Wednesday 1st March,200612207العددالاربعاء 1 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"حدود الوطن"

علاقة حميمة بين الفرسانيين والبحر.. علاقة حميمة بين الفرسانيين والبحر..
فرسان فرسان سحر جازان

  *حلقات أعدتها -سجى عارف (5/4):
الإنسان ابن بيئته كما يقولون، وبطبيعة الحال فإن البيئة تفرض عليه أن يتأقلم معها وتفرض عليه نوع الحياة التي يجب أن يعيشها. والبحر بجماله الأخاذ ومعطياته المتنوعة الوفيرة غالبا ما يجتذب سكان السواحل إلى امتطاء أمواجه وارتياد أعماقه للحصول على ثرواته خاصه إذا كانت ذات قيمة مالية كبيرة كاللؤلؤ الذي توجد مناطق صيده بكثرة على سواحل هذه الجزيرة أو الجزر المجاورة لها ومن هذا المنطق فرض البحر على سكان جزر فرسان حياة خاصة من الناحية المعيشية والاقتصادية. فهي ليست ذات موارد مائية تساعد على الزراعة فيها، وان الزراعة البسيطة الموجودة بها ليست إلا استثناء في حياة سكان هذه الجزر أو من الشواذ التي تثبت القاعدة، فهي حياة زراعية لا تكاد تذكر إذا قورنت بغيرها خاصة وأنها تعتمد على الأمطار غير المنتظمة في الغالب. ومن ذلك كله اتجه هؤلاء الناس إلى البحر يجوبون أرجاءه ويغامرون بحياتهم في مداه الواسع، ويقضون الأسابيع بعيدين عن الأهل والوطن يصارعون أمواجه وأنواءه ويستمتعون بسويعات تجمعهم فيها لياليه المقمرة أحيانا، والضاحكة نجومها أحيانا أخرى فيرسلونها آهات وزفرات شجية خلفت لنا ثروة هائلة من الألحان والكلمات الرقيقة التي أبدعها الحرمان والفراق والمعاناة.
لأهالي فرسان مع البحر قصة عشق خلدها الزمن في صفحاته المضيئة. أكثر ما يعجبني في فرسان نفوس أهلها الطيبين يسعدون بكل من يزورهم بل تجدهم يتسابقون لفتح بيوتهم تربطهم بالكرم علاقة حميمة لا يتذوقها إلا من تطأ قدماه تلك الجزيرة سحر جازان فاتنة الطبيعة.
حلقة اليوم سوف تتناول أسرار العلاقة الحميمة بين الفرسانيين والبحر من مواسم يمتازون بها وطقوس يمارسونها جعلت لتلك الجزيرة الجميلة سمة بارزه تمتاز بها تفوح بعبق التاريخ الجميل.
موسم سمك الحريد
موسم الحريد (سمك الببغاء) ويعتبر من الظواهر الفريدة من نوعها والتي تتكرر سنوياً في جزيرة فرسان في منطقة تسمى بنفس المسمى المتداول للسمك ألا وهي منطقة (الحريد) وبالتحديد في (ساحل حصيص) وذلك خلال شهري أبريل ومايو, ويأتي هذا السمك دائماً على شكل مجموعات يسميها الفرسانيون (بالسواد) وجمعها (أسودة) أما المجموعة الصغيرة فيطلقون عليها اسم (القطعة).
وقديماً كان الناس يتوجهون إلى منطقة الحريد في موسمه طبعاً على ظهور الحمير والجمال وذلك بعد صلاة الفجر مباشرة إلى أن يصلوا هناك مع طلوع الشمس ويبدءون بالتجمع على طول الجبال القريبة من الساحل بغية مراقبة سطح الماء ويمكن معرفة وجود سمك الحريد من وجود بعض الاضطرابات الخفيفة التي تظهر على سطح الماء وما أن يلحظ الناس تلك الاضطرابات التي يصدرها الحريد حتى يتوجه بعض صيادي الأسماك ممن قد اختيروا من قبل كبار البلد المتواجدين هناك ويقومون بإحاطة الأدوال (الشباك) حول السواد مع العلم أنهم لا يخرجون ما اصطادوه من حريد من الماء حتى لا يموت وممن الممكن رؤية سمك الحريد أثناء وجوده في وسط حلقة الشباك وهو يدور دون الاصطدام بالشباك الموجوده حوله ويكررون نفس الطريقة لاصطياد أسودة (مجموعات) أخرى من الحريد ومن ثم يقومون بسحب تلك المجموعات لإدخالها داخل حلقة واحدة وبعدها ينادون على الشباب والأطفال لجمع شجيرات (الكِسْب) المتواجدة على طول الساحل والذي يقال ان جزيرة فرسان تنفرد بهذا النوع من الشجيرات الساحلية وبعد جمع كمية لا بأس بها يبدءون بإحاطة السواد (مجموعة سمك الحريد) بالأشجار وإزالة الأدوال (الشباك) من حول سواد الحريد بحيث تكون الشجيرات هي التي تحيط بالحريد في عمق لا يتجاوز نصف المتر أحياناً وعندما يكون كل شيء جاهزاً تماماً يصيح كبير الصيادين بأعلى صوته.. (الضويني) فما يلبث الناس المتواجدون على الجبال وعلى الساحل بالركض كل يحمل كيسه المطوق ليجمع ما يستطع من الحريد وسط جو مليء بالفرح والسرور وسوف نتناول موسم الحريد بالتفصيل في الحلقة الأخيرة.
موسم الطيور المهاجرة (الجراجيح)
يبدأ موسم الجراجيح أو موسم (الطيور المهاجرة) خلال شهري أبريل ومايو من كل عام، وتأتي هذه الجراجيح في أسراب كبيرة جداً من دول أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية لتتوقف للراحة على جزر فرسان ويهب الكثير من سكان فرسان وخصوصاً سكان جزيرة قماح لصيدها لغرض أكلها وذلك لطعمها اللذيذ والمميز وهذا حسب عادة متوارثة منذ زمن قديم ولا يعرف متى بدأت هذه العادة بالضبط، ويتوجه من يريد صيد هذه الطيور إلى جزر بعيدة مستوية قليلة الأشجار والمرتفعات ويبدءون بوضع الشباك على الشجيرات الموجودة على الجزيرة أو وضع ما يسمى بالصمص على الأماكن المرتفعة لخبرة الأهالي ومعرفتهم بأن أغلب هذه الطيور تفضل الأماكن المرتفعة، والصمص هو عبارة عن عصاتين مرتبطتين بحلقة معدنية في الأسفل وخيط مربوط بالطرف العلوي لإحدى هاتين العصاتين ويمر خلال فتحه صغيرة في العصا الأخرى وبعد أن تُضَم العصاتان إلى بعضهما تثبت عصا صغيرة في الفتحة التي يمر الخيط من خلالها ويوضع هذا الخيط الذي هو على شكل حلقة على العصا الصغيرة وما أن يقف الطائر عليها حتى تسقط العصا ويُشد الخيط ليمسك بالطائر، وقديماً عند حلول موسم الجراجيح كان الناس يرقصون احتفالاً ببدايته وينشدون في فيها أشعاراً رقيقة.. وتبدأ هذه الأفراح والرقصات بمجرد صيد أول طائر من النوع الذي يسمونه ب(الأكحل) أو(العقوبي) إذ يحمل احدهم الطائر على إشارة بارزة (عصا طويلة مثلاً) ويدور به في الشوارع وبين المنازل, وعندئذ يتجمع الناس حوله ينقرون دفوفهم وطبولهم يغنون ويرقصون معلنين بداية الموسم الراقص ومن أغانيهم البسيطة الشعبية:


أكحل قال يعقوبي
شلوا بي وحطوبي
في السطحة تهنوبي
ما أسوي بروحي
أكحل جيت لك عاني
قد تركت خلاني
وأنت ما تهنيني
ما أسوي بروحي
يا أكحل كيف تقهرني
طول الليل تسهرني
لا تعيد ولا تثني
والليلة مديّه
قال ذا الهجر مش مني
نفسي أطير وأغني
ولقياك تسعدني
في الديرة الهويه

وسوف نتناول هذا الموسم بالتفصيل في الحلقة الأخيرة.
موسم البيض
يأتي هذا الموسم بعد موسم الجراجيح (الطيور المهاجرة) مباشرة، تتجمع فيه الطيور البحرية لتشكل مستعمرات كبيرة لأجل وضع البيض في جزر فرسان وفي بقع مختلفة منها والمسميات المحلية لأنواع هذه الطيور كثيرة جداً نظراً للعدد الهائل من الطيور البحرية المتنوعة وهي (الدِقيِق، الدخيس , العجام، الحنكران، الجِليل، إلخ), في هذا الموسم يتوجه العديد من أهالي الجزيرة إلى الجزر البعيدة لجمع بيض بعض هذه الطيور وتعتبر هذه عادة أهالي الجزيرة التي توارثوها عن أجدادهم والتي لا زالت مستمرة إلى الآن ولكن ممارسة هذه العادة باتت في تناقص مستمر.
فرسان والغزلان
من المعروف أن للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها دوراً هاماً في المحافظة على البيئة أو بالأصح البيئتين البرية والبحرية وقد ظهرت نتائج المحافظة على البيئة من وقت إنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في فرسان من حيث تشديد المراقبة البرية والبحرية عن طريق الجوالين وإنشاء مراكز للمحمية في القرى ساهم كثيراً في إنعاش وإعادة الثقة للحيوانات المحمية إضافة الى اتساع رقعة الغطاء النباتي على الشواطئ, فالبيئة البرية تتمثل في المحافظة على الحيوانات والطيور ومن أهمها الغزلان ولم يتم تحديد صنف غزلان جزائر فرسان تحديداً دقيقاً وقد يظن بأن العينة CA
ZEIIA ARAbica التي جمعت من الجزر في
العشرينيات من القرن التاسع عشر هي من صنف الغزال العربي الإدمي Gazeiia gazeiia كما يسمى أيضاً الغزال الإدمي الفرساني.
والطيور كثيرة في محمية جزر فرسان ولكن معظمها طيور بحرية تصل لعدة آلاف وتقل أعداد الطيور البرية كثيراً عن أعداد الطيور البحرية وتقسم الطيور حسب المكان إلى ثلاثة أقسام طيور البحر وطيور الشاطئ وطيور البر.
وأيضاً الغطاء النباتي الذي يتمثل في أشجار الشورى AVICENNIA MARINA الذي ينمو في الخلجان المحمية عادة من الأمواج البحرية الشديدة وقد يصل ارتفاعها لأكثر من ثلاثة أمتار.
ويلعب مركز الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في فرسان دوراً هاماً أيضاً في المحافظة على البيئة البحرية بشكل ملحوظ وذلك في حمايتها للشعاب المرجانية وحماية السلاحف والدلافين التي يمكن مشاهدتها في خليج جنابة وهي ترتع وتلعب ويعد خليج جنابة من أغنى مناطق البحر الأحمر بالأحياء البحرية وكذلك المحافظة على الشواطئ التي يرتدها الكثير من الزوار من جميع أنحاء العالم وهي شواطئ بكر ذات طبيعة خلابة.
ولعل أهم ما يميز نشاط الهيئة الوطنية هو قيامها بعمل الدراسات البيئية المستمرة لجميع كائنات الجزيرة البرية والبحرية وللغطاء النباتي أيضاً تحت إشراف الباحثين والخبراء.
كما أن لها دوراً فعالاً في استزراع نباتات الشورى وتطوير تقنيات الاستزراع وطرق رعاية هذه النباتات.
كما بدأت في التخطيط لعمل الدراسات العلمية طويلة الأجل بالمحمية وأهمها مراقبة التنوع الاحيائي البحري والبري والتغيرات التي تطرأ عليه.
فرسان واللؤلؤ
لقد كانت السفن الفرسانية تسافر إلى الغوص في مواسم معينة من العام بحثا عن اللؤلؤ الذي توجد مصائده قريبة من شواطئ هذه الجزر أو بالقرب من الجزر المجاورة لها الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر مثل جزائر (دهلك) ثم تعود محملة بالمحصول الجيد الوفير الذي يتركز فيما بعد في أيدي قلة من تجاره المشهورين إذ يقومون بشرائه من الغواصين في الأسواق المحلية، وعندما تتجمع لديهم الكميات التجارية الكافية للتسويق والبيع في الخارج فإنهم يسافرون لبيعه في (عدن) عندما كانت سوقا مفتوحة أو في إمارات الخليج العربي آنذاك (دول الخليج حاليا).
وللحقيقة والتاريخ فإن الحياة المليئة بالشاعرية والوجدان والكفاح والمعاناة والانصهار قد شوه ملامحها تجبر وجشع أصحاب رؤوس الأموال وملاك السفن الذين كانوا يسلطون سيوف جشعهم وطموحاتهم المادية على المشتغلين بالغوص الذين كانوا يقضون الشهور والأيام بعيدين عن أهلهم وذويهم بحثا عن الجوهر الثمين (اللؤلؤ) هؤلاء التجار أو من يسمونهم (بالنواخيذ) كانوا يعطون هؤلاء الغواصين من بضائعهم ما يقيمون به الأود أوما يخرجهم قليلا من دائرة الكفاف، فهم يعطونهم ما يدعونه (السلاك) وهو بعض المواد الغذائية الضرورية كالذرة والدقيق والسمن وزيت السمسم والسكر وقشر البن، وكذلك يعطونهم (الوسية) وبعض النقود لشراء بعض احتياجات الأسرة كالسمك والحطب وأشياء أخرى جانبية. هذا السلاك وهذه الوسية يعطيها البحار لأسرته قبل سفره لينفقوها أثناء غيابه بحذر شديد، وهي في نفس الوقت مقيدة (مسجلة) عليه بدفتر (الناخوذة) بأسعار قد تصل إلى ضعف ثمنها العادي بحكم أنها مال معطل عن التحرك التجاري، وهذا ما يجعل البحار دائما مدان للناخوذة بالإضافة إلى أنه عندما يأتي بمحصوله من اللؤلؤ إن رزقه الله فالناخوذة هو الذي يحدد أسعار الشراء وبالثمن الذي يناسبه، وبطبيعة الحال فإن هذه الأسعار تقل كثيرا عن الأسعار الحرة في السوق، وفي هذه الظروف يجد البحار نفسه مرغما على البيع بتلك الأسعار الجائرة، فإذا ما تمرد على ناخوذته أقام الدنيا عليه وأقعدها وطالبه إما بتسديد الديون التي قد أرهقه بها وإما البيع منه مجبرا. وأحيانا يكون البحار عنيدا ويلجأ إلى ناخوذة آخر يقوم بشراء محصوله منه وبتسديد الديون التي عليه للناخوذة الأول، ولكن المسكين يكون كما قال الشاعر: كالمستجير من الرمضاء بالنار. ومن الأشياء القاسية أيضا أن من حق الناخوذة الدائن تسفير الغواص إلى الغوص مع أي سفينة يريدها وغالبا ما يقع الاختيار على سفينة اشتهر ربانها بالقسوة والشراسة. والى كل هذا تضاف صور خشنة جدا منها إصابات بعض البحارة بمرض الاسقربوط (نزيف الدم من اللثة) الناتج عن نقص فيتامين (ج) ومنها تقنين ماء الشرب أثناء فترة الغوص حيث لا يوجد منه سوى كميات في آنية فخارية يسمونها (مواعين) يتسع الواحد منها لعشر صفائح وربما اثنتي عشرة صفيحة. كذلك توجد قوارير زجاجية كبيرة تتسع الواحدة منها لخمس أو ست صفائح ويسمونها (دبجان) ومما يزيد الصورة سوءا عندما يدخل فأر إلى إحدى هذه الآنية ويتعفن بداخلها فالماء لا يكفي في هذه الحالة ولكن يتم تعقيمه بطريقة تدخين بدائية حيث يغمس فيه عود من الحطب نصف متقد يسمونه (كسكوس) ثم ينزع هذا العود ويغطى الاناء ليظل الدخان محبوسا فيه أطول وقت ممكن. وبالنسبة للطعام فكل بحري لديه كمية من الذرة زوده بها الناخوذة قبل سفره، ولديه أيضا صبي يتراوح عمره بين العاشرة والخامسة عشرة يقوم بتعليمه العوم والغوص والصبي يقوم في مقابل ذلك ببرح الغواص من البحر بعد أن يملأ سلته بالمحار. ويقوم أيضا بطحن ما يكفي لاطعامه من الذرة المحلية يوميا على قطعة حجر منحوت تسمى (مطحنة) وبعض الأسر الفقيرة التي لا يوجد لها عائل تأخذ مبلغا من المال مقابل أتعاب ابنها، والبحري يتمتع بالصلاحية الكاملة في تربية ذلك الابن حتى ولو أدى ذلك إلى الضرب والعض في الرجلين ليعود إلى أهله وقد أتقن العوم والغوص وليصبح في المستقبل بحارا يعتمد عليه وتعتمد أسرته عليه.
* ويجدر بنا أن نشير إلى مكامن اللؤلؤ أو معادن اللؤلؤ كما تسمى في فرسان والتي كانت منتشرة بالقرب من الجزيرة وأيضاً إلى تلك المعادن التي كان الفرسانيون يتكبدون عناء السفر لها لاستخراج اللؤلؤ حيث إنها لا تعد ولا تحصى ولكن مع كثرتها فإن الفرسانيين كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى ماهو أبعد من الجزيرة فإلى جانب مكامن اللؤلؤ التالية: جنابة ويقع في خليج جنابة, أبوشوراية بالقرب من جزيرة سولين شمال غرب فرسان, السليل ويقع بالقرب من جزيرة قماح في الجنوب, وقد كانت هنالك مكامن (معادن) أخرى بالقرب من دهلك واليمن وربا الواقعة بين اليمن وجزيرة فرسان وتستمر هذه الرحلات البحرية إلى عدة أشهر وذلك لاستخراج اللؤلؤ، وقد يضطر النوخذة للتوقف في بعض الجزر للراحة، مثل جزيرة نورة بالقرب من دهلك والتي كانت بمثابة مركز تجاري مصغّر يرتاح فيها المسافرون من الصيادين والتجار حيث كانت مورداً للماء ولأخذ بعض الحاجيات من سمن وسكر وغيره. وعن حصيلة اللؤلؤ التي تجمع في عملية جمع اللؤلؤ أو(القماش) كما يسميه الفرسانيون فقد كانت تباع إما في فرسان وإما في عدن واللحية إحدى مدن اليمن التي كانت مركزاً تجارياً للؤلؤ آنذاك والذي كان يصدر فيما بعد إلى الهند وذلك لا يمنع تجار فرسان القدامى أمثال محمد غاصب ومحمد إبراهيم زيدان وغيرهم من السفر إلى الهند للتجارة.
فرسان والعنبر
سواحل جزائر فرسان تميزت بغناها بمصائد اللؤلؤ ومصائد الأسماك وتنوعت فيها الحياة المرجانية والأحياء المائية من رخويات وقواقع. إلى جانب ذلك كله فهي تعتبر مناطق غنية بمادة (العنبر الخام) الذي يشكل وجوده على سواحلها مصدرا من مصادر الرزق بالنسبة لبعض سكانها الذين يمارسون هواية البحث عنه في موسم الشتاء. ففي هذا الفصل من كل عام تهب الرياح العكسية الجنوبية الغربية الشديدة التي تهيج معها الأمواج. هذه الرياح يسمونها محليا(الازيب). ففي هذا الموسم يخرج بعض الفرسانيين فيما يشبه النزهة على السواحل الجنوبية والغربية لهذه الجزر للبحث عما يسمونه (الصوابي) وهي الأشياء التي تطفو على سطح البحر كالأخشاب وبعض الآنية أو الزجاجات الفارغة التي يرميها بحارة البواخر العابرة للبحر الأحمر، وفي بعض الأحيان تكون هذه الصوابي (متفجرات) تأتي طافية على شكل معلبات أعطى تكرار وجودها للفرسانيين خبرة بعدم الانخداع بها وفتحها بل يقومون بدفنها في أماكن بعيدة عن حركة الآخرين خوفا على غيرهم من انفجارها. غير أن هذا ليس هو المهم، ولكن المهم هو ان البحث عن هذه الأشياء يكون استثنائيا، والهدف الأساسي من وراء المشي لمسافات طويلة على السواحل هو البحث عن العنبر الذي يكون وجوده عبارة عن صدفة وحظ. والبحث عن العنبر لا يتم أثناء اشتداد الرياح ولكن بعد سكونها حيث يكون البحر هادئا، ويوجد على شكل كتل طافية على الساحل أو منبوذة في العراء بعد انحسار البحر عنها وهي متفاوتة الأحجام بين صغير وكبير، وبعضها على شكل حبات(الكمثرى). والذي لا يعرفه لا يفرق بينه وبين كتل (الزفت)الذي يوجد أيضا بكثرة على الساحل. وخبراء العنبر الفرسانيون يقسمونه إلى نوعين:
1- النوع (الدخني): نسبة إلى لونه الذي يشبه لون الدخن، وهذا النوع هو النوع الجيد وثمنه في العادة مرتفع، ومحظوظ من يجد منه كمية كبيرة لأنها ستعود عليه بمردود نقدي حسن إذا كان ممن يعرفون نوعيته وقيمته.
2- النوع الأسود: وهذا اقل جودة واقل ثمنا. والفرسانيون يفسرون هذا التفاوت في النوعية بأن العنبر عبارة عن شجر ينبت في قاع البحر يسقط منه ثمره (الكمثرى) الذي يعتبر غذاء رئيسيا للحوت (حوت العنبر) الضخم، فإذا كان هذا الثمر قد وصل إلى الشاطىء وهو بشكله الخام فهو نوع جيد، يدل على ذلك لونه الأشهب وشكله الكمثري. أما إذا كان هذا العنبر قد ابتلعه الحوت وقذفه من جوفه مرة آخرى فإن هذا يعني انه عنبر من الدرجة الثانية لأن شيئا من فائدته ورائحته قد استهلك ويسمونه (العنبر المبلوع).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved