Saturday 18th February,200612196العددالسبت 19 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

جداول جداول
سرعة وخطأ التشخيص الطبي ومآس خطيرة
حمد بن عبدالله القاضي

-1-
** نؤمن جميعاً أن الشافي هو الله، وما الأطباء إلا سبب من أسباب الشفاء. وقد أمرنا مانح الحياة بالأخذ بأسباب العلاج؛ فالأمراض قدر الله وعلاجها قدر من أقدار الله..!
ولست مع الأديب الساخر (برناردو شو) الذي له عبارة ساخرة وإن كانت لا تخلو من بعض الواقعية (الله يشفي والأطباء يقبضون)..!.
فالله هو الشافي حقاً لكن الأطباء سبب..!.
هذه السطور تجيء مقدمة لموضوع بالغ الأهمية في رحلة بحث الإنسان عن الشفاء..!
سطوري عن أخطاء (التشخيص) من قبل الطبيب الذي هو (البوصلة) الأهم التي توصل إلى هدف الشفاء أو مضاعفة الداء أو الانتقال بسببه من ظهر الأرض إلى باطنها..!
من هنا تأتي أهمية الخطوة الأولى في رحلة الشفاء.
***
** وأتوقف عند واقعتين مؤلمتين تسبب خطأ التشخيص أو التسرع فيهما بالأحرى: الأولى أدت إلى مضاعفة آلام طفلة بريئة وفجيعة أسرتها، والثانية كادت تجعل المريض وأسرته ينهاران من تأثير ما سمعاه من ذلك الطبيب!!.
هاتان الواقعتان رواهما الكاتب أ: ناصر اليحوي، وأترك الزميل الكريم يرويهما بقلمه:
* (الحادثة الأولى: حينما أخذت ابنتي التي لم تبلغ العاشرة من عمرها إلى طبيب العظام بسبب وجود (عرجة) مفاجئة عندما تمشي، وكنت أتصور أن الأمر لا يزيد عن التواء في مفصل القدم أو الركبة.. وبعد فحص (إكلينيكي) أطلق الطبيب المختص مفاجأته (المدوية) على أسماعنا وقال بمنتهى البساطة وبلغة الواثق: (إن هذا (شلل) وسيستمر معها طيلة حياتها) وكاد أن يغمى على والدتها، وسألت الطبيب: وكيف يمكن التأكد من ذلك، علماً بأنها استكملت جميع التطعيمات اللازمة والجرعات التنشيطية؟ قال: (إن ذلك ليس شرطاً لمنع شلل الأطفال، أما بالنسبة للتأكد مما قلته 100% فيتم التأكد بعد إجراء أشعة (الرنين المغناطيسي)).. فأخذت ابنتي ونحن في وضع نفسي سيئ، واتجهت إلى إحدى المستشفيات الحكومية، بعد أن هاتفت الصديق مدير المستشفى الذي سهل (جزاه الله خيراً) أمور عرضها على رئيس قسم العظام في المستشفى الذي يتولى الإشراف على إدارته، وبعد أن كشف عليها طلب إجراء الرنين المغناطيسي، وأفاد بعد الانتهاء أن الأمر سببه التهاب، وكتب لها شراب (كينلكس) وبعد استخدامه مدة يومين وبفضل الله عز وجل عادت الابنة إلى وضعها ومشيتها السليمة وكأن شيئا لم يكن!!).
***
* (الحادثة الثانية: لزميل لي، حصلت قبل الإفطار في رمضان هذا العام، حيث أحس بثقل شديد في يده اليسرى، واتجه على الفور إلى إحدى المستشفيات، وبعد إجراء الأشعة اللازمة بما في ذلك (الرنين المغناطيسي) أفاد استشاري المخ والأعصاب أنه تعرض ل (جلطة) في الدماغ، وأنه قد تعرض إلى جلطة سابقة، ومن المحتمل أن تعود إليه الجلطة مرة أخرى؛ فانهارت الأسرة وانهار المريض فطلب نقله إلى أحد المستشفيات الكبرى ذي الإمكانيات العالية، ونقل على الفور وهناك أوضحت (أشعة الرنين المغناطيسي) أنها لا تشير البتة إلى وجود جلطة وأن استشاري المخ والأعصاب قد قرأها بشكل خاطئ، وللتأكد طلبوا إعادة الأشعة لديهم فوافق المريض وفعلا أكدت أشعة (الرنين المغناطيسي) الجديدة أنه لا يوجد جلطة على الإطلاق.. إن الجلطة الحقيقية كادت تحدث للمريض من التشخيص الخاطئ للطبيب السابق!!).
***
* وبعد..!
أجدني بعد هاتين الحادثتين؛ لكثرة ما كتب عن هذا الموضوع، وآخر من كتب عنه د. محمد القنيبط، ولكثرة ما نسمع من أخطاء بعض الأطباء القاتلة ومن تسرعهم في التشخيص الذي تترتب عليه نتائج خطيرة، أجدني حائراً متألماً من مثل هذه الأخطاء.
والسؤال: أين قسم وضمائر بعض الأطباء الذين يتسرعون في التشخيص ثم يرمون النتائج الخاطئة والمتسرعة التي تأتي - بحمد الله - بعيدة عن وضع المريض الصحي..!
لكن - مع الأسف - تبقى آثار هذا التشخيص المتعجل في نفوس المرضى وأسرهم جراحاً لا تندمل، والمأساة عندما يأخذ المرضى بنتائج هذا التشخيص فيتعبون ويمرضون من نتائج هذا التشخيص الخاطئ، ويلهثون وراء علاج داء ليس فيهم، وأحياناً تصيبهم الأمراض من جراء استخدام أدوية هم ليسوا بحاجة إليها، فضلاً عن التكاليف المادية الباهظة التي تترتب على مثل هذا التشخيص الخاطئ..!
إن القراءة لهاتين الواقعتين وغيرهما كثير، تجعل الإنسان يشك أحياناً في نتائج التشخيص من قبل بعض الأطباء، ولكن المحير حقاً إذا جاءت المعلومة الطبية خاطئة من الطبيب فمن أين يأتي صحيحها؟!
إن على الأطباء أن يتقوا الله ويتأنوا في التشخيص، وعندما تظهر لهم نتائج خطيرة عليهم ألا يتسرعوا في إفادة المرضى، بل عليهم أن يستشيروا أطباء زملاء لهم، وإخضاع نتائج التشخيص للفحص والمختبرات قبل الجزم بها.
وأدرك أن وزارة الصحة لا ذنب لها في أخطاء وتسرع الأطباء في التشخيص، ولا تستطيع أن تضع طبيباً مع كل طبيب يتأكد من نتائج فحصه، ولكن وزارة الصحة مسؤولة عن مجازاة الأطباء ومعاقبتهم عندما يثبت خطأ في تشخيصهم الذي يجيء نتيجة تسرع وعدم تأكد من النتيجة.
ولعلي أطلب من وزارة الصحة أن تنشئ لجنة من الأطباء القادرين في (كل مستشفى) تعرض عليها نتائج التشخيص، التي يكون من جرائها الشك في وجود أمراض خطيرة وكبيرة، وهذا كما نعرف معمول به في المستشفيات المتقدمة.
بقي أن أهمس بكلمة في أذن إخواننا الأطباء: إنه قد يكون أمر النتائج لديهم أمراً عادياً بحكم تكرار النتائج عليهم، لكن وقع نتيجة التشخيص على المريض قاس، وربما كان قاتلاً، إذا كان التشخيص يشير إلى مرض خطير أو داء مستديم.
وبعد:
كفانا الله شر الأمراض وأخطاء الأطباء، وأبعد الله العجلة عنهم وعن تشخيصاتهم، وأكثر الله من الأطباء الذين يستشعرون مسؤولية عملهم الخطيرة أمام الله ثم أمام مرضاهم.
-2-
رفقاً بها يا مبضع الجراح
** مادام الموضوع الرئيس لجداول اليوم (عن الطب والأطباء) فدعوني (أطرِّي) عيونكم بهذه الأبيات الشعرية التي قالها (شاعر أب) وهو يرى ابنته فلذة كبده تدخل (غرفة العمليات) لإجراء عملية جراحية لها، وقد تركها بين مشارط الأطباء، وهو خلف الباب يسمع أنينها وشكواها.
فكان أن قال قصيدة خاطب بها الطبيب، جسّد فيها حالته كأب وهو في أكثر لحظاته حناناً وضعفاً وشفقة:


(رفقاً بها يا مبضع الجراحِ
أدميتَ قلب الوالد الملتاحِ
إن زدتَ إيلاماً فضحتَ توجُّعي
وجمعتَ بين صياحها وصياحي
هذه (القطاة) قُصاصة من ريشها
تكْفي إذا انتثرتْ لقصِّ جناحي
ويحي دفعت بها إلى المشارط فلذة
كُنْتُ بها الضنينَ على الأرياح)

إلى آخر هذه القصيدة المؤثرة التي فاضت بها عاطفة الشاعر المهجري جورج صيدح.
يا لعاطفة الأبوة!.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved