
بل تجدهم أكثر وعياً وشمولية وتسامحاً من الواقع البشري، بل لديهم قدرة على قراءة للعصر موازية لقراءة التراث وأكثر قدرة على ربط ما هو أبدي بما هو متغير، ولديهم من العلم الشرعي الواسع الذي يؤهلهم لامتثال قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، فهم يعلمون أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتدافعون الفتوى لعظم وجلال أمرها.
الإشكالية هنا أن الأنصاف والأرباع والأشباه عجزوا أن يمدوا الإسلام بخدمة واحدة حقيقية تندرج تحت تخصصهم، فابن لادن لم يحاول أن يسخر أمواله الطائلة التي اكتسبها من (البئر التي ألقى بها أحجاراً وليس حجراً) لبناء المدارس أو المستشفيات، أو تعبيد الطرق، أو بناء مشروع قرية إسلامية صغيرة تكون أنموذجاً للتدريب وتعليم الفقراء ومحاربة جحافل الجهل والفقر والأمراض التي تطوق العالم الإسلامي، وليخبر من خلال ذلك العالم بأن المسلمين ليسوا برابرة أو متوحشين، كل ما فعله أنه انشغل بمعسكرات التدريب والتجييش الأخرق الذي جلب للأقوام الفقيرة المعدمة التي يعيش بينهم الطائرات الغازية لتدك خيامهم، الظواهري الذي يتحفنا بفتوى شرعية بين الفينة والأخرى، لو أنه اخترع مصلاً واحداً يعالج ثلاثة آلاف مريض بعدد الذين قتلوا في (11 سبتمبر) وسمى هذا المصل (إسلام) ماذا كان سيصنع للإسلام والمسلمين، وكيف سيخلده التاريخ؟ وفي العالم؟ وقارنوا هذا بسمعتنا العالمية الآن.وسواهم من الذين هجروا تخصصاتهم الأصلية والمشترطة بالإعمار والبناء واختفوا خلف عباءة التقوى ونثر التصاريح الغوغائية ذات اليمين والشمال، ولم تثمر من خلفهم شجرة واحدة لإعمار هذا الكون، وهي المهمة الأولى التي خلق الله العباد من أجلها، فقط كل أهدافهم تنحصر في تأويل للتراث الفكري والديني معاً بما يلائم أهدافهم السياسية.كارثتنا الحقيقية في الأنصاف والأرباع والأشباه الذين يروجون لآرائهم الشخصية الخاصة تحت عباءة الكامل والمطلق.. دون أن يصنعوا لدينهم وشعوبهم إنجازاً واحداً... فقط واحد، يخدم هذه الشعوب حضارياً وتاريخياً واقتصادياً، وما زال في جعبتهم الكثير.. أعاننا الله وإياكم.
|