لست خبيراً في سوق الأسهم، لكنني بالتأكيد أعرف بعض المعلومات عنه، وهي معلومات من الممكن الآن أن تكون موجودة لدى أي مواطن سعودي، فقد أصبحت الأسهم هاجس الجميع، رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً، بل إن هناك العديد من الآباء الذين يحرصون على اصطحاب أبنائهم الصغار إلى صالات التداول في البنوك المحلية، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر، فمن يدري قد يتحول الشعب السعودي بقضه وقضيضه إلى المضاربة في الأسهم، ولا حاجة لنا في المدرسين والموظفين الآخرين، خاصة وقد بدأوا خطواتهم المباركة نحو صالات الأسهم، منذ زمن طويل، فهناك من يوقت حصصه، بحيث تنتهي مع بدء تداول سوق الأسهم، وهناك العديد من الموظفين حتى في القطاع الصحي، لا يذهبون إلى أعمالهم، إلا مصحوبين ب(اللاب توب) لمتابعة السوق وتنفيذ الأوامر، وبعض الجهات لديها خدمة (الإنترنت) وهذه الجهات كفت موظفيها مؤنة (التزويغ) من العمل أو حمل اللاب التوب إلى العمل، ولا أهمية لملايين الريالات التي تذهب هدراً على الدولة جراء فواتير الهاتف واستنزاف الوقت، كل هذه الأمور مقدور عليها، طالما المواطن يتكرم، ولو لبعض الوقت في مباشرة مهام وظيفته، وهو على أية حال، أبرك من المتعاقدين الذين تتشقق مقاعدهم، من ملازمتهم الجلوس على الكراسي، طوال ساعات الدوام!.
لقد وجد الناس في سوق الأسهم كل ما يبحثون عنه، فمن (الوناسة) التي تحققها الصالات، إلى الأرباح الوفيرة التي تتدفق بدون عناء، قليل من الحظ والذكاء، وسوف يتحول قرشك الأبيض في بحر شهور، إلى قروش صفراء رنينها يخلب الألباب، وهناك العديد من رقيقي الحال الذين تحولوا بفضل الصالات المكيفة الهواء، والشاشات البراقة، أو اللاب توب، أو حتى الهاتف، إلى أصحاب مال وأطيان وسيارات فارهة، وبعض هؤلاء تحول - فوق البيعة - إلى محلل مالي، يفصص الأسواق ويعطيك المؤشرات عن حالها غداً، وهناك من وجد متعة في إرسال الرسائل - عبر الجوال - التي تتنبأ بأحوال السوق إلى من يحب ومن لا يحب، فكله في النهاية.. شافع نافع!.
لكن سوق الأسهم في المقابل تشبه طقس الرياض، مدينة واسعة مفتوحة، يجتاحها أحياناً هواء رقيق وناعم وأحياناً تجتاحها العواصف الحادة، وهذا ما حصل في هذا السوق كعينة فقط، فقد نعم مضاربو الأسهم ومستثمروها، بأيام ممتعة، كانت خلالها نسب كافة الشركات تضرب في العلالي، استمر هذا الوضع لعدة أيام، وشملت بركاته أو نفحاته، حتى أسهم الشركات التي يطلق عامة المضاربين: (الخشاش) حيث قفز بعضها إلى أسعار فلكية، لا تحلم بها شركة مثل (سابك)، وقد دفع هذا الرواج العديد من المضاربين إلى الاحتفاظ بالسهم يوماً بعد يوم، وكان في كل يوم يعطيهم أكثر وأكثر، حتى هبت العاصفة، فاجتاحت في طريقها الجميع، المتين، والنحيف والهزيل من المضاربين، كلهم أخذتهم العاصفة، في ليل لا يبدو أن له نجوماً! على الأقل في الوقت الذي أكتب فيه هذه المرثية!.
ما هي الحكاية؟ إذا ابتعدنا عن الهزل ودخلنا في الجد، فإن ما حصل ليس هبة عاصفة، ولا مقارنة بين أجواء الرياض، وأجواء صالات الأسهم، ولكنه أمر من المطلوب التحقيق فيه، فالشفافية في هذا الظرف غابت عن هيئة سوق المال، مع إنها تعرف، ونحن كذلك، أن الظرف عصيب، وسوف يخلف آلاف الضحايا، ضحايا من صغار المساهمين، الذين اقترضوا، أو باعوا منازلهم، وسياراتهم، وذهب نسائهم، ثم دخلوا بكل ذلك في المعمعة، وكان ظنهم أن هناك من يراقب ويعاقب، ثم يفاجأون بأن هذا الذي يراقب، ويعاقب، يسمح لبنك بأن يدفع بآلاف الأسهم لشركة واحدة وفي لحظة واحدة، والهيئة - ما غيرها - تبث بيانات عن توقيف المضارب فلان (دون ذكر اسمه) لأنه تلاعب باسم الشركات (وتذكر اسمها)، وفي اليوم التالي تتساقط أسهم هذه الشركات، في الوقت الذي يمد فيه المضارب الموقوف، لسانه لمساهمي هذه الشركات والمضاربين فيها، وكأنه يقول لهم: إذا مت عطشانا فلا نزل القطر!.
كل هذا يحدث، في الوقت الذي يدور كلام كثير في الصحف والمنتديات وصالات الأسهم عن نسبة الـ 5% بدلاً من 10% وحتى تجزئة أو تقسيم الأسهم، وعن أسهم ذات عوائد، وأخرى لا تحقق عائداً، وأسهم لشركات جديدة، كل هذه الأخبار والقراءات.. والشائعات والتخبطات خلفت ما نراه ونلمسه في سوق الأسهم!.
صحيح إن القانون لا يحمي المغفلين، ولكن الصحيح أيضاً أن القانون يجب أن يكون واضحاً وصريحاً، حتى لا يضار أحد، كل ذنبه أنه أراد تحقيق طموحاته، وهو يعرف أنه قد يفشل وقد ينجح، لكنه لا يعرف أنه قد يضرب على قفاه!! دون أن يجد من يمد له يد المساعدة، إن الأيام السوداء التي رأيناها وسمعنا عنها في سوق الأسهم سوف تتوالى حتى آخر قطرة أو آخر نفس إذا لم يتم تدارك الأمر بوضع الأسس والضوابط الصريحة والواضحة!!.
فاكس 014533173 |