سعى الإنسان (ولا يزال) على مدى تاريخه الطويل إلى البحث عن المال معتقداً في مسعاه الدؤوب أن تمتعه بالمزيد من المال سيؤدي إلى تمتعه بحياة دنيوية أفضل، ولكن الحقيقة أن حصول الإنسان على المزيد من المال ليس بالضرورة يؤدي إلى مزيد من الطمأنينة والهناء كما هو متوقع عند الأغلبية منهم لأنه يعد في بعض الأحيان قيداً لصاحبه الذي يجد نفسه مكبلاً في لحظة الاختيار بين المفاصلة والمفاضلة لبدائل احتياجاته الأساسية ومشترياته. وصار لهؤلاء المعتقدين الماديين نمطاً يومياً مكرراً يبدأ كل صباح بالعمل المضني في جمع المال وينتهي مساءً بمراجعة دقيقة يتحرى فيها مدى سرعة انتفاخ رصيده البنكي، وبنفس الروتين دون أي تغير يكاد يحدث. فيقضي ثلث حياته الأول في النوم وثلثها الثاني في العمل وثلثها الأخير في التفكير بكيفية نمو ماله والاستثمار به أو تضخم أرباحه. فتمر عليه الأيام مر السحاب وعمره ينقضي كيفما اتفق في سنواته المتشابه لبعضها، ولكن ألا يستحسن أن ينفرد الإنسان بنفسه ساعة من نهار ويتأمل حياته ليكشف أنه يستحق قدراً أعمق من الانشغال التام في جمع المال وأنه يستطيع أن يضيف معنى جديداً على حياته اليومية الرتيبة. نعم الإنسان هو المسؤول عن مشاعره وأحاسيسه التي يستشعرها، وإذا لم يمسك بزمام حياته ويوجهها بوعيه إلى أعمال أخرى غير المالية كمساعدة المحتاجين والأعمال الاجتماعية، فإن الحاح رغباته ستقوده في رحلة استهلاكية مادية وانشغالات مالية لا قرار لها ولا مستقر. وستغره الدنيا بمآربها ومثالبها فيتكالب على تعظيم ثروته المالية على حساب دينه وعقله وأسرته. وسيفقد مع عدم إدراكه لجمال الحياة وروعتها سيفقد الطمأنينة والراحة النفسية وصفاء البال. فيتخلى في نهاية المطاف عن توجيه دفة حياته والأخذ بزمام أمره فلا يعود سيد نفسه. وعندما أسأل أي إنسان أو طالب جامعي عمن هم أكثر الناس شعوراً بالحياة وسعادتها فإن إجابتهم تحتوي في أغلب الأحوال أسماء رجال أعمال محليين أو عالميين الذين مهم الأكثر كسباً للمال وامتلاكاً للعقار. وأستشفُ هنا أن النجاح المادي المالي غالباً ما يربط كمعيار أساسي لحياة دنيوية أفضل لسعيد حظ عاش فيها. وهذا خطأ كبير فقد سجلت نتائج تجربة أجريت على عينة تم اختيارها من أعمار مختلفة أن ليس هناك فرق كبير بين معدلات الطمأنينة والراحة النفسية التي يسجلها رجل أعمال ثري وتلك التي يسجلها شخص متوسط الدخل المالي الشهري، وهو ما يفيدنا أن الفرد بعد أن يتخطى المستوى المتوسط من الدخل المالي فإن أي زيادات أو إضافات مالية في ثروته المالية سوف لا تضيف أي قدر ملموس حقيقي في معدلات طمأنينته وسعادته أو أحاسيسه التي يشعر بها داخل نفسه. ولا غرابة أن يخبرك فقير بأنه يشعر بهناء وصفاء وراحة بال مع أسرته، بينما لن يكف ثري يكتنز مئات الألوف من أسهم الشركات الناجحة عن ندب حظه في فوات الربح عليه لقرار اتخذه سابقاً في عدم شرائه لأسهم معينة يعتصر عليها اليوم حسرةً عندما يراها تضاعفت قيمها وأسعارها في سوق الأسهم السعودية النامي.
|