هل هناك سياسة خارجية موحدة لدول مجلس التعاون، بمعنى أن عملية صنع السياسة الخارجية لهذه الدول تتم في إطار المجلس ثم تتولى أجهزتها الدبلوماسية عملية التنفيذ، أو أن هناك سياسات خارجية للدول الأعضاء يتم صنعها بعيدا عن المجلس في إطار كل دولة على حدة؟. ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل بأن هناك مستويين للسياسة الخارجية لكل دولة، الأول: يتعلق بما يتم الاتفاق بشأنه في إطار المجلس، والثاني: ما يترك لكل دولة لتتخذ ما تراه مناسبا لصالحها، وبما لا يتعارض مع مصالح بقية الدول الأعضاء، وبما لا يؤثر سلبا على ما تم الاتفاق عليه في إطار المجلس. ومن خلال متابعة وتحليل السياسة الخارجية لدول المجلس يتضح أن ثمة قضايا مشتركة يتم مناقشتها في نطاق المجلس ويتخذ بشأنها قرارات تمثل من الناحية النظرية إطارا للسياسة الخارجية لهذه الدول بصددها، والنموذج الواضح لمثل تلك القضايا يتمثل في القضايا الأمنية، وهناك موضوعات تترك لكل دولة حتى تتخذ ما تراه ملائما من سياسات تتوافق ومصالحها. إلا إن الواقع العملي يبيّن أنه لا توجد آليات تلزم الدول الأعضاء في المجلس باتباع قواعد معينة في هذا الصدد، كما أنه لا توجد قواعد ملزمة للدول الأعضاء بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في نطاق المجلس. وفي ظل هذا الوضع تبرز العديد من الاحتمالات تختلف من دولة إلى دولة أخرى، ومن موضوع أو قضية إلى قضية أخرى، ومن موقف إلى موقف آخر. ومن ثم فإن وضعية السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون، أقرب إلى وجود مستويين للسياسة الخارجية لكل منهما، الأول: هو سياسات تتناول موضوعات يتم بحثها في إطار المجلس والتوصل إلى اتفاق بشأنهما، ولكن دون وجود ما يلزم هذه الدول باتباع سياسات محددة بصددها، الأمر الذي يؤدي إلى إمكانية حدوث نوع من أنواع الاختلاف في درجة الالتزام بين دولة وأخرى. المستوى الثاني: هو سياسات تتناول موضوعات أو قضايا تركت لكل دولة بحيث تتخذ بشأنها ما تراه مناسبا لمصالحها، وعند هذا المستوى فإن هذه السياسات قد لا تتقيد بالآثار الناتجة عنها على بقية الدول الأعضاء، وفي بعض الأحيان لا تأخذ في الاعتبار درجة الالتزام المطلوبة بما تم الاتفاق عليه في إطار الجلس. ولقد نتج عن هذا الوضع ما يطلق عليه (ظاهرة السيولة) في السياسة الخارجية لدول المجلس، بمعنى عدم وجود نمط محدد للسياسات الخارجية للدول الأعضاء، وعدم وجود قواعد حاكمة تلتزم بها في نشاطها السياسي الخارجي بحكم انتمائها لتجمع إقليمي مشترك، وذلك بالرغم من وجود العديد من القضايا ذات الاهتمام والأهمية المشتركة فيما بينها في نطاق السياسة الخارجية. ومن ثم فسياسات دول المجلس الخارجية متغيرة من حيث توافقها أو عدم توافقها أو اقترابها أو ابتعادها عما يتم الاتفاق عليه في إطار المجلس، أي على المستوى الأول بالمفهوم المتقدم، وذلك تبعا لمصالحها وللظروف المحيطة بكل منها وتقديراتها للموقف. والواقع أن الإشكالية لا تكمن في هذا التذبذب فحسب، وإنما تكمن في أن هناك قضايا كان لا بد وأن تكون لدول المجلس سياسة موحدة بصددها بحكم أهميتها الاستراتيجية، وهو ما لم يحدث، أو على الأقل تكون أقرب إلى هذه النقطة وهو ما لم يتحقق، بل جاءت أقرب إلى السياسات المنفردة، وأن هناك قضايا وإن كانت أقرب إلى السياسات المنفردة فإن درجة الاختلاف بين الدول الأعضاء بشأنها كانت كبيرة إلى حد ما. والنموذج الواضح للقضايا التي جاءت سياسات دول المجلس بصددها بعيدة عن نقطة التوحد بالرغم من ضرورة كونها أقرب إلى التوحد هي القضايا الأمنية. فبالرغم من أن العديد من الدراسات تفيد بأن الدوافع الأمنية كانت الهاجس الأكبر وراء قيام مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981م، إلا أن إنجازات المجلس في هذا المجال كانت محدودة، وأول اختبار فعلي لذلك كان إبان الحرب العراقية - الإيرانية، حيث لم تستطع دول المجلس تطبيق الشعار الذي رفعته آنذاك بأن أمن المنطقة من مسؤولية أبنائه ودوله ولجأت إلى الحلفاء التقليديين، كما أثبتت كارثة الغزو العراقي للكويت. وتوضح دراسة أخرى أنه عندما اتخذ قرار تشكيل مجلس التعاون كانت الخبرة السابقة لعقد السبعينيات بخصوص أمن الخليج، وبالذات الصراع على السيطرة وبسط النفوذ من جانب القوى الإقليمية الكبرى خاصة إيران والعراق، ماثلة أمام الجميع، وكان المتصور أن تجربة تشكيل المجلس وسعي الدول الأعضاء للحفاظ على أمنها، مستوعبة لدروس تجربة السبعينيات، وبالذات مسألة اختلال توازن القوى لغير صالح المملكة والدول الخمس الأخرى مقارنة بالقوة العراقية والإيرانية، وأن الهدف سوف يكون خلق قوة ثالثة موازنة، ابتداء من المنظور الأمني مرورا بالتكامل الاقتصادي والسياسي المشترك بين الدول الأعضاء، ومعنى هذا أن المدخل الأمني كان مدخلا تكامليا، وأنه من خلال الشروع في بناء الأمن الجماعي وتطويره إلى صيغة أرقى تنشأ بموجبها القوة الخليجية الموحدة، ستكون هناك فرصة حقيقية لقيام كيان خليجي موحد، إلا أن هذا التصور لم يحدث، وتولت الدول منفردة بناء قوتها العسكرية الذاتية، ومن ثم لم يشهد عقد الثمانينات قيام نظام أمني خليجي، بل ولم تكن هناك رؤية موحدة للأمن أو لمصادر التهديد أو لسياسات أمنية ترتكز على التزامات مشتركة محددة. وترصد دراسة أخرى أنه بالرغم من أن الثمانينات قد شهدت أخطارا مشتركة تهدد دول المجلس كخطر تصدير الثورة الإيرانية، وخطر الحرب العراقية - الإيرانية، وكان هناك اتفاق تام على تحجيم هذه الحرب ومنع انتشارها وامتداد مخاطرها إلى دول المجلس أو تهديد الملاحة في الخليج، إلا أن الأولويات لم تكن موحدة بين دول المجلس أو الشعور بالخطر متشابها إزاء الثورة الإيرانية، والحرب العراقية - الإيرانية. وكان الغزو العراقي للكويت إعلانا بفشل تلك الحالة الأمنية، وكان اللجوء إلى التحالف الدولي للحماية وتحرير الكويت بداية لظهور نظام أمني جديد للمنطقة في مرحلة ما بعد التحرير، يعتمد أساسا على القوى الخارجية خاصة الولايات المتحدة للقيام بمهمة الردع والحفاظ على الأمن في المنطقة. ويذكر باحث آخر أن الوضع المتأزم في الخليج قد أدى إلى الأمركة الكاملة لكل الحلول الممكنة للمسألة الأمنية، وبخاصة أن دول الخليج بسبب ضعف التكامل وانعدام التنسيق الأمني والاستراتيجي فيما بينها، فقدت روح المبادرة للمساهمة في تحريك حالة الجمود في العلاقات، ويقف وراء ذلك عدة أسباب هي: 1- عدم التوصل إلى اتفاق بين دول المجلس على أهداف السياسة الخارجية، ويرجع ذلك إلى وجود درجة من درجات تباين المصالح بين الدول الأعضاء واختلاف تقديراتها لنوعية ومدى التهديدات الخارجية التي تواجهها. 2- طبيعة علاقات القوة في الإطار الإقليمي المحيط بدول المجلس، فهناك دول كبرى هي إيران، العراق، السعودية، وعدد من الدول الصغرى، ومن ثم، فثمة تناقض في المصالح بين الدول الكبرى، وتناقض في المصالح بين الدول الصغرى، وتناقض في المصالح بين الدول الصغرى ونظيرتها الكبرى، وبالتالي تصبح هناك شبكة معقدة ومركبة من المصالح المتناقضة والمتصارعة على المستوى الإقليمي الخليجي، ومن ثم كان على صانع قرار السياسة الخارجية أن يفاضل بين بدائل عديدة وأن يجري حسابات معقدة فيما بينها، وعادة ما يختار البديل الذي يرى أنه أقل تكلفة بالنسبة له في موقف معين، ويمتنع عن البديل الذي يؤدي إلى تعرضه لضغوط لا طاقة له بتحملها، حتى وإن تناقض جزئيا أو كليا مع ما تم الاتفاق عليه في إطار المجلس. 3- تدهور أوضاع النظام الإقليمي العربي، وقد نتج عن ذلك الكثير من عوامل الضعف، فبدلا من أن يمثل الإطار العربي عمقا استراتيجيا لدول مجلس التعاون يمكن أن تستمد منه بعض عناصر القوة، أصبح منتجا للأزمات التي يمتد تأثيرها السلبي لتلك الدول. 4- الضغوط الآتية من البيئة الدولية.. فهناك قوى عظمى وقوى كبرى لها مصالحها الحيوية في الخليج، وقوى قريبة من الجوار الجغرافي لها روابطها ومصالحها في المنطقة (كالهند، باكستان، تركيا) وقوى أخرى لها أطماعها مثل إسرائيل، ويرجع ذلك إلى الثروة النفطية والمالية والموقع الاستراتيجي المهم لدول مجلس التعاون. وقد أسهمت الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بدول مجلس التعاون بدرجات متفاوتة في بلورة حالة من السيولة في السياسة الخارجية لتلك الدول، وقد أفرز هذا الوضع ظاهرة أخرى أطلق عليها سيطرة نمط عدم التكافؤ كإطار للسياسة الخارجية، وهو على عدة مستويات تشمل العلاقات بين دول المجلس ذاته، ومستوى إقليم الخليج ككل، والمستوى الدولي بصفة عامة. وفيما يلي بعض التصورات حول وضع سياسة خليجية موحدة: - التوصل إلى اتفاق حول الأهداف المشتركة لدول المجلس على مستوى السياسة الخارجية، على أن تحدد كل دولة أهدافها المنفردة ويتم بحثها على المستوى الجماعي، وصولا للاتفاق على أساليب تحقيق هذه الأهداف بما لا يضر الدول الأخرى، ولا يتعارض مع الأهداف المشتركة. - الإيمان بأنه لا توجد علاقات ودية دائمة مع الدول الأجنبية وإنما هناك مصالح هي العامل المحرك لحركة التفاعلات الدولية، ومن ثم فالأمر يتطلب أن تقوم دول المجلس عبر فريق من الخبراء المتخصصين بوضع سيناريوهات عديدة لتفاعلاتها وسياستها الخارجية خاصة مع القوى الحليفة، وأيضا مع القوى الأخرى. - توسيع نطاق حركة السياسة الخارجية لدول المجلس وإيجاد نوع من أنواع التوازن في التحرك السياسي الخارجي، حيث لا يتركز على دائرة معينة أو دولة معينة. - تطوير المؤسسات العاملة في مجال السياسة الخارجية، ووضع برامج موحدة لإعداد وتدريب الكوادر الدبلوماسية والعاملة في هذا المجال، بما يؤدي إلى زيادة قدرتها المهنية.. فمن الخطورة الاعتماد على المراكز الأمريكية والغربية فقط للقيام بهذه المهمة؛ لأنها لا تقدم البرامج التدريبية للدول العربية بالجودة التي تقدمها لدبلوماسييها، وإنما تقدم برامج ذات مستوى معين يوجه للدبلوماسيين العرب، فعنصر المهارة الدبلوماسية يعتبر أحد موارد القوة السياسية التي لا يجب إغفالها. - المكاشفة والمصارحة، بمعنى أن يكون هناك القدر المطلوب من الشفافية في بحث الموضوعات بين دول المجلس، فيعلن كل طرف عن رؤيته، دون أية مجاملات، وألا يوافق إلا على ما يستطيع الوفاء به وتنفيذه. - وضع برنامج مرحلي لتوحيد السياسة الخارجية لدول المجلس يبدأ بالمجالات التي لا يوجد بها أي مجال للخلاف أو بأقل المجالات اختلافا، والبناء المستمر على ما يتحقق في هذا المجال، ويؤدي تحقيق النجاح في ذلك إلى بناء الثقة، وإيجاد أرضية مشتركة، وتوفير خبرة مشتركة حتى لو كان هذا النجاح في نطاق محدود. ولا شك أن مضمون هذه القضايا يختلف بالنسبة لدول مجلس التعاون عنه بالنسبة للدول النامية الأخرى في بعض جوانبه، وذلك بحكم الثروة النفطية والمالية لهذه الدول، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي المهم وحداثة الدولة، وخصائص نظمها السياسية وظروفها الاجتماعية والثقافية. والواقع أن التعامل مع هذه القضايا يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل إذا ما نجحت دول مجلس التعاون في وضع سياسة خارجية موحدة إزاء هذه القضايا، أو على الأقل التوصل إلى قدر ملائم من التنسيق فيما بينها كمرحلة أولى تعقبها مرحلة الوصول إلى التوحد في هذا المجال. بعض مجالات التعاون التعاون العسكري كان من الطبيعي أن يشمل التعاون بين دول المجلس التعاون في المجالات العسكرية، وذلك انطلاقا من وحدة الهدف والمصير والهموم والآمال المشتركة، وفي ضوء حقائق الجغرافيا والتاريخ المشترك. وقد توج هذا التعاون باتفاقية للدفاع المشترك، وقعها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، تحدد أسس ومنطلقات هذا التعاون، ومجالاته الرئيسية. ويشمل التعاون العسكري التنسيق في المجالات العسكرية المختلفة، وتبادل الخبرات والمساندة، والاستفادة من الإمكانيات المتوافرة في المجالات التدريبية والتعليمية، وتوحيد الأسس والمفاهيم بما يعزز التعاون ويوفر الأجواء الملائمة لنموه وتطوره. وكان أبرز ما تحقق في هذا المجال تشكيل قوة درع (الجزيرة) واستمرار تطويرها وتعزيزها: تنفيذ العدد من التمارين المشتركة الجوية والبحرية - ربط القوات المسلحة بشبكة من الاتصالات المؤمنة وشبكة إنذار مبكر خاصة بمراكز عمليات الدفاع الجوي في الدول الأعضاء. التعاون في المجال العدلي والقانوني تحقيقا لأحد الأهداف المهمة التي ينص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون والمتمثل في وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين، عملت دول مجلس التعاون على التقريب بين أنظمتها وقوانينها في مختلف المجالات وصولا إلى توحيدها. وتحقيقا لذلك اتفقت ومنذ العام 1982م على أن تكون مصادر التشريع وأسس القضاء مستمدة من الشريعة الإسلامية وحدها. كما عملت على توثيق الصلة بين هيئاتها التشريعية، وتعميق الروابط بين هيئاتها القضائية، وتوحيد أنواعها، ودرجاتها، وإجراءاتها. ولقد توصلت دول المجلس إلى إبرام اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية في عام 1995م. وأقرت في عام 1996م وثيقة مسقط للنظام (القانون) الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون. وفي عام 1997م توصلت إلى إقرار وثيقة الكويت للنظام (القانون) المدني الموحد لدول مجلس التعاون، ووثيقة الدوحة للنظام (القانون) الجزائي الموحد لدول مجلس التعاون. وفي عام 2000م تم إقرار وثيقة الرياض للنظام (القانون) الموحد للإجراءات الجزائية لدول مجلس التعاون. كما توصلت دول المجلس في عام 2001 إلى إقرار كل من وثيقة أبو ظبي للنظام (القانون) الموحد للأحداث، ووثيقة المنامة للنظام (القانون) الموحد للمحاماة، ووثيقة المنامة للنظام (القانون) الموحد للإجراءات المدنية - المرافعات، ووثيقة مسقط للنظام (القانون) الموحد للإثبات. وفي عام 2002م تم إقرار وثيقة مسقط للنظام (القانون) الموحد للتسجيل العقاري العيني بدول مجلس التعاون. وفي عام 2003م تم إقرار وثيقة الدوحة للنظام (القانون) الموحد لأعمال كُتّاب العدل، ووثيقة أبو ظبي للنظام (القانون) الموحد للتوفيق والمصالحة، والنموذج الاسترشادي لاتفاقيات التعاون القانوني والقضائي. كما تم في عام 2004م إقرار وثيقة الكويت للنظام (القانون) الموحد لرعاية أموال القاصرين ومن في حكمهم. التعاون الاقتصادي: الإطار العام يعتبر التعاون في المجال الاقتصادي إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها العمل المشترك في مجلس التعاون، وبشكل عام فإن الهدف العريض هو الانتقال بدول المجلس من التعاون والتنسيق إلى مراحل متقدمة من الترابط والتكامل والاندماج الاقتصادي.. وتحقيقا لذلك وضعت دول المجلس إطارا ومنهاجا شاملا للعمل الاقتصادي المشترك يتمثل في الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرتها القمة الثانية لمجلس التعاون في عام 1981م ثم الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس في عام 2002م. ولقد تمكنت دول المجلس مبكرا، وتحديدا في العام 1983م، من إقامة منطقة للتجارة الحرة بينها، أصبحت بموجبها المنتجات ذات المنشأ الوطني معفاة من الرسوم الجمركية، وهي المرحلة الأولى في عملية التكامل الاقتصادي. وفي الأول من يناير 2003م، حققت دول مجلس التعاون إنجازا مهماً في إطار العمل الخليجي المشترك بتطبيقها الاتحاد الجمركي، وحددت التعرفة الجمركية الموحدة بواقع 5% على جميع السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد الجمركي. كما تم تطبيق جميع الإجراءات على السلع الأجنبية في نقطة الدخول الأولى في أي من دول المجلس، حيث يقوم المنفذ الأول الذي دخلت عن طريقه البضاعة بإجراءات التفتيش على البضائع الواردة إليه والتأكد من مطابقتها للمستندات المطلوبة وخلوها من الممنوعات واستيفاء الرسوم الجمركية المستحقة عليها، وتتحرك البضائع فيما بعد بحرية داخل دول المجلس. وبموجب ذلك، تم إلغاء التعامل بالنقل بالعبور (الترانزيت) للبضائع الأجنبية فيما بين دول المجلس باعتبارها منطقة جمركية واحدة. رغم أن الاتحاد الجمركي يمثل المرحلة الثانية في عملية التكامل الاقتصادي، إلا أن دول المجلس قد قطعت شوطا في تنفيذ المرحلة الثالثة، وهي إقامة السوق الخليجية المشتركة في عام 2007م، التي تتطلب، بالإضافة إلى حرية انتقال السلع، إزالة القيود على انتقال عوامل الإنتاج، لا سيما الأفراد ورؤوس الأموال. وتمثل قرارات تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية لبنات أساسية على طريق إقامة السوق المشتركة، وجانبا مهما من الإنجازات في إطار الأهداف التي حددتها الاتفاقية الاقتصادية التي أكدت على معاملة مواطني دول المجلس في أية دولة من هذه الدول نفس معاملة مواطنيها، في جميع المجالات الاقتصادية، بما في ذلك التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية الأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف ومزاولة الانشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول وشراء الاسهم وتأسيس الشركات، والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. التعاون في مجال الاتحاد الجمركي قرر المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين (ديسمبر2002م) بدء العمل بالاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون تجاه العالم الخارجي اعتباراً من الأول من يناير 2003م، والعمل بمتطلبات نقطة الدخول الواحدة بحيث يقوم أول منفذ جمركي لدول المجلس تجاه العالم الخارجي بإجراء المعاينة والتفتيش على البضائع الواردة لأي من الدول الأعضاء بالمجلس، والتأكد من مطابقتها للمستندات المطلوبة وخلوها من الممنوعات واستيفاء الرسوم الجمركية المستحقة عليها، بحيث تنتقل السلعة فيما بعد بين الدول الأعضاء بحرية. وتم تحديد تعرفة جمركية موحدة بواقع 5% على جميع السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد الجمركي مع إعفاء (417) سلعة أجنبية من الرسوم الجمركية كالسلع الضرورية الغذائية وبعض المنتجات الصحية ومستلزمات المستشفيات والمدارس وكذلك الإعفاءات الواردة في قانون الجمارك الموحد لدول المجلس كالإعفاءات الحكومية والإعفاءات الدبلوماسية. وقد تم التوصل خلال عامي 2003م و2004م لعدد من التوصيات ذات الصلة بالاتحاد الجمركي، أقرتها لجنة التعاون المالي والاقتصادي (وزراء المالية والاقتصاد بدول المجلس) ومن أهمها: 1- السماح للبضائع الوطنية المنتجة بدول المجلس بالتنقل بكامل حريتها بين الدول الأعضاء بعد قيام الاتحاد الجمركي بموجب الفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية. 2- السلع الوطنية المثبت عليها دلالة منشأ واسم المنتج لها بطريقة غير قابلة للنزع، فإنه ليس هناك حاجة لاشتراط اصطحابها بشهادة منشأ، ويكتفي بالفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية. 3- السلع التي يتعذر - طبقاً لطبيعتها - تثبيت دلالة المنشأ واسم المنتج لها بطريقة غير قابلة للنزع فإنها تنتقل، خلال الفترة الانتقالية والمحددة بثلاث سنوات تنتهي بنهاية عام 2005م كحد أقصى، بموجب شهادة المنشأ بالإضافة للفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية. 4- عدم مطالبة سلطات الجمارك بدول المجلس المنتجات الوطنية بشروط أكثر من تلك التي تطالب بها مثيلاتها الأجنبية الأخرى من حيث شكل ونوع ودلالة المنشأ. 5- في حالة عدم قناعة السلطات الجمركية من منشأ أي بضاعة وطنية تحمل دلالة منشأ قابلة للنزع حسب طبيعة السلعة، يتم ربط الرسوم الجمركية بالتأمين ويطالب صاحبها بتقديم المستندات التي تثبت منشأ البضاعة خلال فترة لا تزيد عن ثلاثة اشهر. 6- تقوم الدول الأعضاء بتزويد الأمانة العامة بنسخ من التعليمات التي تقوم بإصدارها للإدارات أو المراكز (المنافذ) الجمركية لديها لتنفيذ القرارات ذات الصلة بمتطلبات الاتحاد الجمركي، لتقوم الأمانة العامة بتعميمها على بقية الدول الأعضاء. 7- تقوم إدارات الجمارك بدول المجلس باستيفاء الرسوم الجمركية على البضائع التي تصدر إلى أي من دول المجلس من المناطق والأسواق الحرة والمستودعات الجمركية العامة والخاصة بدول المجلس كأي بضاعة واردة من خارج دول المجلس. 8- تم الاتفاق على آلية لتسوية الإيرادات الجمركية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي لدول المجلس (آلية المقاصة)، والمقصود بذلك أن دولة المقصد النهائي التي تستهلك فيها السلعة تحتفظ بالإيرادات الجمركية لتلك السلعة. 9- تم الاتفاق على آلية لمعالجة قضايا التبادل التجاري بين دول المجلس. 10- تطبيق الدول الأعضاء للبيان الجمركي الموحد المتفق عليه في إطار دول المجلس للأغراض التالية (استيراد - تصدير - تصدير مؤقت - ترانزيت - مناطق حرة - للأغراض الإحصائية)، والتقيد فيما ورد في نظام (قانون) الجمارك الموحد لدول المجلس حول احتساب القيمة للأغراض الجمركية. 11- قيام الدول الأعضاء بإعداد دليل للموظف وآخر للتاجر عند تطبيق الاتحاد الجمركي، وتسمية ضباط اتصال في الإدارات العامة للجمارك بدول المجلس يمكن الاتصال بهم عند الحاجة، وذلك لحل ما يكتنف انتقال السلع بين دول المجلس من عقبات. كما أعدت الأمانة العامة دليلاً عن إجراءات وخطوات تطبيق الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون تم توزيعه على الدول الأعضاء وعلى موقع الأمانة العامة في شبكة الإنترنت. 12- الاتفاق على نموذج استبيان لمتابعة تطبيق الدول الأعضاء لخطوات وإجراءات الاتحاد الجمركي لدول المجلس. 13- الموافقة على الاحتياجات الفنية والإدارية والمالية لمراكز المعلومات الجمركي لدول مجلس التعاون المزمع إقامته في مقر الأمانة العامة بالرياض الذي سيربط بين إدارات الجمارك بدول المجلس، وتكليف لجنة الحاسب الآلي والإجراءات الجمركية بمهمة متابعة الموضوع. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق الاتفاق على ما يلي: أ?- العمل بنظام التخليص الفوري لإنهاء الإجراءات الجمركية للبضائع التي يصطحبها المسافرون بالمراكز الحدودية لدول المجلس. ب- إعداد بيانات الصادر للبضائع ذات المنشأ الوطني بالمراكز الحدودية بدول المجلس. ج?- معاملة وسائط النقل المملوكة لمواطني دول المجلس نفس معاملة وسائط النقل الوطنية العائدة لمواطني الدولة. د- الاكتفاء بشهادة صلاحية المواد الغذائية الصادرة من الدولة العضو المصدرة ووضع نموذج موحد لذلك. هـ- عدم ضرورة تصديق شهادات المنشأ والفواتير المصاحبة لها وشهادات صلاحية المواد الغذائية الخاصة بالبضائع ذات المنشأ الوطني من السفارات والممثليات والقنصليات بدول المجلس. التعاون في مجال النفط والغاز يحظى العمل المشترك في مجال النفط والغاز باهتمام دول مجلس التعاون التي تتمتع فيما بينها باحتياطات من النفط والغاز تبلغ 45% و14% على التوالي من الاحتياطي العالمي. ويهدف التعاون في هذا المجال الحيوي إلى تنسيق سياسات الدول الأعضاء في المجلس فيما يتعلق بالصناعة النفطية بجميع مراحلها من استخراج وتكرير وتسويق وتصنيع ونقل، واستغلال الغاز الطبيعي، وتطوير مصادر الطاقة. كما يهدف أيضا إلى وضع سياسة نفطية موحدة ومواقف مشتركة ازاء العالم الخارجي وفي المنظمات المتخصصة والمنظمات الدولية، واتخاذ كافة السبل لتجنب التنافس الضار لتحقيق أكبر عائد، وضمان استقرار هذه الأسواق وفتح أسواق جديدة. ومن أبرز الإنجازات في هذا المجال إقرار المجلس الأعلى في عام 1987م لنظام الإقراض البترولي بين دول مجلس التعاون، الذي يهدف إلى تضمين الدول الأعضاء بالمجلس مع أي دولة عضو يقع عليها ضرر يترتب عليه تعطيل المنشآت المنتجة أو الناقلة للنفط الخام من الموانئ، ما يؤدي إلى عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الغير لمدة يتوقع أن تستمر أكثر من شهر، بحيث تكون نسبة الضرر الذي يخول الأقراض هي 30% من الكمية المتوقع أن تقوم تلك الدولة بتصديرها. كما قرر المجلس الأعلى في عام 1988م خطة الطوارئ الإقليمية للمنتجات البترولية بين دول مجلس التعاون، وذلك لتحقيق التعاون والتضامن بين الدول الأعضاء عند تعرض أي منها لحالة طوارئ تتسبب في حدوث انقطاع أو عجز في إمكانياتها الذاتية. التعاون التجاري تتلخص أهداف التعاون التجاري بين دول المجلس في العمل على إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء فيما يخص منتجاتها وإعفاء تلك المنتجات من الرسوم الجمركية ومعاملتها معاملة السلع الوطنية، والعمل على تنسيق سياسات الاستيراد والتصدير، وخلق قوة تفاوضية جماعية في مجال التصدير الاستيراد. وعملا بتلك الأهداف أقامت دول مجلس التعاون ومنذ عام 1983م منطقة تجارة حرة، ثم أقامت الاتحاد الجمركي في الأول من يناير 2003م، بحيث أصبحت تمثل قوة تفاوضية جماعية مع الآخرين دولا وتجمعات ومنظمات، سواء في مجال تحرير التجارة، أو في تنسيق سياسات الاستيراد والتصدير. كما يسعى المجلس في هذا المجال إلى تطوير التعاون بين دوله الأعضاء من خلال وضع الخطط والبرامج والمشروعات الكفيلة بتحقيق الاستراتيجية التجارية لدول المجلس، وتشجيع التعاون بين القطاع الخاص من خلال اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي. كما تعمل دول المجلس على توحيد أنظمتها التجارية، حيث توصلت إلى إقرار عدد من الأنظمة الموحدة مثل القانون (النظام) الاسترشادي الموحد للوكالات التجارية، والقانون (النظام) النموذجي للعلامات التجارية، وقانون (نظام) التجارة الموحد، وقانون (نظام) السجل التجاري الموحد، وقانون (نظام) الجمارك الموحد. ومن أبرز الإنجازات الأخرى التي تحققت في هذا المجال السماح باستيراد وتصدير المنتجات الوطنية من وإلى دول المجلس دونما حاجة إلى وكيل محلي، وأيضا السماح للمؤسسات والوحدات الإنتاجية بفتح مكاتب للتمثيل التجاري. كذلك سمح لمواطني دول المجلس بممارسة تجارة التجزئة وتجارة الجملة في أية دولة عضو. كما تم انشاء هيئة للتقييس لدول مجلس التعاون بهدف توحيد أنشطة التقييس ومتابعة تطبيقاتها والالتزام بها، ما يساهم في تنمية التجارة وحماية المستهلك وتشجيع الصناعات والمنتجات الزراعية، ويقلص العوائق الفنية للتجارة بما يتماشى وأهداف الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون. كذلك تم إقامة مركز للتحكم التجاري لدول مجلس التعاون يختص بالنظر في المنازعات التجارية بين مواطني دول المجلس أو بينهم والغير، والمنازعات التجارية الناشئة من تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية والقرارات الصادرة تنفيذاً لها. التعاون الكهربائي والمائي أكدت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة على أن تعمل دول المجلس على تنسيق وإقامة مشاريع البنية الأساسية بما في ذلك محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه لتحقيق التنمية الاقتصادية المشتركة وترابط النشاطات الاقتصادية. يعتبر الربط الكهربائي بين الدول الأعضاء من أهم مشروعات ربط البنى الأساسية التي أقرها مجلس التعاون. وتعمل دول المجلس على تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع تنفيذا لقرار قمة الكويت لعام 1997م. وتشمل المرحلة الأولى دولة البحرين، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، ودولة الكويت. وفي العام 2001م تم تأسيس هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون للقيام بإنشاء المشروع وتشغيله وصيانته. ومن بين الفوائد التي يحققها المشروع التغطية المتبادلة للطاقة الكهربائية والاستفادة من الفائض، وتقليل تكلفة إنتاج الطاقة. إلى جانب ذلك، فإن التعاون في هذا المجال الحيوي يشمل الترشيد الكهربائي والمائي، والتشغيل والصيانة، والتدريب، وتبادل المعلومات. كما يشمل التعاون توحيد المواصفات الكهربائية والمائية حيث تم بالفعل اعتماد 16 مواصفة كهربائية خليجية حتى الآن.
|