إنَّ الله عزّ وجل بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين واصطفاهم على سائر الخلق، واجتبى منهم محمداً صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس أمور دينهم، وجعله نبياً ورسولاً، وبعثه رحمة للعالمين وجعل رسالته خالدة إلى يوم الدين وهي رسالة السماء رسالة الإسلام التي تكفل الله عز وجل بحفظها لقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(9) سورة الحجر، والرسالة هذه دستورة المسلمين إلى قيام الساعة، لأن فيها الخير والنجاح والفلاح والصلاح، فقد نقل عليه الصلاة والسلام الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام الذي عم الأرض قاطبة ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو المربي الأول والمعلم القدوة للبشرية جمعاء، فهو المصباح المنير الذي أخذ بأيديها إلى جادة الحق لينقذها من براثن الجهل وعبادة الأصنام والأوثان إلى نور الإيمان، وكان عليه الصلاة والسلام رحيماً كريماً معطاءً مربياً حكيماً جريئاً في الحق شجاعاً في الملمات، وكان خلقه القرآن، ومن أراد أن يعرفه فليقرأ القرآن، وكان يتمتع بعظيم الفضائل والشمائل، وقد أثنى عليه البارئ جلت قدرته في محكم كتابه ووصفه بوصف عظيم حيث قال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم.
فهو عليه الصلاة والسلام حبيبنا ورائدنا وقائدنا وقدوتنا نحن المسلمين في كل شيء، فلم يعرف عنه أن جهل أو عمل سوءاً قط لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وجاء منقذاً للثقلين الإنس والجن ليجنبهما الهلاك في الدارين، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا ودلنا عليها في سنته المطهرة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا وأولادنا ومن كل شيء وهو رمز وعنوان لنا فأرواحنا له الفداء.
وعلماء العالم أجمع وكتابهم وأدباؤهم على اختلاف أديانهم يعرفون مكانة الرسل عامة عليهم السلام، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة عندنا نحن المسلمين.
إلا أن ذلك وللأسف الشديد لم يردع أعداء الإسلام عن غوايتهم ولم يرعوا عن ضلالتهم بحريتهم المزعومة نعم بحريتهم المزعومة الباطلة المكذوبة في قدحهم وفجأة استيقظ العالم أجمع على فاجعة عظيمة بحقنا نحن المسلمين، كيف لا؟ وقد نال الأعداء من نبينا ورسولنا وقدوتنا ومربينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي هو من أساسيات ديننا نحن المسلمين فلا يمكن أن يكمل إسلامنا ولا إيماننا إلا بالذود عن هذا النبي المختار عليه السلام الذي نحبه أكبر من أنفسنا ووالدينا وقد قال الله عز وجل: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(56) سورة الذاريات، وحاشاه لله أن يكون مثلما نعتوه.
ونحن المسلمين نعلم علم اليقين أن الاستهزاء برسولنا محمد عليه الصلاة والسلام هو استهزاء بنا جميعاً، والعالم كله يعرف ذلك أيضاً، وهذا شيء يثير حفيظتنا ويوغر صدورنا، ومما يزيد الطين بلة وللأسف أن العالم أجمع قد سمع بهذا الحديث، وشاهد بأم عينيه الصورة الكاريكاتيرية المزعومة التي نشرتها الصحف الدنماركية، ووقفت وقفة المتفرج فلم يحرم ساكناً وكأن الأمر لا يعنيه، مع العلم أنهم في أدنى الأمور يقيمون الدنيا ولايقعدونها، حتى من تكلم منهم حول هذا الحدث الفظيع الجسيم تكلم باستحياء وكأن القوانين الدولية أيضاً لمثل هذا الحدث قد تبخرت وتلاشت حتى في حفظ مثل هذه الحقوق وتقدير هذه المشاعر بصفة عامة، فقد طفح الكيل وجاوز الحزام الطبيين، وفي الحقيقة أن الدنمارك قد تجاوزات الخطوط الحمراء في ديمقراطيتها وحريتها المزعومة بأن نالت من شخصية رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام الذي هو إمامنا.
ورداً على الهجمات المغرضة المأجورة غير المبررة، كانت حكومة خادم الحرمين الشريفين سباقة إلى استنكار هذه الحملات المحمومة كعادتها بعد محاولتهم إطفاء نار هذه الفتنة العمياء منذ أشهر عن طريق اتصال السفراء والدبلوماسيين بهذه الدولة الدانماركية مثيرة هذا الحدث.
وهي سباقة لمملكتنا المغرضة الحبيبة تسجل في رصيد خدمة الدين، إلا أن حكومة الدنمارك لم تأبه ولم تهتم بهذه الاتصالات، مما ألجأ حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى هذا الاستغراب والاستنكار في مجلس الوزراء بعد عقد جلسته العادية، كما أن مجلس الشورى استنكر أيضاً، وغير ذلك العديد من الجمعيات الإسلامية في مملكتنا الغالية.
وتوج هذه التصرفات الحكيمة من لدن حكومتنا الرشيدة الانتفاضة الشعبية القوية التي لو لا لطف الله عز وجل أولاً ثم توجيهات ولاة أمورنا وتربيتنا على الحكمة والتأني في اتخاذ القرارات، لحدث ما لا تحمد عقباه، فكان ذلك الموقف مثلجاً للصدر من رجال الأعمال والمواطنين في مقاطعة منتوجات أعداء الملة الذين استباحوا أعراضنا ونحن ندافع عمن كان منهم بين ظهرانينا.
وهذا الحدث الإسلامي الكبير لم ينته عند هذا الحد، بل كانت هناك مواقف مشرفة من دول خليجية وعربية وإسلامية بأن شدوا أزر هذا الموقف، ناهيك عن تلك الشعوب التي وقفت موقف الشجعان، فكان منها مواقف كبيرة وكثيرة لا تعد ولا تحصى، مع تحفظنا على بعض ما بدر من إخوان لنا دفعتهم الغيرة والنصرة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلابد لإخواننا أن يستشعروا بأن لنا إخوانا بين ظهراني أعدائنا في دولهم، فعلينا إذاً أن نتعامل مع مثل هذه الأحداث بحكمة وحنكة وحذر، وأن يكون لنا مرجع من علماء ربانيين عرف عنهم الحكمة في عنفوان المواقف وشدة لهيبها، كيف لا؟ وقد أمرنا الله بأنه إذا ألمت بالأمة المحمدية نازلة يرد ذلك لولاة الأمور من أهل العلم والربط لقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء.
وجملة القول أن نتساءل هل يكفينا الاعتذار نحن المسلمين من أعداء الله ومن حكوماتهم وصحفهم؟ أم نريد شيئاً منهم علاوة على الاعتذار؟
كأن يظهروا محاسن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في صحفهم، كما وأن هذه الإملاءات على أعداء الملة، من الجهة المخول لها بإملائها، أهي حكومات العالم الإسلامي، أم المؤسسات الإسلامية غير المرتبطة بدول؟ أم إخواننا المسلمون الذين يقطنون بين ظهرانيهم؟
هذه تساؤلات!؟ فهل نجد علماءنا كعادتهم يبيونها لنا وللشعوب الإسلامية قاطبة بجرأة وصراحة؟
وأخيراً وليس آخراً علينا أن نحسب الحسابين بأن نعلم جميعاً أن بعد الشدة رخاء، وبعد الضيق فرج، كيف لا؟ وقد قال الله عز وجل: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} الآية, وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ذلك النبي الأمي: (لن يغلب عسر يسرين).
وقال الشاعر أيضاً:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج |
أخي القارئ: قبل أن أودعك أريد أن أهمس في أذنك بالا تكون نظرتنا للمصائب والنوازل نظرة تشاؤم لأن تلك النظرة ستكون مثبطة للعزيمة وتجعلنا ندور في حلقة مفرغة، بل علينا أن نكون متفائلين في نظرتننا لننطلق بحرية واثقين من قراراتنا لنحقق الهدف المنشود ولكي نفوت الفرصة على أعدائنا بأسهمهم التي يريدون أن يردونا بها وتكون لنا قاتلة، وحينها نذوق حلاوة النصر بعد هذه الشدائد العظيمة، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، وأملنا بالله كبير.
|