سألني أحد الطلاب هذا السؤال، ونظراً لأهميته أجبته بما يلي: اعتزال الشيء بمعنى مجانبته والتنحي عنه، كما عرفه بذلك صاحب كتاب (المصباح المنير)، وهذا المعنى لا يناسب واجب الدعوة إلى الله تعالى. فإن الدعوة من العبادات التي يؤجر عليها صاحبها، والله تعالى أمر بها كما قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. وتركها مع القدرة عليها تفريط، ما لم يكن للداعية عذر في الترك لا يمكن تلافيه وخارج عن إرادته. كما أن الاعتزال إنما يناسب العادات دون العبادات، لأن العبادات ليس لها حد تنتهي إليه كما قال تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، لا سيما وقد وردت نصوص كثيرة في الترغيب في الدعوة والحث عليها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). فالدعوة إلى الله ليست صنعة أو هواية حتى أن الداعية يعتزل عنها، بل إنها واجب يجري في ابن آدم مجرى الدم، فالكلمة الطيبة صدقة، وأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة، وتعدل بين اثنين صدقة، ونصرة المظلوم صدقة، ودفع الظالم عن ظلمه صدقة، وبيان الحق للناس صدقة. وكل هذا وغيره كثير يعد من مجالات الدعوة إلى الله. فمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ويقول جلَّ شأنه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. فالدعوة إلى الله شأنها الدوام والاستمرار والتنافس لا الانقطاع والاعتزال، وشأنها الحماس المعتدل لا الفتور والكسل. هذا ما أحببت بيانه إجابة على ذلك السؤال.. والله أعلم.
|