حفل تاريخنا العربي الإسلامي بنماذج من ولاة الأمر العلماء، ويذكرني صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة الرياض وعالمها بأحد علماء العرب الأمراء، وهو الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية؛ فالأمير سلمان يذكرنا بذلك السلف من الأمراء الذين جمعوا بين العلم والسياسة، دون أي تعارض في التوفيق بينهما؛ فهو متابع كبير وقارئ نهم لكل ما ينشر يوميا، سواء كان المنشور في الصحف أو الدوريات أو الكتب. أما متابعة سموه الكريم للصحف فهي متابعة يومية تبدأ من بعد صلاة الفجر إلى ما قبل الساعة السابعة صباحا، ولا فرق عنده بين يوم دوام أو يوم إجازة؛ ولهذا فليس الأمر بمستغرب على سموه أن يكون شديد الملاحظة، ودقيقا لكل ما يكتب؛ فهو ناقد قبل أن يكون قارئاً، ومدرك وفارز للغث من السمين. ولبيان دقة الملاحظة لديه أتذكر أن سموه الكريم اطلع على كتاب ووجد فيه بعض النقاط التي تحتاج إلى سؤال؛ فدفع بها إلى سعادة أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية ليحيلها إليّ للاطلاع عليها؛ فوجدت أن سموه الكريم قد وضع عددا من الأسئلة لا يضعها إلا عالم ناقد. وقد تحدث إليّ بعض من أهدى كتابا للأمير سلمان قائلاً: إنه بعد أن وصل الكتاب للأمير سلمان جمعني بسموه بعد ذلك مجلس رغب فيه سموه أن يستوضح فيه مني بعض النقاط، فلما وجدت الكتاب أمام سموه الكريم وقد هالني كثرة الأوراق الصفراء التي وضعها في ثنايا الكتاب لوجود ما يرغب في نقاشه مما هو مؤشر عليه داخل هذه الصفحات فأخذ يتصفح الأوراق ويسأل ويستوضح عن كل مسألة، ويقول الأمير لهذا المؤلف: إنني قرأت كثيرا في كتب الأنساب إلا أني في غالبها أرى أن المؤلف دائما ما ينهج إلى وضع النتائج قبل الدراسة والمدح دون غيره، أما كتابك فأعجبني للموضوعية التي حفل بها والبعد عن تمجيد الذات أو القفز إلى النتائج قبل البحث. وأضاف الأمير سلمان لهذا المؤلف بقوله: إنني قرأت كل سطر وليس كل صفحة، وأثني على التوثيق أ. هـ. ولخشية الإطالة فقد أحببت أن أختم بالقول إن منهج الأمير سلمان منهج موضوعي نقدي وهدفه تصحيح كثير من الأوهام العالقة ببعض الروايات التاريخية، واعتماده في ذلك على الحوار والحجة؛ فليحفظ الله سموه الكريم أميراً وإنساناً ومؤرخاً.
* مدير إدارة المخطوطات - مكتبة الملك فهد الوطنية. |