هل يعي المشتري عبر الإنترنت أن الطرف الآخر حقيقةً ليس البائع نفسه! وليس للبائع أدنى علم بحدوث عملية الشراء! لا أعلم إن كان ذلك يعني شيئا للقارئ الكريم أم لا؟ فالجميع يعلم أن التجارة الإلكترونية تقوم في الأساس على مجموعة برامج حاسوبية، لكن الذي قد لا يدركه معظم المتعاملين عبر الإنترنت أن البرامج الحاسوبية اليوم أصبحت تعمل باستقلالية فذة وخالية تماما عن سيطرة البائع، حيث إن تصرفها القانوني كالبيع والشراء يعد تصرفا ذاتياً محضاً. وهنا تبرز الإشكالية القانونية.
يطلق على مثل هذه البرامج Intelligent Electronic Agents وهي كما ذكرت تعمل باستقلالية متناهية وبإمكانها التعامل مع طلبات البيع والشراء ذاتياً، فتقوم بالبحث عن العرض طبقا للمعلومات والأسعار المدخلة ومن ثم شراء السلعة وإبرام العقد تلقائياً! وفي أحيان كثيرة تتمتع مثل هذه البرامج بالقدرة على مناقشة بنود وشروط العقد! وفي هذا السياق أتذكر مرة أني تقدمت في مزاد علني عبر الإنترنت على سلعة سعرها نحو 365 جنيها إسترلينيا، وأرسلت رسالة لصاحب العرض مفادها، أنني أرغب في شراء السلعة ولكن بقيمة 350 جنيها وفي أقل من دقيقتين تسلَّمت رسالة من الموقع تفيد بقبول العرض، ما يعني بلا شك أن البرنامج هو من قَبِلَ عرضي وليس البائع، وان البرنامج مخول بالبيع بأسعار تتراوح تحت سقف معين.
ولعل من أبرز المواقع العالمية التي تستخدم هذه البرمجة عالية التقنية في العملية التجارية، الموقع التجاري الشهير ebay والمكتبة العالمية Amazon. ويوجد موقع شهير متخصص أيضاً في عملية البحث عن السلعة بالسعر والجودة التي يرغبها المشتري، فكل ما على المشتري هو إدخال البيانات المطلوبة والموقع الذي يطلق عليه Bidders Edge يتكفل بالباقي!.
هذه الذاتية والاستقلالية التي تتمتع بها مثل هذه البرامج أربكت الدوائر التشريعية والقانونية في مختلف دول العالم وقلبت الطاولة على مدعي ديمومة واستقرار نظرية العقد التقليدية وقواعدها المدنية، وأصبحت فعالية هذه النظرية مهددة بالشلل التام أمام هذه الثورة التقنية التي لا تكل ولا تمل.
وتتلخص الإشكاليات القانونية جراء استخدام هذه البرامج كأداة لتنفيذ العقد في خمسة إشكاليات:
أولاً كون الطرفان سواء البائع والمشتري لا يعلمان عن إتمام عملية البيع، هذا يدعو للتساؤل عن مدى صحة العقد؟
ثانيا من هما أطراف العقد؟ هل هما البائع والمشتري؟ أم المشتري والبرنامج؟
ثالثا إذا افترضنا أن ذلك العقد قد تم بين المشتري والبرنامج الذي كما قلنا سابقا يعمل باستقلالية وذاتية محضة، ما نوع العلاقة القانونية التي تجمع بين البائع والبرنامج الحاسوبي حيث يقوم هذا الأخير بإجراء صفقات تجارية لمصلحة البائع ومن دون علمه؟
رابعا: إذا علمنا أن التراضي ركن من أركان العقد، فكيف للبرنامج الحاسوبي أن يعبر عن هذا التراضي؟
خامسا: وعلى افتراض أيضاً اعتبار أن البرنامج الحاسوبي طرف في العقد، يا ترى من يتحمل مسؤولية أخطائه؟ باعتبار أن التعاملات التجارية لا تخلو في العادة عن الأخطاء التي تعوق تنفيذ العقد مما يوجب المسؤولية المدنية.
ندع الإجابة عن هذه الإشكاليات في مقالة قادمة بإذن الله.
باحث قانوني |