Saturday 18th March,200612224العددالسبت 18 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

الزَّمن الأسْود ل (الدجاجة) الزَّمن الأسْود ل (الدجاجة)
أنور عبدالمجيد الجبرتي

* لا تكُن (دجاجة) في أي زمان أو مكان.
* ولا تكُن (دجاجة)، على الأخص، في هذا الزمان.
* فإنْ فعلت، فأنت مقتول، منتُوفٌ، ملعونٌ، مذموم.
* لم يفعل الدجاج شيئاً مؤذياً حقاً، وإن كان ثمة أذى فالإنسان هو المسؤول قذارةً وإجمالاً، كان الدجاج دائماً مستسلماً لِقَدره ووظيفته في الحياة، مُلْتزماً بمرْتبته في سُلّم الكائنات.
* بعثروه في الأرياف المتخلفة البائسة، وفي أخنان الحارات الفقيرة، وفي آبار السلالم، وأسطحة المنازل المتهالكة، وعبث به الأطفال المتشردون البائسون مثله، وانقضَّ عليه جزارون جبابرة، وربَّات منازل بدينات، شرِسات، نهمات.
* وعندما تطور نظام الحياة والإنتاج، حشدوه بالآلاف في مزارع ضخمة، وتآمروا بأضواء (الفُلورسَنت) فأحالوا ليله نهاراً، وظلامه ضياءً، حتى يبيض كثيراً، ويتضخم لحماً عظيماً، فتزين به الموائد الفخمة، وتربح منه مطاعم الوجبات السريعة.
* ولم يكن ذلك كافياً، فثمة مهانة وفظاعات أخرى.
* تشابك مصير (الدجاجة) وتداخل مع نسيج الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وربما السياسية في المجتمعات المتقدمة والمتخلفة فخرجت باسمه مظاهرات حاشدة، وعقدت حوله مؤتمرات وندوات، واهتزت صناعات، واقتصاديات، ونهضت إلى شأنه فضائيات ودوريات حتى كاد يصبح عدو الإنسانية الأول، في الوقت الحاضر على الأقل، ولم يكن للدجاجة في الأساس ذنب أو خطيئة، إلا أنها كانت طعاماً سهلاً رخيصاً، يزود مئات الملايين ب (البروتين) الذي يقوم بأدْدِ الفقراء، والمساكين، ويُغْنيهُم عن التطفل على موائد اللحوم الأخرى المكلفة التي يتلذذ بها الأغنياء ويتنعمون.
* وإذا كانت مصيبة (الدجاجة) كبيرة في هذا الزمن فلربما كانت صدمتها الأعظم في المجتمعات الفقيرة المتخلفة.
* قامت علاقات حميمية في هذه المجتمعات بين (الدجاجة) والإنسان، فرضتها، على كليهما، ظروفُ الفقر والبؤس والمعاناة و(الدّجاجية) المشتركة.
* عاشت (الدجاجة) مع الإنسان الفقير المتخلف، حياة عائلية، واقتصادية متلاحمة.
* تشاركا في المسكن والمبيت، ولعبت مع أطفاله وأشرقَت تغني مع فجره وتكأكئ متناثرة، في ظلمة ليله، ورفعت رأسه على موائده في مناسباته الاجتماعية، وأعطته الدراهم القليلة التي يسد بها حاجاته البسيطة، وشكلت عنصراً مهماً من عناصر ثروته المتواضعة، وصنعت موسيقى تصويرية بريئة مميزة في باحات الفقر، والتخلّف على امتداد العالم العاشر المسكين.
* وعندما وقعت مصيبة (إنفلونزا) الطيور، كانت الكارثة أعظم ما تكون على (دجاجة) العالم البائس الفقير.
* هناك ذبحوها بمئات الآلاف، وحفروا لها المقابر الجماعية، ودفنوها حية تنتفض وتصرخ، ودمروا أعشاشها البسيطة، وأحرقوا أخنانها المتهالكة، وأوشكوا أن يفتكوا بالحياة الاجتماعية والاقتصادية لأصدقائها الفقراء.
* في العالم المتقدم الثري، كانت هناك دائماً مسافة اجتماعية واقتصادية بين الدجاجة والإنسان، وحفظت هذه المسافة للدجاجة بعضاً من احترامها، وكثيراً من حياتها فاقتصرت الإجراءات المتحضرة على إعطائها أمصال الوقاية، ومنعها من التجول في الفضاء الفسيح حتى لا تلتقي خِلْسَةً مع الطيور المهاجرة.
* في العالم البائس الفقير، كان هناك السفح والقتل والنَّتف والمقابر الجماعية.
* وهكذا الفقر والبؤس والتخلف، لا تنفع معهم صحبة، ولا يجدي فيهم معروف، ولا تنجو من لعنتهم حتى (دجاجة).
* لا تكن يا ولدي يوماً (دجاجة)؛
* ولا تكن أبداً (دجاجة) في عالم بائس فقير؛
* فلا عزاء اليوم للدجاج، ولم يكن له يوماً عزاء.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved