الأزمة اللبنانية

دخل لبنان في نفق مظلم منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ثم الحدث الإرهابي الأكبر مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير الماضي. وما تزال يد الإرهاب الآثمة تعبث بالأمن اللبناني حتى يومنا هذا وبوتيرة أسرع وبنفس الطريقة الشنيعة.
فمقتل جورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني ومحاولة قتل إلياس المر ومي شدياق، كل ذلك حدث في فترة زمنية قصيرة نسبياً.
والمشكلة أن هذا العبث يتم تطبيقه باحترافية وإتقان شديدين تشبه تلك العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات خاصة مدربة على تنفيذ عمليات تتميز بالمفاجأة والسرية ومبنية على معلومات دقيقة شبيهة بعمل الاستخبارات، كالاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) وعمليات السي آي إيه الأمريكية والكي جي بي السوفييتة.
وواضح أن المتورطين في هذه العمليات الإرهابية لا يريدون فقط إيقاع لبنان في دوامة العنف مجدداً، وإنما يريدون وبإصرار رمي المنطقة كلها في غياهب الفوضى، والمستفيد الأول من هذه الأزمة كما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله: هو إسرائيل.
فمن مصلحة إسرائيل أن تكون لبنان منقسمة ومتأزمة، كما أن من مصلحتها أن تكون الجارتان سوريا ولبنان في نزاع لا يهدأ، لأن ذلك يسهل عليها اختراق الدولتين واللعب على التناقضات الأهلية والبينية. وبالتأكيد أن هذا الاختراق سيكون لمصلحة إسرائيل على حساب لبنان وسوريا، بل وعلى حساب الدول العربية كافة.
ومما يزيد تأزم الوضع اللبناني غموض تقرير ديتليف ميليس وافتقاره إلى الاحترافية. فتوجيه التهم وإدانة المتورطين لا ينبغي أن يبنى على عموميات، بل لا بد من قرائن وأدلة دامغة لا تقبل التأويل، فميليس يقول إنه واثق من تورط الحكومة السورية في اغتيال الحريري دون أن يعرض الأدلة على ذلك، وربما كانت الحاجة ماسة إلى مزيد من الوقت للوصول إلى الحقيقة. مما يعمل على تأجيج الوضع السياسي والأمني المحتقن التصريحات الاستفزازية والاستعجالية من قبل بعض السياسيين بُعَيْد كل عملية إرهابية وعند كل مناسبة صحفية، وتوجيه الاتهامات يمنة ويسرة دون تروٍّ وانتظار لنتائج التحقيق.
إن الأزمة اللبنانية المتنامية لا يمكن حلها إلا بكشف المتورطين في الجرائم الإرهابية، وفي الوقت ذاته ضرورة إحكام القبضة الأمنية لمنع بقدر الإمكان تكرار مثل هذه العمليات.
ولا يمكن كشف الحقيقة إلا بالتفريق بين الجانبين السياسي والأمني في التحقيق، وذلك كي لا تختلط الأوراق بعضها ببعض، فيُدان البريء في حين يفلت المجرم الحقيقي بجريرته.