Wednesday 1st March,200612207العددالاربعاء 1 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

بعد مرور قطار الأسهم من الاتجاه المعاكس بعد مرور قطار الأسهم من الاتجاه المعاكس
رؤية أخرى حتى لا تتكرر المأساة

*د. حسن أمين الشقطي:
منذ أيام قليلة كان غالبية المستثمرين في سوق الأسهم السعودية لا يتقبلون حتى مجرد الحديث عن فقاعة السوق أو عن انفجار أو انهيار السوق، كمن يرغبون في أن يصمّون آذانهم عما لا يرغبون في سماعه، بل ويتهمون كل من يتحدث فيه بالجبناء أو المتشائمين أو الحاقدين أو غير المحترفين. وكثيرا ما يقولون لطالما سمعنا ذلك من قبل عند مستويات أقل للسوق ولم ينهر السوق، بل واصل الارتفاع. فعندما وصل السوق لحاجز 8000 نقطة بدأت تظهر الأقاويل بأن السوق قارب على التشبع، وليس لديه سوى التصحيح والنزول المتتالي، ولكن واصل السوق الارتفاع مرات ومرات حتى وصل إلى النحو الذي شاهدناه عند مستوى 15 ألف حتى تجاوز ذلك إلى مستوى 20 ألف نقطة.
إن ما حدث الأيام القليلة الماضية هو بمثابة انتفاضة السوق، فقد ضاق ذرعاً بما يلاقي من المتعاملين فيه والمسؤولين عنه. إلا أنه للأسف ليس له القدرة على الانتفاضة سوى في وجه الصغار. فربما لا يمتلك هذا السوق سوى هذه الانتفاضة لإحراج هيئة السوق المالية من خلال إهانة (كما يعرف التصحيح في الأدب الأمريكي) صغار المستثمرين، الذين هم أنفسهم يسببون له الضجر الكبير من خلال سلوكياتهم الخاطئة، ولما يراه منهم من بساطة وضعف تمكن الكثير من صناع السوق من جني المزيد من الأرباح على حسابهم، بالتحديد نسعى هنا إلى تحديد ملامح انتفاضة السوق، وماهية الأسباب وراء حدوثها، والسعي لتحديد من هو المستفيد من هذه الانتفاضة، ثم التطرق لتحديد من أو ما هي الجهات التي ينبغي أن توقف هذه الانتفاضة، وما هي السبل إلى عدم تكرار هذه الانتفاضة؟
***
ما ملامح انتفاضة السوق؟
تأخذ انتفاضة السوق شكل حركة تصحيحية قوية تبلورت في نزول عنيف خلال يومين بنسبة 9.4%، اتشح فيه المؤشر الرئيسي بالكامل باللون الأحمر، ولم تنج من النزول شركة واحدة في السوق. إلا إنه جدير بالملاحظة أن النزول لم يكن بنفس النسب والمقادير على مستوى كل الشركات، ويمكن تحيد أهم ملامح انتفاضة السوق من خلال تتبع التغيرات في أسعار الأسهم، وعلى الرغم من الاعتراف بحدوث حركة تصحيحية كبيرة بنسبة 9.4%، أدت إلى تحمل الكثير من المتعاملين في السوق خسائر فادحة، إلا أن هذه الحركة نعتقد انه قد استفاد منها عدد كبير من صنّاع السوق، الذين على ما يبدو كانوا يجمعون في أسهم بعينها، ولك أن تحسب حجم الأرباح التي يمكن أن يحققوها حال ردة المؤشر لأعلى مرة أخرى، ومن ثم صعود أسعار تلك الأسهم المجمعة إلى مستوياتها قبل التصحيح، وهو ما حدث ساعة كتابة هذا التقرير.
***
ما أسباب انتفاضة السوق؟
على الرغم من أن المتعاملين وهيئة السوق وكل الأطراف الأخرى في سوق الأسهم تدرك أن هناك جوانب قصور وخلل ترتبط بالسوق، إلا أنه من الملاحظ أن تلك الجوانب أصبحت بمثابة المسلمات التي لا يسعى أي طرف إلى إيجاد حلول لها أو حتى لمجرد مناقشتها، ويمكن إبراز أهم تلك الجوانب فيما يلي :
***
1 - عدم حرفية صغار المستثمرين المتعاملين
في السوق
كل يوم تطالعنا دراسة علمية أو مسحية بنتائج جديدة تثبت عدم امتلاك المتعاملين من صغار المستثمرين المهارات الرئيسية التي يفترض أن يمتلكها المتعامل في سوق الأسهم كحد أدنى، فعلى سبيل المثال توصلت إحدى هذه الدراسات إلى أن نسبة مهمة تصل إلى 86.3% من إجمالي المتعاملين في السوق السعودي لا تمتلك مهارات التحليل الفني والتحليل الأساسي للأسهم، كما أنها لا تدرك معنى أوامر السوق المفتوحة، فلنا أن نتصور كيف يمكن لمثل هؤلاء الأفراد من الدخول والاستثمار لأموال قد تكون بأحجام ليست بالقليلة، تتراوح في المتوسط بين 100 ألف إلى مليون ريال، بالطبع فهم صيد سهل لهامور ما قد لا يبذل مجهودا بتحليل أو غيره لكي يقتنصهم، وهنا لا يمكن أن يلقى باللائمة على كبار المستثمرين، فهذه هي طبيعة سوق الأسهم.
***
2 - سهولة الاقتراض وحرق السلع
على الرغم من أن الجهات الرسمية قد سنت الكثير من التشريعات التي تحجم قدرة البنوك على تقديم الائتمان المصرفي الذي بات يتجه بشكل شبه كامل لسوق الأسهم، التي من أبرزها تخفيض فترة السداد وزيادة معدل الفائدة وغيرها، إلا أن الفترة القليلة الماضية أثبتت بروز اتجاهات من أهمها الحصول على القروض البنكية لتمويل سلع وبضائع معينة، ثم يقوم أصحابها ببيعها، واستثمار قيمتها في الأسهم، كذلك الحال في الشراء بالتقسيط للسلع المعمرة، مثل العقارات والسيارات، حيث يقوم المقترض بشراء السلعة بالتقسيط بسعر معين، ثم يقوم ببيعها مباشرة وربما بعد الخروج مباشرة من معرض السيارات على سبيل المثال بسعر أقل لتوفير سيولة للاستثمار في الأسهم، هذا ويتعرض الفرد الذي يقوم بحرق سلعة معينة (شراؤها بالتقسيط وبيعها نقدا بسعر أقل) لخسارة في السعر تكاد تصل أحياناً من 5 إلى 10% من قيمة السعر النقدي للسلعة. فلو افترضنا أن فرداً ما اشترى سيارة بالتقسيط من بنك معين بسعر 55 ألف ريال يتم سدادها على سنتين، وأن سعر السيارة النقدي حالياً هو 50 ألف ريال، وقام ببيعها بسعر 49 ألف ريال للحصول على الثمن النقدي، ثم استثمر هذا المبلغ في السوق. فكيف يمكن أن يكون الحال إذا لم يكن هذا الفرد يجيد التعامل في الأسهم، وتعرض لخسارة ولو بنحو 10% من قيمة استثماراته، مثلما حدث في يوم 26 و27 من هذا الشهر.
إن كثيرا من الدراسات العلمية أرجعت الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها صغار المستثمرين إلى سهولة حصولهم على الائتمان، ومن ثم اندفاعهم إلى الاستثمار في الأسهم دون تفكير، نتيجة توقعاتهم بأن أرباحهم منها ستغطي تلك المعدلات الضعيفة من أسعار الفائدة.
***
3 - ازدواجية دور البنوك في سوق الأسهم
تلعب البنوك دورا مزدوجا في سوق الأسهم السعودي، حيث تقوم بالاستثمار في السوق مباشرة من خلال صناديق الاستثمار التي تكونها، كما يوجد لديها محافظ المستثمرين الأفراد، التي ترتبط إدارتها بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه البنوك، وهنا في اعتقادي يقوم الأمر على اعتبار حسن النية التي من المفترض أن توجد التشريعات التي تقضي على مثل هذه الدور المزدوج، الذي قد يضر بمصالح المستثمرين الأفراد.
***
4 - تكتلات الهوامير الجدد
لقد اعتدنا سماع أخبار الهوامير، ويكفي أنهم يقودون السوق، وكيف أن لكل منهم سهما أو اسهما معينة، ربما تعنون باسمه (سهم فلان) ولطالما سعد صغار المستثمرين بتدخل فلان لدعم سهمه بعد نزوله لحدود معينة، فالعملية أحياناً تؤخذ من باب الكرامة وأنه لا يصح ينزل سهم يمتلكه هذا الهامور، إلا أن الفترة الأخيرة أظهرت ممارسات عشوائية لا يمكن الحكم من خلالها على وجود أي درجة من درجات الولاء من العديد من الهوامير الجدد لأي أسهم. لا يهم هؤلاء الهوامير الجدد سوى الربح فقط، لا يعنيهم السوق أو الأسهم أو المتعاملين.. بل الأخطر من ذلك، هو سعي العديد منهم إلى تكوين تكتلات فيما بينهم، حيث من المعتقد أن قيمة محافظ هؤلاء الهوامير الجدد ليست من الضخامة بالشكل الذي يمكن لأي منهم منفرداً التأثير في سعر سهم معين في السوق، فهم يصنفون بالهوامير متوسطي الحجم. كما أن غالبية هؤلاء الهوامير لا يمتلكون هم أنفسهم استثمارات كبيرة في السوق، وإنما يديرون محافظ لمستثمرين آخرين، وكلما برز اسم واحد منهم في السوق واكتسب شعبية، كلما تمكن بشكل أكبر من تجميع حجم كبير من محافظ الأفراد. بالتحديد بات يمتلك هؤلاء الهوامير القدرة على النفاذ للمئات من المحافظ التي يديرونها بشكل مباشر.
المهم أن هؤلاء الهوامير اكتشفوا انهم بتجمعهم في تكتلات كبيرة أو حتى متوسطة، يمتلكون المال والعدد الكبير من المحافظ، بشكل يمكنهم من القيام بعمليات وهمية كبيرة لتحفيز الطلب (إثارة توقعات متفائلة من خلال طلبات وهمية) أو خلق العرض (إثارة توقعات متشائمة للبيع من خلال عروض وهمية) حيث يعرضون ويطلبون أسهما معينة ثم يلغونها في لحظة معينة وسريعا قبل تنفيذها.
***
5 - قرارات الهيئة بإيقاف
صنّاع السوق عند اكتشاف ممارسات خاطئة
خلال الأيام الماضية وقبل الأزمة مباشرة اتخذت الهيئة قرارات بإيقاف بعض صناع السوق الذين تكتشف ممارسات خاطئة لهم، بالطبع، هذا هو القرار السليم، ولكن كيف ومتى ينفذ؟ وهل من الصالح أن يتم إيقاف عدد من - ولو صغير - من المستثمرين في وقت واحد، وبخاصة مع معرفة مردود هذا الإيقاف عند باقي المستثمرين الذين ينحازون في الغالب مع بعضهم البعض بدون حتى الترتيب بينهم، فمع افتراض أن كل واحد من هؤلاء المستثمرين يدير أو له القدرة على التأثير على سهم أو أسهم معينة، بالطبع سيضر ذلك بقيمة هذه الأسهم في السوق خلال فترة إيقاف تعاملات هؤلاء المستثمرين، في اعتقادي أن تبني أسلوب العقاب بالمثل هو الأنسب في هذه الحالة، حيث كلما فرضت غرامات مالية كلما كان هو الأنسب لحالة السوق، وإلا شاهدنا حالات انهيار فردية كثيرة، أو البحث عن وسائل أخرى لعقاب الممارسات الخاطئة، ولكن غير الإيقاف العفوي والسريع.
***
6- قرار تخفيض نسبة التذبذب
يرى الكثيرون أن قرار تخفيض نسبة التذبذب من 10% إلى 5% قرارا صحيحا وجاء في الوقت المناسب، ولولاه لحدث انهيار بمقدار الضعف خلال اليومين الماضيين، ولكني أقول إن هذا القرار رغم أنه قلل من حجم النزول خلال اليومين الماضيين، إلا أنه في الوقت نفسه قد ساعد وعضد من هذا النزول كثيرا، لأنه قام كحاجز ضد تمكين المتعاملين، وبخاصة من كبار المستثمرين من استيعاب النزول، حيث إن تخفيض هذه النسبة منع كبار المتعاملين من الشراء، ولم يمنعهم من البيع، كما أنه منع صغار المستثمرين من البيع، في حين أنه لم يمنعهم من الشراء.
***
7 - احتيال المنتديات
لقد لعبت المنتديات خلال الآونة الأخيرة كأبواق لأفراد ومستثمرين بأعينهم، يروجون من خلالها أفكارا معينة حول أسهم أو شركات أو هيئة السوق المالية، أو حتى عن الاقتصاد الوطني وأحياناً الاقتصاد العالمي، بما يثير ويحرك دوافع معينة لدى المتعاملين في السوق - الذين في الأغلب يكونون من صغار المستثمرين - ناحية القيام بعمليات بيع أو شراء بناء على معلومات خاطئة أو وهمية ويجني في الغالب هؤلاء المروجون أرباحا طائلة من وراء اندفاع صغار المستثمرين تجاه أو ضد سهم معين.
***
من المستفيد الأول من انتفاضة السوق؟
يشير الكثيرون إلى انه إذا لم يكن الكل فان المستفيد من وراء هذه الأزمة الأخيرة للسوق هم كبار المستثمرين، ولكني أقول على العكس المستفيد الأول هم صغار المستثمرين، حيث إنهم كانوا يسيرون بمثابة النائم على القضبان، وكل ما حدث أنهم قد وقعوا على الأرض عند مرور القطار في الاتجاه المعاكس، ولكن هذا القطار - ولله الحمد - لم يصيبهم سوى بجروح رغم أنها قد تكون بليغة عند بعضهم. ولكنها علامة تحذير لأن يستفيقوا من نعاسهم، لأن القطار آتٍ لا محالة ويجب أن ينتبهوا إليه جيداً. فالمؤشر سوف يصعد إلى مستويات عالية، وقد يكون الهبوط في حينها مدمراً. فالسقوط من أعلى الجبل يختلف تماماً عن السقوط من أسفله.

محلل اقتصادي ومالي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved