Saturday 18th February,200612196العددالسبت 19 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

إلى جوار الآخرة أبا حمد إلى جوار الآخرة أبا حمد
د. عبدالعزيز بن إبراهيم الفريح/ عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية والمرشد الأكاديمي للكلية

الحياة الدنيا ما هي إلا أيام وليالٍ وسرعان ما تنطوي، وتطوي معها من شاء الله لهم الرحيل منها إلى دار البقاء. فلا خلود فيها لأحد كائناً من كان، وتلك حقيقة أزلية لا تقبل الجدل والمناقشة، وسنة سنها الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولا تحويلاً.
وفي كل يوم يفارق الناس أحبة لهم من مختلف الأعمار، ولمختلف الأسباب، ومن بين هؤلاء الأحبة الذين فقدناهم في هذه الأيام أخونا وحبيبنا مؤذن مسجدنا (محمد بن حمد الشويش) (أبو حمد)، ذلك الرجل الصالح الذي قضى حياته التي امتدت قرابة ثمانين عاماً في عبادة متصلة، قضاها في البحث عن لقمة العيش الشريف، وفي طاعة الله، وفي سني عمره الأخيرة انقطع للعبادة، فصار مؤذناً لمسجد المصيف سابقاً (مسجد الأمير عبدالعزيز بن فهد حالياً) إلى ما قبل سنة من وفاته رحمه الله. لقد كان يملأ الفضاء الرحب بصوته الندي رافعاً نداء الحق ليصافح آذان سكان الحي، فيهرعون إلى مسجده ملبين دعوته: (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، واستمر على ذلك خمسة وعشرين عاماً ملتزماً بهمته تلك كل الالتزام، فلا يمكن أن يتأخر عن الأذان، أو يؤخر وقته إلا لعذر قاهر، وقل أن يحدث هذا، وحتى عند اشتداد المرض عليه كان يحاول الأذان فلا يستطيع فيحزن لذلك، ويخفف حزنه بالحضور إلى المسجد متحاملاً على نفسه، ويجلس في المكان الذي اعتاد الجلوس فيه إلى أن أصبح غير قادر على الحضور إلى المسجد البتة.وكان - رحمه الله - طيب القلب، عفيف اليد واللسان، خفيف الظل، يلقاك بوجه باش، ويسليك بحديثه الذي لا يخلو من نكتة ومتعة، وفائدة وممازحة، والذي يستله من تراكمات السنين، وأحداث الحياة التي مرت به في رحلة كفاحه، وما عاناه فيها من شظف عيش، وقسوة زمن، وما اكتسبه خلالها من تجارب وعبر.
ولسانه رطب دائماً بذكر الله وتلاوة القرآن، فكان يختم القرآن كل عشرة أيام. وهذا شأن المؤمن إذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، ولقد شاء الله أن يطهره مما قد ارتكبه من ذنوب فابتلاه بما ابتلاه به من مرض، وإذا كان المؤمن يثاب على الشوكة يشاكها، فما بالك بمن رقد على فراش المرض أكثر من عام يعاني من تليّف الرئتين وضعف الشهية، وهزال الجسم، وأجهزة التنفس التي تلازمه في كل أوقاته. رحمك الله أبا حمد.. لقد عشت عزيزاً، ومت عزيزاً، وهنيئاً لك بأكرم جوار، وأعظم قرار، ودعاء من الأعماق بأن يتغمدك الله بواسع رحمته، وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأن يمنَّ علينا بجوارك في الآخرة كما منَّ علينا بجوارك في الدنيا، وأن يحشرنا وإياك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وحسن أولئك رفيقاً.
كما أسأله تعالى أن يلهم ذويك الصبر، ويرزقهم السلوان، وأحسبهم ممن قال فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved