لا أعلم لم دفعتني الحروف للعودة إلى الوراء، حينما كنت على أعتاب الطفولة أعدو وألعب ممسكة بيد شقيقي وديع في شوارع دمشق عندما استقر بنا الحال هناك!
وأذكر هذا اليوم الذي خلدته ذاكرتي.. بينما كنا عائدين أنا وأخي إذ هبت عاصفة على غير العادة، وكان ذلك في شهر شباط إن لم أك مخطئة، والذي يختلف فيه الجو بين فينة وأخرى. عندها هطلت أمطار اجتاحت المدينة، وما كان من أخي إلا أن أخذ يجذبني من يدي ويركض بي بين الشوارع لنختبئ وأنا أرتعد بجسدي النحيل من البرد.
فتارة نختبئ تحت مبنى، وأخرى تحت مظلة دكان، في لحظات تبدّل وجه المدينة الهادئ وغطت السيول الجارفة شوارعها وأخذ الرعد يزمجر وحوصرنا في مكان ما!
لا تستطع ذاكرتي إلا الاحتفاظ بهذه الصورة التي اختزنتها، حينذاك عندما خلع أخي سترته التي كان يرتديها وألبسني إياها، وبقي المطر يجلد جسده الصغير وهو يقاوم بلا طائل! حتى إذا ما هدأت العاصفة أمسك بيدي وهو يمضي بي بين الأزقة التي غسلتها السيول حتى إذا ما وصلنا البيت ارتعدت أجزاء جسده وبقي مدة طريح الفراش!
صورة نادرة للعطاء والتضحية خبأتها ذاكرتي لطفل وديع ديدنه الحفاظ عليّ كي أعود سالمة حتى لا يصيبني مكروه!
هذا هو شقيقي وديع اسم على مسمّى، وداعة وحنان في التعامل!
والآن كلما نظرت إليه وقد أصبح مهندساً ذا منصب مرموق تنضح ذاكرتي بعطر اللحظات التي سبقت تفكيري بخصاله الحميدة وعطائه النادر في هذا الزمن القاحل!
ابتهل إلى الله العلي القدير أن يحفظك يا وديع، ويحفظ لك صغارك ويعطيك المولى من حيث لا تحتسب!
سلامي لنبضك الناصع يا أبا محمد ولك في قلبي محبة بعدد النجوم وظلالها المضيئة على الأرض وفي الأرواح.
مرفأ:
محبتك، خوفك، تحنانك، غيمة ضوء لا تشبه سوى شمس قلبك.
|