Wednesday 1st March,200612207العددالاربعاء 1 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"محليــات"

نهارات أخرى نهارات أخرى
الرقابة.. الجبل الثلجي!
فاطمة العتيبي

أكثر من يطالب بإلغاء الرقابة الاعلامية طوال المرحلة السابقة هم المنتمون للتيار الإسلامي (المتشدد).. فقد ظل خطابهم يروج لقضية المنع والحجب والخطوط الحمراء التي تمنعه من ملاحقة الأخطاء والزلات وترصد المخالفات.. ومن هذا كثير..
** فلماذا انقلب الأمر الآن.. ولماذا أصبحت الرقابة الاعلامية اليوم مطلباً ملحاً ولابد من تثبيت فكرتها بل وتوسيع حدودها حتى كادت تصبح في رأيهم أمراً عقدياً يربطها بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
** هامش الحرية في العشرين سنة الماضية كان واسعاً جداً للإسلاميين فانتشرت الكتب التي تمس جوانب شخصية وتتهم عقائد لشعراء وكتاب ومثقفين بناء على دلائل وبراهين انطباعية وتقديرات فهمية وفق ثقافة الشخص ومعاييره الفكرية.. وانتشر الشريط والمنشور والكتيب حتى أصبح يدخل البيوت ويدس تحت الأبواب ويوضع على السيارات، وفي المدارس والكليات تفتح حقائب التلميذات والأستاذات عنوة وتدس بها مثل هذه المغلفات.. وهو انتشار لثقافة ذات اتجاه واحد ووفق رؤية واحدة وتفسير واحد وفتوى واحدة.. يجتهد أصحابها في ايصالها لمن يريدها أو لا يريدها.. فالكل لابد أن يقرأ.. راضياً.. أم لم يرض!!
** في تلك المرحلة كان هامش الحرية واسعاً جداً لمثل هذه الثقافة بينما استطاع أصحابها أن يجعلوا من كل من اختلف عنها (مع أنه لم يخرج عن الدين الأساس وثوابته) هو متجاوز للخطوط الحمراء وعليه فهو يستحق المنع والحجب!
** ما الذي يحدث اليوم؟
لماذا غضب الاسلاميون؟ ولِمَ تفجر إنكارهم على من قال إن الرقابة الاعلامية اليوم ضرب من العمل غير المجدي، وهي جهد ضائع لا فائدة وراءه.
فتلاميذ المدارس الصغار اليوم يستطيعون أن يقرؤوا ما يشاؤون على الانترنت ويكتبوا ما يشاؤون وتلميذ الابتدائي اليوم يستطيع أن يقتني أي كتاب من أي مكتبة في الغرب والشرق ويحمل ما يشاء من ثقافات العالم على (سيدي) في مدة لا تتجاوز الدقائق المعدودة..
** حرية التعبير هي التي أدت إلى ظهور فكر علمي وفلسفي في العصور الإسلامية الأولى..
هل كان على الجاحظ رقيب.. أو ابن سينا.. أو ابن رشد أو كان على ابن حنبل رقيب؟..
وهل كان على عمرو بن ربيعة رقيب.. وهل كان على المتنبي رقيب، إن تربية الفرد على تشكيل شخصيته من القيم والأسس الأخلاقية الهامة التي ينطلق بعدها كي يكوِّن تجربته بنفسه فيقرأ ويقرأ وبتلاقح القراءات تتفتح مدائن الإبداع..
** حرية التعبير هي التي ستساعدنا على تضييق هذه الفجوة التي ظهرت في أفكارنا..
** ولا يوجد حرية مطلقة.. لكن هناك هامش حرية كبير..
ففي الدنمارك وأمريكا هناك نقاط لابد من عدم المساس بها.. وقضيتنا العادلة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم هي ضمن تلك النقاط.. ونحن أيضاً لدينا نقاط.. لكن نقاطنا كثيرة.. كثيرة.. وواضعوها هم أول من يتذمر منها.
** إن ما تراه يتجاوز حدود الحرية قد أراه أنا غير ذلك.. ولهذا فالنقاش حول هامش الحرية الواسع وإلغاء الرقابة الإعلامية أو على الأقل تخفيف سطوتها سيساعد حتما على الوصول إلى بلورة فكرية ثابتة لما يمكن أن نتفق عليه من نقاط يلزم ألا تمس أو لا تتجاوز وهي -ولا شك- ذات علاقة بالثابت من الدين واحترام الأديان كلها وما يدخل ضمن مصلحة الوطن وأمنه.. وهل الرقابة عملية سابقة للتأليف والنشر أو تالية له ومقيمة لردود الأفعال بعد خروج الكتاب..
** الذين ما زالوا يبجلون الرقابة الإعلامية.. أتمنى لو سألوا عن مبيعات الكتب الممنوعة وحجم مقروئيتها وانتشارها مقارنة بالمسموح من الكتب.. ليعلموا أن الرقابة الإعلامية حي جبل من ثلج.. تذيبه شمس النهار في دقيقة واحدة!!.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved