يارا
كتابة المذكرات
عبد الله بن بخيت

نعيش هذه الأيام حالة تغير. حالة تود أن تنقل المجتمع إلى الوضع الذي كان يفترض أن يكون عليه لولا الظروف العجيبة التي مر بها خلال الفترة الماضية التي قادته إلى الانغلاق والعزلة وإلى تردي كثير من الأوضاع الإنسانية كوضع المرأة والتعليم والأدب والفن. عملية الانتقال هذه أشبه بمرحلة النقاهة التي يمر بها مريض أصابه مرض كاد أن يودي بحياته. فكما تتطلب حالة المريض تقييم الوضع الصحي العام لحياته تفترض مرحلة التغيير هذه مراجعة اجتماعية شاملة لكل القرارات الصادرة التي ظاهرها إداري وقوامها الأساسي ثقافي يمس جوهر المجتمع من أساساته. مع مراجعة أبعادها الذاتية.
لم أقرأ القرار الصادر الذي يصادر حق المرأة في اتخاذ قرار يخص جسدها ولكن لا بد أنه موجود، فكلنا نعرف أن المرأة لا يحق لها الخضوع لعملية جراحية تخص جسدها إلا بموافقة ولي أمرها (المالك والمتصرف بجسدها). مثل هذا القرار لا يمكن فهمه واستيعابه إلا بالنظر إلى الإطار الثقافي العام الذي انتظم حياة الناس في الفترة السابقة فيما سمي حقبة الصحوة. فكل القرارات الإدارية التي صدرت في تلك الحقبة سواء في حق المرأة أو في نواحٍ أخرى كثيرة من الحياة هي سياقات ثقافية أنتجتها ظروف محلية ودولية لا يمكن الوقوف على حقيقتها وإزالتها إلا بجمع المعلومات مصحوبة بالمواقف الذاتية للذين أسهموا في إنتاجها أو عملوا على مقاومتها.
الذي يتابع الحوارات الصحفية البسيطة التي تجرى بين فترة وأخرى مع موظفين كبار من أصحاب القرار في الدوائر المختلفة يقرأ في طيات هذه المقابلات مؤشرات صغيرة وبسيطة عن السيكلوجيا الاجتماعية التي أنتجت هذه القرارات الثقافية ومررتها دون مقاومة. ولكن هذه الحوارات غير مفيدة إذا أردنا أن ننظر إلى الصورة الكاملة لتاريخ مثل هذه القرارات بهدف توظيفها لدفع عملية التغيير قدماً. أولى خطوات المراجعة هو جمع هذه القرارات وتصنيفها.
فلو أخذنا القرارات والتعميمات التي صدرت بحق المرأة كهذا القرار الذي يصادر حق المرأة في اتخاذ قرار يخص جسدها وصحتها ووضعناها مع مجموعة القرارات الأخرى في المجالات الأخرى لكونا صورة أكثر وضوحاً أمام الباحثين. فكل دائرة حكومية أو أهلية لا بد أنها في يوم من الأيام اتخذت قراراً مشابها لمثل هذا القرار بحق المرأة. جمع تلك القرارات في كتاب واحد يمكن أن يضع الصورة الحقيقية أمام العاملين في الحقل الثقافي وربطها بالقرارات التي اتخذت في مجالات أخرى خطيرة كالتعليم والفن والأدب إلخ. والخطوة الثانية التي تشكل المنعطف الأساسي لفهم الفترة هو كتابة الفترة من وجهة نظر فردية، من خلال الخبرة والتجربة للأشخاص الذين كانوا جزءا من العملية، سواء كانوا مؤيدين لما كان يحدث أو كانوا معارضين لا يملكون القدرة على مقاومة ما يحدث. هذه تتم بتشجيع كتابة المذكرات. تشجيع الانفتاح على الهواجس الذاتية التي صاحبت تلك الفترة مفتاح أساسي لفهم الوعي الجمعي الذي سمح بإخضاعه لمثل هذه القرارات.
كتابة المذكرات من أهم وأعظم الأعمال الإنسانية، خصوصاً إذا جاءت من شهود قرروا طوعاً الإدلاء بشهاداتهم على العصر الذي أنتجوه. مهما حاول كاتب المذكرات إخفاء ما يسيء إليه في تاريخه المهني لا يمكن أن يتجاوز البواعث الشخصية التي دفعته لاتخاذ المواقف والانحياز لهذا الفكر أو الفكر المضاد. المذكرات ليست مجرد قراءة للتاريخ من وجهة نظر شخصية ولكنها أيضا اعترافات بالأسس غير الموضوعية التي أثرت في حياة أصحابها. ففي كل مرة يحاول فيها كاتب المذكرات الدفاع عن قرار اتخذه أو نقد قرار اتخذه غيره هو في الواقع يضع أمام القارئ جزءا من الكيفية التي تم بها إخضاع الوعي الجمعي لمثل هذه القرارات المنافية للفطرة الإنسانية.
اعتذار
أقدم اعتذاري عن الاستمرار في نشر قصة (الحب من وجهة نظر طرسان) بسبب الانقطاع، وأعد بنشر القصة كاملة قريباً.