يعتبر المتدربون ثروات حقيقية لشعوبهم، بل كنوزها الفعلية، فعن طريقهم يتوافر للدولة ما تحتاجه من تقنيين يخدمونها في شتى مجالات التنمية ومختلف ميادين الحياة، وحتى يتمكن هؤلاء المتدربون من إفادة أوطانهم بكل ما لديهم من قدرات واستعدادات وطاقات وحتى يكون إنتاجهم ذا قيمة لابد من إحاطتهم بالعناية والاهتمام والرعاية من قِبَل مدربين أكفاء لديهم من الإمكانات والقدرات الكبيرة والتي دعموها بثقافة الجودة، مما يمكّنهم من إنبات (المتدربين) ليستطيعوا من ثم أن يسهموا بصورة مفيدة وفعّاله للمجتمع، وفي هذا السياق تتوجه المؤسسة العامة ببرامجها وتكثيف أنشطتها حول المتدرب السعودي، سعياً منها لبناء شخصيته التقنية وتأهيله حتى يلج الألفية الثالثة وهو مزوّد بالمهارات والنظم القادرة على بنائه بذهنية واعية تراعي ثورة المعرفة التي فرضت نفسها في هذا العصر محركاً جديداً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.
من أجل هذا سنعرض لمحاولة نجتهد فيها تصنيف المدربين في الكليات التقنية في المملكة اعتماداً على درجة استيعابهم وإمكاناتهم لتحقيق التقدم في نطاق (ثقافة الجودة)، التي أصبحت هاجساً وبعداً إستراتيجياً للكثير من المنظمات التقنية في مختلف دول العالم، فالثورة الصناعية الهائلة في تقدم مستمر والمنافسة الشرسة التي تنتظر خريجي المؤسسة في سوق العمل الذي لا يعترف بالشعارات والمبادئ، سوى شعار التفوق ومبدأ الربح، غير مكترث بإحصائيات البطالة وحملات السعودة-على أهميتها- إذا هي لم تقدم له أفضل من الوافد (العامل الأجنبي) أو على الأقل المكافئ له، ذلك أن منظمات القطاع الخاص تنشد متدرّبين على مستوى عال من المهارات والكفاءات وسرعة الاستجابة والقدرة والقابلية لاكتساب ما هو جديد في عالم اليوم والغد. وفي هذه المقالة نتطرق لنوعية المدرّبين في الكليات التقنية -حسب التزامهم بمبادئ الجودة- وذلك كنظرة عامة -تحتاج الى دراسات لاختبارها وتحديد درجة تمثيل كل صنف- فهم ينقسمون إلى ثلاث مدارات أساسية وهم:
1- المدار الأول وهم المدرّبون الذين لديهم صفة (الأقدمية المهنية)، أي أن لهم في العمل أكثر من عشرين سنة، وهم من حاملي الشهادات المختلفة، وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
- منهم من لا يريدون أن يقحموا أنفسهم ب(ثقافة الجودة) منتظرين متى تأتي سن التقاعد ليتقاعدوا ويتركوا أعمالهم!.
- وفئة لا تريد (ثقافة الجودة) إطلاقاً فهم لا يريدون أن يتغيروا ويتعلّموا مهارات جديدة، ويقاوموا التغيير بأي صورة كانت.
- وفئة منهم تريد التطوير والتقدم في مجال الجودة في التعليم التقني، وبما يناسب قدراتهم وخبرتهم الطويلة وهم قلة.
2- المدار الثاني وهم المدرّبون الذين يحملون شهادات (الدكتوراه) وهم قلة، وفي هذا المدار ينقسم المدرّبون إلى ما يلي:
- فئة منهم ذات ميول أكاديمية مما يجعلهم غير مقتنعين بالاستمرار في مجال التعليم التقني، الأمر الذي يجعلهم يتطلعون وبكل لهفة إلى الانتقال لبعض الجامعات السعودية.
- ومنهم من يريد التطوير والإبداع والمضي قدماً في مجال ترسيخ (ثقافة الجودة) في مجال التعليم التقني نظراً لتركيزهم على الجوانب التطبيقية وليست الأكاديمية.
- وفئة اقتنعت بالوضع القائم في الكليات التقنية فلا تريد التغيير والتطوير، بل الإبقاء على الأوضاع الراهنة دون أن تبذل أي جهد في تعليم مهارات جديدة.
3- المدار الثالث وهو أكبر المدارات وأضخمها، وهو في اتساع دائم، وهذا المدار من فئة المدرّبين الذين يحملون شهادات دبلوم عال أو بكالوريوس (الفنية، الهندسية، العلوم، الإدارة..... ) أو ماجستير في مختلف العلوم وهم أيضاً ينقسمون إلى ما يلي:
- منهم من يريد الركون إلى الراحة والدعة، فهذه الفئة لا تنتج وتحارب كل جديد، ويضيعون أوقاتهم في الكليات في قضايا خارج نطاق أعمالهم، وهذه الفئة تتسم بصفة خطيرة وهي (المهنية المميتة) حيث لا يقر لهم قرار حتى ينضم كل مدرب جديد إلى قافلتهم، وانتماء هذه الفئة ضعيف لمنظماتهم التقنية، وهم عائق كبير في سبيل (ثقافة الجودة) في التعليم التقني، ولابد من صناعة وتطوير برنامج مضاد ل(المهنية المميتة) التي ترسبت فيهم حتى نغير الثقافة التنظيمية السلوكية وبالتالي ينمو لديهم الشعور بالانتماء للمنظمة التعليمية التقنية، التي ينتمون لها، وهي مسألة صعبة للغاية، غير أنه يتعين علينا البدء بخطوة الألف ميل!.
- وفئة منهم من أتى الى الكليات التقنية لغاية في نفسه وهدف يحقق فيه رغباته الشخصية دون النظر إلى الهدف الأسمى من وجودهم في الكليات التقنية، ومن ذلك من يأتي الى الكليات بغرض الحصول على شهادات عليا أو نوع من المكانة الاجتماعية.
- وفئة تريد العمل في الكليات التقنية لمدة محددة حتى يجد فرصة أفضل فيقدم استقالته ويتجه إلى عمل آخر.
- ومنهم من رضي بأعمال إدارية بحتة وترك تخصصه فهجر الغاية التي أتى من أجلها، فهم يتنقلون في الإدارات المختلفة. وتلك الفئات السابقة في هذا المدار تسبب نوعاً من الأمراض المميتة التي تصيب جسد الجودة فتوهنه وتضعفه!.
- وهناك فئة من المدرّبين من كان همهم وشغلهم الشاغل التطوير والإبداع والإنتاجية ولديهم قابلية كبيرة لاستيعاب كل جديد ومفيد يخص الكليات التقنية وبالتالي رفع قدراتهم على تأهيل المتدرّبين، فهم يمدّون أنظارهم صوب المستقبل، دون أن تأسرهم اللحظة الراهنة، فتميل بهم صوب رؤية تشاؤمية إزاء عوائق (ثقافة الجودة)، إنهم هاهنا موضوعيون إلى حد كبير، وهذه الفئة التي يمكن تسميتها ب(المهنية المخلصة) قد حققت للمؤسسة العامة للتعليم التقني جوائز عالمية منها على سبيل المثال: حصول (مركز التعليم والتدريب الإلكتروني) في الكلية التقنية في بريدة على المركز الأول في مسابقة (رقمي 2005) المنظمة من قبل وزارة الاتصالات والمعلومات على مستوى المملكة العربية السعودية، ودخول المركز للمنافسة على مستوى العالم في مسابقة تقدمها قمة العالم لتقنية المعلومات WSAوفوزهم بهذه المسابقة العالمية على مستوى الدول العربية على المركز الأول للعام 2005-2006 في المشروع الإلكتروني:e-learning ، وكلتا الجائزتان في فرع (التعليم الإلكتروني)، والجدير بالذكر أن مدير المركز الإلكتروني في الكلية التقنية في بريدة هو الأستاذ فهد الجريفاني، الذي طوّر مهاراته في مجال التعليم الإلكتروني بشكل يستحق التنويه.
وعلى هذا المنوال فرغم أن القرآن الكريم يبّشرنا بمستقبل واعد للأمة الإسلامية يملأنا ثقة ويزوّدنا كحافز قوي في تحقيق التنمية المستقبلية رهن لما يصنعه المسلمون ومنهم المدرّبون الذين يتعين عليهم بذل جهود كبيرة لتحسين مستوياتهم وقدراتهم...
ومراراً يحدّثنا القرآن الكريم، ويحذّرنا في الوقت نفسه، من هذا الانفصال المحزن بين العقيدة والفعل حيث سيقت جماعات شتى عبر التاريخ إلى الدمار، بينما ظلت جماعات أخرى تنتظر حدوث المعجزة دون جدوى، وفي هزيمة أُحُد -على سبيل المثال- يتساءل المسلمون عن الأسباب فأجابهم كتاب الله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ...}الآية (165) سورة آل عمران.
فالمدرّبون بحاجة إلى أن يحصِّنوا أنفسهم في مواجهة التحدِّيات المقبلة، وينهلوا من معين (ثقافة الجودة في التعليم) التي تنتهجها المؤسسة العامة للتعليم التقني، عندها نخطو أولى الخطوات نحو (خارطة الطريق) إلى تحقيق الجودة الشاملة في التعليم التقني.
|