سكنت حركة، وتوقَّف نفس، وهدأت جوارح، وتوقف قلب، وانطفأت شعلة، وعلى إثر ذلك دمعت عيون، وحزنت قلوب، وتكسَّرت عبرات، ورُفِعت أكف مخلصة ضارعة تدعو للحبيب عبد الله بن حمد القرعاوي بالرحمة.
سكنت حركة كانت لا تهدأ في إنجاز أعمال نذرت لخدمة هذا الوطن، وتوقف نفس طالما تردد في قول الخير، وأشاع الخير ودعا إلى الخير، وهدأت جوارح تقلب صاحبها في طلب الرزق الحلال، والإسهام في دفع عجلة التقدم الفكري والاجتماعي في حدود الطاقة وفي إطار المقدرة.. وتوقف قلب طالما خفق بالحب والحنان لكل من لامس شغافه، وحرك أوتار بهجته وسروره.
ودمعت عيون أصدقاء، وأحبَّة وأقرباء وزملاء عرفوا فيه صفاء النية وجميل الوفاء والبدء في مد يد الإخوة والتقرُّب، وحزنت قلوب كانت الفرحة ترقصها، والبهجة تملؤها لما يأتي من عبد الله من التقدير للناس، والتواضع لهم، وبذل الجهد في سبيل إسعادهم، وتكسرت عبرات في صدور كانت تمتلئ بالحب والتقدير من رجل ذي خلق زاكٍ، وإحسان في كل ما يأتي.
أُغمِض جفن كان لا يرى إلا الحسن، ولا يمل من التلذذ بمظاهر الطبيعة في الوطن الحبيب.. حبيبته النخلة، وصديقه جبل التوباد، وعشقه الزهر والورد، وغرامه الخزامى وعبقها والنجوم ولمعتها، والمطر وزخه، والغمامة وبكاؤها، والتلال والدعوس وتشكلها، واليمامة (وأسيافها المعترضة)، وبنت الثّمام وعبقه، ومضارب البادية وأصالتها ومن فيها.
ما لم يلمسه بيده يتخيله أمامه، يرسمه في شعره لمن لا يرى فيه ما يراه، يرسم الشمس وضياءها والقمر ونوره والأفق وما يأتي عليه من رعود وبروق، وما يأتي منه من مطر ينبت الزرع، ويملأ الضرع يرسم الصور الجميلة لمظاهر الطبيعة في بلاده بعيني المحب الولهان.
يا أبا طارق، عليك رحمة الله، ولك رضوانه، تنتصب أمامي ذكراك وأنت تدرج طفلاً صغيراً، وأنت تدرج في مراقي الدراسة، وأنت تلتهم العلم في الجامعة.
كنت معك خطوة خطوة، وبين طيات هذه المراحل تأتي ذكرى جلوسنا معاً في (المقدمة) في البيت في عنيزة وفي الصفّة وفي (الروشن) وفي (الطاية) وفي (المنفوح)، أماكن جلوسنا وأكلنا ونومنا في عنيزة، وفي مكة في (المجلس)، وفي المقعد، وفي (الخارجة) وفي (السطوح)، وفي (المبيت) نشكل فراشنا أحياناً على شكل زهرة، رؤوسنا مجتمعة، كنا أنت وأخي حمد وأنا ثلاثتنا لا نفترق إلا لنلتقي، أما اليوم فقد فارقتنا، ولكنك في قلوبنا، ونرجو أن يمن الله علينا فنلتقي في جنات النعيم.
صحيح أنك ذهبت، يحاول الذهن أن يكذب الحقيقة، ولكن الحقيقة لا تكذب، والموت حق، وطريقه مسلوك، ولكن يحلو للملتاع أن يتوهم ما لا وهم فيه لعله يجد ما يتعلق به ولو للحظات.
يا ابن العمة، الحبيب بن الحبيبة، نم قرير العين، فقد أديت واجبك في هذه الحياة نحو أهلك وإخوتك، ورؤسائك، ووطنك، ونحن نشهد على ذلك ولا نزكي على الله أحداً..
اللهم اغفر لعبد الله القرعاوي وارحمه، وأفسح له في جنتك يا كريم يا جواد وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|