انتقد بعض المتعاملين في سوق الأسهم حديث معالي وزير المالية عن سوق الأسهم، حيث كانوا ينتظرون أن يقول إن الدولة ستشتري أسهمهم وسوف تنفق الأموال للتدخل في السوق خلال تعرضه لحركة تصحيحية قاسية خلال الأسبوعين الماضيين، وللأسف انضم بعض الاقتصاديين بنية حسنة أو غيرها إلى ذلك الانتقاد غير المبرر لأنهم كانوا يمشون مع رغبات المستثمرين وتطلعهم إلى حبل نجاة، وربما أن بعض هؤلاء من المتعاملين في سوق الأسهم الذين يريدون الربح وينتظرون تدخل الدولة لشراء أسهمهم بأرباح أو الحد من خسائرهم مع أن السوق ولله الحمد ومنذ ثلاث سنوات وهو يسجل نسب ارتفاع غير مسبوقة، كما أن الأسواق عموما لا تسير على نمط واحد وليس هناك سوق يرتفع باستمرار أو ينخفض باستمرار.
وليس دفاعا عن معالي الوزير القول إنه كوزير مالية ومسؤول عن المال العام لا يمكنه الموافقة على استعمال الأموال العامة لحماية أموال خاصة أو تبني هذا الاتجاه؛ لأنه محظور في جميع الدول المتقدمة ولا يحق للسلطات المالية في تلك الدول التدخل لحماية المستثمرين من جراء قراراتهم الاستثمارية التي اتخذوها بملء إرادتهم، كما أن معالي وزير المالية كان يتحدث إلى العالم وليس فقط إلى السعوديين عندما ظهر على التلفزيون وهو يدرك ويعي جيداً أن كلماته تحسب على المملكة وتقاس بمدى تطابقها مع المعايير الدولية التي لا تقر هذا التدخل في الأسواق، ومحاولة التأثير على قرارات البيع والشراء وحرية السوق وقوى العرض والطلب والبنك وصندوق النقد الدوليان يشيرون دائما إلى عدم جواز ذلك وخطورته على المدى البعيد. ومعاليه أيضاً عندما تحدث كان يدرك أن كلماته محسوبة بدقة ليس عليه شخصياً وإنما على سياسة المملكة المالية دولياً وعلى مصداقيتها المصرفية وتؤثر على وضعها الائتماني وتقييم المؤسسات المالية الدولية لها ومستوى التصنيف الذي تحظى به جراء سياساتها المالية والنقدية التي ولله الحمد هي مصدر فخر للمملكة وسبق أن أثنى عليها تقرير صندوق النقد الدولي لما تميزت به من مهنية عالية ومصداقية كبيرة والتزام بالمعايير الدولية سواء على المستوى الاقتصادي الكلي أو الجزئي وسواء على تطبيقات توصيات ومعايير (لجنة بازل) أم على الوضع المالي الكلي، كما أن وزير المالية كان يتحدث في برنامج تلفزيوني ويجيب عن سؤال محدد، وكان الهدف من ظهوره هو الحديث عن مقومات الاقتصاد السعودي ومتانة بنيته المالية والنقدية المعروفة وتوجهات الاقتصاد والاستثمار وإيضاح المعلومات عن الدخل المتزايد والدين المتراجع والاحتياطيات المرتفعة والأنظمة المتحررة وفرص الاستثمار الواعدة والمتزايدة ليس أقلها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وغيرها من المشاريع العملاقة التي هي قيد التنفيذ أو قيد الدراسة مثل ينبع (2) ومشاريع سابك والزجاج والأسمنت والتي لدى المملكة ميزة نسبية فيها وسوف تلقى بظلالها الإيجابية على الاقتصاد وعلى سوق الأسهم الذي هو قوي بقوة الاقتصاد والموارد المالية والاقتصادية المتعاظمة التي تحدث الوزير عنها وهذه المعطيات هي الوقود خلف أي سوق مالي وهي المحرك واليد الخفية التي تدفعه إلى أعلى ولا خوف عليه في المدى المتوسط، والبعيد المدى ولكنه سوق أسهم كأي سوق آخر يرتفع ويهبط لأمور مختلفة بعضها لا علاقة له بقوة الشركات ووضعها المالي والتجاري مثل الحالة النفسية من تشاؤم وتفاؤل والإشاعات الخاطئة أو المقصودة والإدارة وغيرها ولعل من فوائد هذا التصحيح القاسي الذي ذهب ولن يعود إن شاء الله ومن إيجابيات هذا التصحيح القوي والصحي هو تعليم وتثقيف للمستثمر السعودي وأهم منه الإدراك لأهمية وحجم سوق المال السعودي، وقديما كان يقال في الولايات المتحدة إنه إذا عطس (وول ستريت) أصيب العالم بالزكام وعندما عطس سوق الأسهم السعودي الأسبوع الماضي أدرك الجميع مكانة وأهمية وقوة اقتصادنا الوطني ولله الحمد، حيث عطس السوق السعودي وقالت الأسواق الخليجية والعربية بصوت واحد سلامتك يا قائدنا وسلامة الاقتصاد السعودي الصاعد بقوة وسوقه الواعدة وقيادته الوطنية الرائدة.
وسوق المال السعودي كأي سوق آخر يأخذ قوته من الاقتصاد القوي والمتنامي الذي يقف خلفه ويغذيه بالسيولة وبالثقة والاطمئنان والتفاؤل، وكما هو معروف فإن الحالة النفسية من أهم العوامل ولا بد من شرح الأمور باستمرار والتحذير من التشاؤم المتزايد أو من التفاؤل غير المبرر والبعد عن الإشاعات وعدم الانجراف خلفها ونظام السوق المالي يجرمها، وكذلك أنظمة الدول الأخرى بجانب التصرفات الأخرى غير النظامية وسوف أختم مقالي بطرفة عن قوة الإشاعة حتى في الدول المتقدمة حيث يقال إن أحد رؤساء مجالس إدارة إحدى الشركات استدعى المستشار المالي الكبير للشركة وتذمر من نزول سعر سهم الشركة وقال له: (افعل شيئاً لتساعدني قبل اجتماع الجمعية العمومية أرجوك أرجوك) فوعده المستشار خيراً ثم بعد مدة بدأت أسهم الشركة بالصعود وارتفعت الأسعار باضطراد مما أسعد رئيس مجلس الإدارة الذي استدعى المستشار المالي المرموق وقال له: (ماذا فعلت بربك ماذا فعلت؟) فتردد المستشار وقال: (ليس ضرورياً أن أخبرك ويكفي النتيجة الطيبة)، ومع إصرار رئيس المجلس المتزايد وإلحاحه المستمر قال له المستشار: (أخشى ألا يعجبك جوابي). فأصر رئيس المجلس بشدة وقال: (إنك صديق وأعدك أنني لن أهتم فالنتيجة سرتني جداً وسرت جميع المساهمين)، عندها قال له المستشار المالي وهو يبتسم: (لقد سربت إشاعة في السوق أنك ستستقيل يا سيدي).
وكل عطسة وأنتم بخير وارتداد أكبر منها على الدوام في ظل معطيات إيجابية متزايدة وقيادة واعية واقتصاد متنامٍ.
|