Wednesday 1st March,200612207العددالاربعاء 1 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"دوليات"

الحركات الاحتجاجية بين شرعية الممارسة وتقييم الأداء الحركات الاحتجاجية بين شرعية الممارسة وتقييم الأداء
مطلق سعود المطيري

شهد العديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة تنامي حركة الاحتجاجات الشعبية، وبروز العديد من الحركات غير الرسمية، التي استطاعت اكتساب تأييد شعبي على نطاق واسع، أمام تعدد الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعاني منها معظم الدول العربية، والتي أفرزت حالة واسعة النطاق من الشعور بالإحباط، والسخط على الأوضاع القائمة.
شعور ولد شعورا آخر بالرغبة في التغيير، والعمل الجاد من أجل تحويل هذه الرغبة إلى عمل حقيقي على أرض الواقع، فتعددت الآليات التي اعتمدت عليها هذه الحركات، للتعبير عن مطالبها، بداية من المسيرات السلمية الصامتة إلى المظاهرات الحاشدة، إلى أعمال العنف الدامية.
ونتيجة لتعبير هذه الحركات عن رغبات وأهداف، محل اتفاق بين قطاعات عريضة من المواطنين؛ فقد أكسبها ذلك شرعية للممارسة، شرعية شعبية بعيدا عن القوانين الرسمية والإجراءات التقليدية السائدة، مرتكزة في ذلك إلى وجود مد عالمي باتجاه تعزيز الحريات وحماية حقوق الإنسان، ونشر قيم الديمقراطية، مع انتشار واسع لوسائل الإعلام والاتصال القادرة على نقل مطالب وتحركات وتحديات هذه الحركات إلى أوسع نطاق ممكن.
ومن مرحلة (التغلغل) القائمة على الانتشار بين مختلف الفئات، واكتساب ثقتها وتأييدها، والتعبير عن رغباتها، وتفريغ إحباطاتها، نجحت بعض هذه الحركات، في الانتقال إلى مرحلة (التمكين) والمتمثلة في المشاركة الفعلية في الحكم، والحصول على نسب تمثيلية سواء في الأجهزة التنفيذية أو المؤسسات النيابية، وهو ما أكسبها نوعا من الشرعية الدستورية، وإن كانت مقيدة.
وإذا كان هذا النجاح قد ارتبط في جانب منه، ولو كان محدودا، بالإصلاحات التي تبنتها النظم السياسية القائمة، فإن استمرار هذا النجاح، يرتبط بدرجة كبيرة بثلاث مجموعات من الاعتبارات:
الأولى: الاعتبارات النابعة من البيئة الدولية: وترتبط هذه الاعتبارات بموقف القوى الدولية، الفاعلية في النظام الدولي من هذه الحركات، وتوجهاتها، وسياساتها، وفي هذا الإطار يبرز الدوران: الأمريكي والأوروبي، فما زالت الإدارة الأمريكية متأرجحة بين رؤية ترفض التعامل مع هذه الحركات، وخاصة الإسلامية منها، وأخرى ترضى ضرورة فتح قنوات رسمية للحوار مع تلك التيارات التي نبذت العنف على نحو قد يدمجها في إطار الجهود الأمريكية لدعم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.
أما على الجانب الأوروبي، فالملاحظ أن عددا من حكومات الاتحاد الأوروبي، تسعى منذ فترة طويلة للانفتاح على مختلف القوى السياسية والمجتمعية العربية في سياق الشراكة الأورومتوسطية، ودعت رسميا للحوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة، انطلاقا من أهميتها في مجتمعاتها واقتناعا بحقيقة التزامها بقواعد الممارسة الديمقراطية، إلا أن الدول الأوروبية وضعت العديد من القيود على توجهها، في مقدمتها اشتراط موافقة الحكومات العربية على هذا الحوار، وضرورة أن يتم ذلك في أطر شرعية معلنة.
الثانية: الاعتبارات النابعة من البيئة الداخلية: أي من المجتمعات التي تعمل في إطارها هذه الحركات، مستقبل هذه الحركات يتوقف على حدوث انفراجات ديمقراطية حقيقية، تمكنها من التواصل مع قواعد شعبية أوسع نطاقا تهتم بالشأن المجتمعي، من ناحية، والتفاعل مع نخب حاكمة أكثر رشدا وعقلانية في إدراك متغيرات الأمور من ناحية أخرى.
كما يرتبط الأمر كذلك بدرجة الوعي الشعبي بدور هذه الحركات، ودرجة التفاعل معها، ودعم أهدافها، وتوفير متطلباتها، ماديا ومعنويا.
الثالثة: الاعتبارات النابعة من طبيعة هذه الحركات وسماتها: فقد جاء تأسيس هذه الحركات تعبيرا عن محاولة لتخطي ما تشهده الحياة السياسية العربية من سلبيات وجمود، وعجز في آليات عملها الرسمية، نخبا حاكمة وأحزابا هشة، مع غياب حرية الحركة وضعف القواعد الشعبية.
إلا أنه في المقابل فإن المكون الرئيسي من خطاب هذه الحركات، يقتصر على رفض سياسات النظم الحاكمة والمطالبة العامة بالتحول الديمقراطي، دون تطوير رؤى عملية وسياسات واقعية قابلة للتنفيذ، وقادرة على تحقيق ما تسعى إليه من أهداف.
وإذا كانت هذه الحركات قد نجحت في تبني عدد من الآليات الفعالة للوصول للفئات السلبية العازفة عن المشاركة والاهتمام بالشأن العام، وتوظيف حالة الاستياء السائدة بين العديد من الفئات، لتشكيل تيار معارض للسياسات القائمة. وإذا كانت هذه الحركات تسعى إلى بناء درجة من التوافق حول عدد من القيم الأساسية، كالحرية والشفافية وتداول السلطة، وإجراءات ممارستها،
فإن هذه الحركات في حاجة إلى توفر العديد من المتطلبات أو المقومات، إذا أرادت الاستمرار أولاً، والفاعلية ثانياً، ومن بين هذه المتطلبات: التنسيق المستمر والدائم بين هذه الحركات، على مختلف المستويات، وحسن قراءة الأحداث والتداعيات التي تشهدها المنطقة، وتطوير الآليات المناسبة للتعامل مع هذه التداعيات.
وكذلك إيجاد آليات مستقرة للتمويل، والشفافية في مصادر الحصول عليه، وفي طرائق إنفاقه؛ لكون التمويل أحد أهم معايير الاستقرار والاستمرار، هذا بجانب التغلب على تحدي القدرة على التماسك، وصعوبة الاختراق والتفجير من الداخل، باعتباره أخطر التحديات التي تواجه هذه الحركات.
مع مراعاة التحرك الجاد لاكتساب الشرعية بصورها المختلفة، شعبية وقانونية، باعتبارها ضمانة أساسية ضد التجميد والمحاصرة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved