لم تعتد مدينة أبها تلك المدينة الجميلة المتنائية عن الصخب كل هذا الضجيج والأضواء والفلاشات الإعلامية, ولا سيما خارج موسمها السنوي.... لم تعتد كل هذا الاحتدام والأصوات، وشعب كامل يعيد رسم ملامحه فوق جبالها. يقال بأن الحوار الوطني الخامس كان الأكثر احتداماً وصخباً, يقال بأنه كان الأكثر جرأةً, ويقولون بأنه الأسرع هرولةً.... وأنا أرى بأنه كان الأكثر نضجاً..... لم يعد الحوار الوطني يمشي على ذلك الخيط المرهف المشدود بخطوات حذرة ومترددة, ولم يعد يخشى ارتياد الأراضي الموحشة المطوقة بالغيلان والسعالي, الحوار الوطني الخامس اكتملت أدواته, وبات برلماناً... له ملامح خاصة, صنع في السعودية. الكثير تخوف من البث المباشر لجلسات الحوار... قال قد يكون البث المباشر سبباً لخوف البعض أو ترددهم, وانحسار جرأتهم التي ستغادرهم حتماً بعيداً عن الغرفات الموصدة الآمنة, بينما البعض الآخر وجد أن الحوار الوطني سيكون ميداناً خصباً للمزايدات والعنتريات التي يلوح بها البعض إرضاءً للأتباع والمريدين... ولكن يبدو أن الحوار الوطني الخامس قد تجاوز تعثرات البداية.. وتخطى ليونة الطفولة.... وتمنطق بتمام المسؤولية الوطنية... وانطلق في الميدان حتى أقصاه. طُرِحت أكثر الطلبات جرأة... حتى تلك التي كان البعض يخشى أن يهمس بها همساً لنفسه قبل عام من الآن... لكن تحت تلك القبة الوطنية الآمنة بات كل شيء قابلاً للنقاش للأخذ والرد طالما أنه متدرع بحس المسؤولية الوطنية وطالما... أن الوطن للجميع... والجميع للوطن... بكامل الحقوق والواجبات... الجميع اتفق على وجوب احترام التنوع والتعدد العرقي والمذهبي.... الجميع منح الكرامة الإنسانية مركز الصدارة في التوصيات... الجميع طالب ليس تشجيع المرأة بل تمكينها... لن ألخص الآن قائمة التوصيات التي جدلت تشعث التفرق والبداد والتأمت ظفيرة ذهبية فوق هامة الوطن. ولكننا مزهوون كمشاركات ومشاركين بوطن اختار المستقبل.. اختار خياراته الحضارية, وقرر أن يمتطي مركبة الغد... قرر أن يتحدى لغة الغاب والناب... البدائية القائمة على القمع والإقصاء والطغيان.... وقرر التحول باتجاه واحة التعدد والتلون وتناغم ألوان الطيف.... إلى سنة الله الكونية في الخلق حيث الاختلاف والتعايش والتباين والانسجام..... ولم يُعرف منذ التاريخ عن مخلوق رفض هذه السنة الإلهية في التعدد وتحداها بعد أن انشغل (بالأنا) سوى إبليس أعاذنا الله وإياكم منه.
|