بعض محللي الفضائيات، وهم قلة من فضل الله وبركته، يتعمدون زعزعة الاستقرار في سوق الأسهم دون سبب واضح، فتجدهم يتحدثون بكل انفتاح وكأنهم يخاطبون مجموعة صغيرة من المشاهدين الذين يتمتعون بدرجة واحدة من الفهم.
بعض هؤلاء لا يحسنون الحديث في الأزمات فيصبحون كمن يهريق الزيت على النار بدلاً من إطفائها.
انهيارات الأسواق المالية تدخل ضمن محيط الأزمات العامة التي تقود إلى حدوث أزمات جانبية أخرى تطال قطاعات إجتماعية، اقتصادية، وأمنية أيضاً. ولا يكفي أن يلم المحلل بأبجديات سوق المال كي يخوض في تفاصيل تحليل الأسهم واتجاهات السوق، بل ربما يكون أكثر حاجة للفطنة الإعلامية والدراية التامة بما يطلق عليه (إعلام الأزمات).
انهيار سوق الأسهم المفاجئ والمتتابع لثلاثة أيام متتالية، أدى إلى انتشار الهلع بين المواطنين، ولا أقول المستثمرين، فغالبية المواطنين هم على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بسوق الأسهم.
ذلك الانهيار أنسى الناس مصالحهم ومشاغلهم الأخرى، وجعلهم متسمرون أمام شاشات التلفزة بحثاً عن أية معلومة أو بشرى تعيد لهم بصيص الأمل بتوقف نزيف السوق الحاد.
كثير من المواطنين أصيبوا بخيبة أمل بعد سماعهم للمنفرين والضاحكين على أحزان الآخرين.
أحد المحللين ظهر مبتسماً وهو يؤكد مقولته السابقة حول فقاعة سوق الأسهم. حديثه كان أقرب للتهكم منه إلى إبداء النصح والمشورة. لعله كان يتحدث بناء على النظريات التحليلية، وقد نسي في الوقت نفسه أنه يتحدث لجمهور ينزف قلبه كلّما فقد المؤشر نقاطه، فجمهوره أبعد ما يكونون عن نظرياته المفرغة من مضامينها.
هم ينتظرون كلمات التطمين التي تساعدهم وتساعد السوق على الاستقرار، أو أنهم كانوا ينتظرون البشرى تيمناً بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (بشروا ولا تنفروا).
قناعات المحللين ونظرياتهم يجب أن تستبعد حين وقوع الكارثة، فلا فائدة ترجى من التذكير بما قيل من قبل، فالجهود يجب أن تتضافر للخروج من الكارثة بأقل الخسائر.
قرأت عن أحد البراكين الخامدة في الفلبين، حيث تحيط به الأراضي الخصبة التي يتسابق المزارعون على الزراعة فيها متجاهلين التحذيرات الحكومية وتحذيرات خبراء البراكين بقرب ثورة البركان من جديد. لا أحد يستمع، وتقع الكارثة، فتسارع الجهات المختصة والخبراء والشعب بأكمله لنجدة الضحايا الذين أصروا على البقاء رغم التحذيرات.
وهذا ما يستوجب علينا عمله في هذه الأزمة الطاحنة التي عصفت بأموال المواطنين، هم ينتظرون منّا العون لا أن نكون عليهم من الجائرين.
أحد المحللين طالب المواطنين باستثمار أموالهم في الأسواق المجاورة، وهي دعوة مباشرة لزعزعة استقرار السوق السعودي ودعم الأسواق المجاورة التي تحاول إغراء المستثمرين غير المحليين بالاستثمار فيها.
عندما انهار السوق الأمريكي، غادر وزير الخزانة مدعوماً بوزير الخارجية في جولة عاجلة إلى دول الخليج العربي واليابان لإقناعهم بالاستثمار في السوق الأمريكية لدعم السوق وانتشاله من الانهيار الذي ابتلي به. هكذا تكون الوطنية، وهكذا يكون التصرف المنطقي في أوقات الأزمات.
وعندما أوشك سيتي بنك على الانهيار بسبب نقص السيولة، بدؤوا في البحث عن أموال تنقذ البنك والمودعين من الغرق، بحثوا عن المستثمرين القادرين على دعم البنك بسيولة مقابل أسهم ممتازة وأسهم عادية.
أغرى وضع البنك الأمير الوليد بن طلال الذي قرر الاستثمار في البنك ودعمه بناء على معطيات الربح والخسارة، فأنقذ البنك من الانهيار، وحققت استثماراته أرباحا مجزية، نسأل الله البركة.
الشاهد في الحادثتين أن السيولة هي المحرك الأساسي للأسواق والمنشآت المالية ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط بها دون أسباب جوهرية كالاكتفاء الذاتي ونحوه، وهو ما لم يتحقق لنا حتى اليوم، والمطالبة بهجرة الأموال في هذا الوقت بالذات يمكن إدراجها ضمن محاربة الاقتصاد الوطني.
الحمد لله أنني استمعت إلى غالبية المحللين الذين كانوا بالفعل يحذرون من السوق لأيام مضت، لكنهم، وبعد وقوع الكارثة، أعادوا تشكيل خطابهم الإعلامي كي يتوافق مع الظروف المحيطة، فسمعت منهم التطمينات ومحاولة تهدئة المتداولين بقصد إعادة التوازن إلى السوق وحفظ مدخرات المواطنين.
كانوا على يقين تام بأن أولى خطوات التوازن تبدأ من تهدئة المتداولين، وقد نجحوا باقتدار. فجزاهم الله عن المتداولين خير الجزاء.
السوق السعودية لا تزال بخير، واقتصادنا الوطني ينمو بصورة مطردة، ونحن نمر بطفرة مالية ضخمة يمكن تلمسها في جميع القطاعات، وسوق الأسهم السعودية هي أحد القطاعات المستفيدة من هذه الطفرة الكبيرة مما يعني انتفاء مسببات القلق والهلع من السوق. فالتصحيح لا بد أن يحدث في الأسواق المالية وهو جزء من ديناميكية السوق، ولعله كان حاداً عكس ما يفترض، إلا أنه حدث بكميات تداول محدودة بلغت في يوم الاثنين 5 مليارات ريال فقط ما يعني ارتداداً قوياً للمؤشر وللأسهم بإذنه تعالى.
أعتقد أن السوق وصلت مرحلة الارتداد الفعلي، ببلوغها منطقة الشراء الآمنة، ولكن يجب أن نذكر بأن أولوية الارتداد ستكون من نصيب أسهم العوائد، وأسهم المحفزات وهي التي يمكن الركون إليها وإن كنت لا استبعد أن يكون يوم الأربعاء يوماً ربيعياً لجميع الأسهم بإذنه تعالى. (تفاءلوا بالخير تجدوه).
|