الأحداث على المستوى الإقليمي: 1- التغيرات الداخلية في إيران والتحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، وهي عملية مخاض عسيرة يشهدها المجتمع الإيراني، حيث الصراع الضاري بين المتشددين والإصلاحيين، وكان للتطورات الداخلية التي شهدتها إيران آثارها على المستوى الإقليمي، حيث تحسنت العلاقات بدرجة ملحوظة بين إيران والسعودية ووصف وزير الخارجية السعودي هذه العلاقات بأنها علاقات استراتيجية، وتبنى مؤتمر القمة لدول المجلس الذي عقد بالرياض عام 1999 الدعوة إلى تفعيل العلاقات مع إيران على المستوى السياسي والدبلوماسي بالرغم من تحفظ الإمارات نظراً لاستمرار الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية. والجدير بالذكر أن تحسن العلاقات بين السعودية وإيران وبعض الدول الخليجية الأخرى قد لاقى تحفظاً من جانب الإمارات إذ رأت أن هذا الاتجاه سوف يؤدي إلى ازدياد التشدد الإيراني بصدد مسألة الجزر، وقد تم تشكيل لجنة ثلاثية من دول المجلس للتشاور مع إيران بصدد هذه المسألة، إلا أنها لم تحقق أي قدر ملموس من التوفيق حتى الآن. 2- احتلال العراق وتدهور الأوضاع المعيشية لأبناء شعبه، واستمرار إمكانية تقسيم العراق في ظل الوضع القائم، الأمر الذي جعل من العراق بؤرة من بؤر التوتر. 3- تطور عملية التسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة مما سيترتب عليها استحقاقات عديدة، إذ ترى واشنطن أن على دول الخليج دفع ثمن أية اتفاقية تسوية تتبناها الولايات المتحدة كجزء من الحماية التي توفرها للمنطقة، والجدير بالذكر أنه مع عملية السلام في مدريد تباينت أيضاً مواقف الدول الخليجية تجاه إسرائيل، فبينما اندفعت عمان وقطر في عملية التطبيع في البداية، رفضت أو تحفظت بقية دول المجلس على هذه العملية، ومن ثم فقد أحدثت عملية التسوية انقساماً في المواقف بين دول المجلس. 4- التحالف التركي - الإسرائيلي وهو يضيف بعداً جديداً من أبعاد الخلل في توازن القوى العربي الإقليمي لغير صالح الدول العربية بصفة عامة ومنها دول الخليج، حيث إن تركيا باتت تعتمد على دعم لوجستي وفني إسرائيلي في عملياتها في شمال العراق، الأمر الذي قد يغريها باقتطاع أراض عراقية أو إقامة شريط حدودي في شمال العراق، فضلاً عن تشددها إزاء قضايا المياه مع سوريا والعراق، الأمر الذي يضيف بؤرة جديدة من بؤر التوتر في المنطقة. 5- التطورات المهمة في مجال أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الصاروخية لبعض القوى الإقليمية، فمع دخول الهند وباكستان للنادي النووي وتطويرها لصواريخها، وازدياد مداها، والجهود الإيرانية في المجال النووي وزيادة مدى صواريخها لتصل إلى 1500 كم، ووجود الترسانة الإسرائيلية النووية غير التقليدية والتقليدية والصاروخية، أصبحت دول المجلس محاطة بدول ذات قدرات استراتيجية وعسكرية فائقة. 6- التقارب الهندي - الإسرائيلي الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل العلاقات الهندية - الإسرائيلية وتأثير ذلك على العلاقات الهندية العربية، ومع دول الخليج العربية بصفة خاصة، حيث توجد علاقات اقتصادية وروابط واسعة بين الهند وهذه الدول، فضلاً عن الجاليات الهندية الكبيرة بها. 7- الاستقرار النسبي في اليمن، وتبلور الدولة اليمنية الموحدة، والكشوف النفطية الجديدة الأمر الذي يثير التساؤل حول مستقبل علاقات دول المجلس مع اليمن. الأحداث على المستوى الدولي: 1- تغير هيكل النظام الدولي من نظام القطبية الثنائية إلى نظام هرمي تتكون قيادته من الكتل الاقتصادية الرئيسية الثلاث الكبرى (النافتا، الاتحاد الأوروبي، الآسيان)، هذه القيادة الجديدة تلعب فيها القوة الاقتصادية دوراً مؤثراً، ومن خلال قوتها العسكرية تتولى الولايات المتحدة زعامة هذه القيادة، أما قاعدة النظام فتتكون من العديد من النظم الإقليمية والوحدات السياسية الأخرى. وتأثير هذا على دول الخليج يتمثل في أن الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على موقعها المتميز في هذا النظام إلى أطول فترة ممكنة، وتدخل منطقة الخليج بثقلها النفطي والمالي والاستراتيجي في نطاق المصالح الحيوية للولايات المتحدة، ومن ثم فهي تلعب دوراً مؤثراً في مختلف التفاعلات في هذه المنطقة، حيث تسعى إلى ضمان استمرار تدفق النفط الرخيص إلى الولايات المتحدة وباقي القوى الكبرى، واستمرار حركة التجارة العالمية من وإلى آسيا خاصة بعد تنامي القوى الاقتصادية الآسيوية، ومن ثم فالدور الأمريكي في الخليج يرتبط أساساً برغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بموقعها في زعامة النظام الدولي، هذه الزعامة التي تحقق للولايات المتحدة مصالح خاصة على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي، التي تواجه بمقاومة من جانب بعض القوى الكبرى كالصين وروسيا وفرنسا. 2- تفكك الاتحاد السوفيتي وظهور الجمهوريات الإسلامية في منطقة مهمة استراتيجياً بين روسيا وإيران، وبروز حوض بحر قزوين كقلب للمجال الجيوستراتيجي الجديد، والمسألة المركزية في حوض قزوين تتمثل في وجود احتياطات هائلة من النفط والغاز تفوق مخزون الطاقة في ألاسكا وبحر الشمال، وتجعل هذه المنطقة المصدر الثاني أو الثالث للطاقة في العالم، ونظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة في هذه الدول بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فإنها قد سعت إلى اجتذاب الشركات الأمريكية وبالتالي الحكومة الأمريكية لعل ذلك يساعدها في تدعيم استقلالها عن موسكو وإعادة بناء اقتصاداتها المنهارة واللعبة الكبرى في هذه المنطقة تدور حول الطرق والأدوات لإخراج هذه الثروة من منطقة محكمة الإغلاق إلى البحار المفتوحة وعبورها إلى الأسواق العالمية. وخلال فترة زمنية قصيرة تحولت منطقة بحر قزوين بثرواتها الضخمة من النفط إلى مركز استقطاب لتجاذبات وصراعات بين قوى متعددة إقليمية ودولية، حيث تتقاطع وتتصارع مصالح وأهداف دول عديدة في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وعدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. وكذلك مجموعة من شركات النفط العالمية العملاقة، وتأثير هذا الوضع على منطقة الخليج يتمثل في بروز هذه المنطقة كمركز اهتمام عالمي في مجال إنتاج وتجارة النفط. ويشير أحد المحللين إلى أن الاهتمام بهذه المنطقة قد برز بعد تقرير نشرته في واشنطن مؤسسة مراقبة الوضع المالي في ربيع 1995، خلاصته أن نسبة النمو الاقتصادي في العالم ستكرس الاعتماد على نفط الشرق خلال السنوات المقبلة، وفي تقدير هذه المؤسسة المعنية بالدراسات والأبحاث أن الاستهلاك العالمي يحتاج إلى 8 ملايين برميل إضافي من النفط من إنتاج دول الخليج عام 2005م، إذا استمرت صادرات النفط من الدول الأخرى بالتراجع والانحسار. وتوقعت وزارة الطاقة الأمريكية ازدياد استهلاك البترول خلال الأعوام المقبلة، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى ارتفاع كبير في أرقام واردات الولايات المتحدة من النفط ومشتقاته، خاصة أن طلب الولايات المتحدة زاد على نفط الخليج بنسبة 38% خلال عام 1996م، وأنه قد يصل إلى أكثر من 50% عام 2020م. وقد أعلنت الولايات المتحدة بعد ذلك عن استعدادها لتخفيف اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وستعطي الأولوية لكندا والمكسيك وفنزويلا لئلا تفاجأ بأزمات طارئة كما حدث عامي 1973 و1979م، ونصحت وزارة الخارجية الأمريكية بضرورة التزام الحذر والحيطة في التعامل مع دول الخليج خوفاً من ظهور أنظمة معادية مثل إيران وليبيا، ثم طالبت بالمشاركة في تطوير مشاريع نفطية في بلدان حوض بحر قزوين لتكون البديل لمصادر الطاقة المنتجة في الشرق الأوسط. وقد لعبت تل أبيب دوراً في إقناع المسؤولين الأمريكيين بأهمية توسيع الخيارات، من أجل إضعاف التعاون بين واشنطن والدول المصدرة، مما سيؤدي منطقياً إلى إضعاف أهمية الدور السياسي والاستراتيجي الذي تتعامل به واشنطن وأوروبا واليابان مع دول المنطقة. 3- ازدياد أهمية العامل الاقتصادي في العلاقات الدولية، والتحول في طبيعة الاقتصاد العالمي من مرحلة الصناعة إلى مرحلة اقتصاد المعلومات، وازدياد درجة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، وتحرير حركة التجارة في السلع والخدمات بعد توقيع اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية، وازدياد الاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية العملاقة بين الدول، وازدياد حركة اندماج الشركات العملاقة العابرة للقوميات.. إلخ، فضلاً عن ازدياد الوزن النسبي في مجال الاقتصاد المالي أو الرمزي من خلال البورصات وأسواق المال الدولية، هذه التحولات كان لها آثارها على النظم السياسية في مختلف دول العالم على المستوى الداخلي والخارجي على السواء، ومن بينها دول الخليج، إلا أنها تتعرض لضغوط أشد بحكم حداثة الدولة في الخليج، وأهميتها المالية والاستراتيجية. 4- بروز الصين بوصفها القوة الناهضة التي يمكن أن تنافس الولايات المتحدة في المستقبل على الزعامة في العالم، وهو الأمر الذي ستكون له آثاره الواضحة على السياسة الأمريكية، حيث ستحرص على إطالة أمد زعامتها ومنع الصين من الوصول إلى موقع القوة الموازنة لها لأطول مدى ممكن من ناحية أخرى، حيث تشير التقديرات الأمريكية إلى أن الصين ستحتاج إلى 60 مليون برميل من النفط إذا ما وصلت إلى وضع اقتصادي مريح يستهلك فيه مواطنوها ما يستهلكه المواطن الياباني حالياً، وإن كان هذا الوضع بعيد التحقق في الأمد المنظور، إلا أن الثابت أن الصين دخلت إلى سوق المستهلكين من النفط خلال السنوات الخمس الماضية لسد احتياجاتها المتزايدة من الطاقة وهو الأمر الذي سيؤدي إلى ازدياد الطلب العالمي على النفط، وهذه مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لدول الخليج، حيث إنها ذات ثقل مؤثر في سوق النفط العالمية. 5- التأكيد على بعض القيم في الحياة الدولية، فقد أخذ الحديث يزداد في السنوات الأخيرة على المستوى الدولي عن قيم معينة لا بد أن تسود كحقوق الإنسان والديمقراطية والسلام والحفاظ على البيئة والحرية الاقتصادية، وقد ترتب على هذا بروز قضايا جديدة في مجال العلاقات الدولية مثل الحق في التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول لاعتبارات إنسانية، مقاومة الإرهاب الدولي، حماية الأقليات، حقوق العمالة الأجنبية حماية الملكية الفكرية وغيرها وهي أمور جديدة ازدادت أهميتها في تحريك السياسة الخارجية للدول في الواقع المعاصر، وهي أمور لها تأثير بغير شكٍ على دول مجلس التعاون المستقبلة للعمالة الأجنبية، والمعتمدة على النفط وهو سلعة لها صلة بالتلوث البيئي. دول مجلس التعاون والأحداث الإقليمية المتتبع لأنشطة مجلس التعاون الخليجي سيلحظ أن هناك بندين رئيسين ثابتين في جدول أعمال القمم الخليجية ودورات اجتماعات وزراء الخارجية، وهما العراق وإيران، وفي هذا المجال يمكن القول إن الاتجاه الذي كان سائداً هو بناء موقف موحد لدول المجلس، تجاه كلٍ من العراق وإيران، وكان هذا الوضع يستند إلى توازنات داخل المجلس، إلا أنه قد حدث تغير في مواقف أعضاء المجلس تجاه الدولتين في الفترة الأخيرة، فاتجهت السعودية إلى تطوير علاقاتها مع إيران وهو ما لقي استجابة واضحة لدى طهران وحذت كل من قطر وسلطنة عمان والكويت حذو السعودية، وقد أثمر هذا التحرك تنسيقاً بين السعودية وإيران في مجال النفط، وتم تهدئة التوتر الذي نشب بين كل من الكويت والسعودية من جانب وإيران حول التنقيب على النفط في منطقة الجرف البحري بين الدول الثلاث، وزار وزير النفط الكويتي طهران للتوصل إلى صياغة لحل المشكلة. وعلى الرغم من حرص المملكة ودول الخليج على حفظ الحقوق العربية والخليجية فإن هذا الموقف أثار تحفظات دولة الإمارات بشأن هذا التقارب الخليجي - الإيراني مع استمرار التعنت الإيراني بشأن مسألة الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران، وهذه المسألة تعد عقبة خطيرة أمام علاقات دول المجلس مع إيران، الأمر الذي يتطلب وضع سياسة مشتركة لول المجلس تجاه إيران بما يؤدي إلى التوصل إلى صياغة لتسوية مسألة الجزر الإماراتية، وإقامة نمط من العلاقات التعاونية بين الجانبين خصوصاً أن إيران قوة إقليمية مهمة في المنطقة ودولة نفطية محورية، إضافة إلى أن هذا النمط من العلاقات التعاونية يوازن التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي- التركي. وفيما يتعلق بالملف العراقي، ونتيجة لتغير الموازين الإقليمية فقد حدث نوعٌ من أنواع التغير، فعلى المستوى الرسمي ظلت قرارات القمم الخليجية تطالب العراق بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وإطلاق سراح الرهائن أو الأسرى الكويتيين، ولم تبد الكويت بصفة خاصة أي تحفظات على انفتاح بقية دول المجلس على العراق، وان ظلت الكويت والسعودية في قطيعة مع النظام العراقي إلى أن احتلت أمريكا العراق الأمر الذي اثار قلق دول الخليج كون الاحتلال سيخلق بؤرة توتر جديد في المنطقة. وفيما يتعلق بالتسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي، فإننا نلحظ تعاوناً في سياسة دول المجلس تجاه إسرائيل، فبينما قطعت قطر وسلطنة عمان بعض الخطوات في مجال تطبيع العلاقات مع إسرائيل فإن بقية دول المجلس تحفظت في إجراء اتصالات مباشرة معها، وعلى الرغم من مشاركة دول مجلس التعاون في بعض لجان المسار متعدد الأطراف. إلا أنها نسقت مواقفها بصدد ملفات هذا المسار ويمكن القول إن دول المجلس قد نجحت في النهاية في بلورة موقف محدد وهو أنه لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربي- الإسرائيلي وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وقد التزمت قطر وعمان نسبياً بهذا الموقف في الفترة الأخيرة، والجدير بالذكر أن دول المجلس لم تبلور موقفاً موحداً تجاه بعض المشروعات المطروحة لمستقبل المنطقة، فقد رفضت السعودية والإمارات أي إسهام في المؤسسات الشرق أوسطية، ورفضت كذلك المشاركة في القمة الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخيرة التي عقدت في الدوحة عام 1997م. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لليمن وتجمع المحيط الهندي فلم يلق الاهتمام داخل أروقة المجلس، وإن كانت السعودية خلال الفترة الأخيرة توصلت مع اليمن إلى اتفاق لترسيم الحدود بين البلدين، الأمر الذي يجعله بؤرة خطيرة من بؤر التوتر في المنطقة، ويبقى السؤال حول إمكانية دخول اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي مفتوحاً. مجلس التعاون الخليجي والأحداث الدولية من خلال متابعة نشاط دول المجلس تجاه المستجدات الدولية، يمكن القول إن هناك بعض القضايا الناتجة عن هذه المستجدات قد حظيت باهتمام مشترك وبمحاولة لخلق موقف موحد لدول مجلس التعاون بصددها، وموضوعات وقضايا أخرى اتسم التعامل معها بانفراد كل دولة من دول المجلس باتخاذ ما تراه ملائماً لمصالحها. والملاحظ أن القضايا التي حرصت دول الخليج على بناء موقف مشترك بصددها هي قضايا اقتصادية بالأساس، فعلى صعيد تنسيق سياسات الاستثمار الخليجية طلب مجلس التعاون رسمياً من الولايات المتحدة ضمان وحماية استثمارات دوله في الولايات المتحدة من مخاطر المصادرة والتجميد، وإزالة أي قيود قد تعوق تدفق الاستثمارات بين الجانبين وذلك في مذكرة رسمية قدمت في إطار المفاوضات بين الجانبين التي جرت في الرياض في يناير 1994م، للتوصل إلى اتفاقية لحماية الاستثمارات، كما أعدت دول المجلس ورقة أخرى حددت فيها عدداً من الاعتبارات التي يجب على الولايات المتحدة مراعاتها قبل التوقيع على أي اتفاقية مع دول المجلس. كذلك تعددت اجتماعات وزراء خارجية دول مجلس التعاون مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي استمراراً للحوار بين الجانبين لتنفيذ اتفاقية التعاون التي وقع عليها الطرفان عام 1988م، ومن أبرز الخلافات بين الجانبين، ضريبة الطاقة التي بدأت بعض الدول الأوروبية في فرضها على الواردات النفطية الخليجية منذ عام 1993م، والتي أدت إلى خفض عائدات دول المجلس من النفط بمقدار 26 مليار دولار في عام 2000م، هذا بالإضافة إلى بعض القضايا المتعلقة بالتبادل التجاري والتي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها. وفيما يتعلق بموقف دول الخليج من محاولة الولايات المتحدة إيجاد بديل آخر لنفط الخليج في حوض بحر قزوين، فسنجد أن التحرك السعودي جاء في الوقت المناسب، مستفيداً من المزايا النسبية لتكلفة استخراج وإنتاج النفط المنخفضة في المنطقة، حيث التقى الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد في زيارته للولايات المتحدة عام 1999 برؤساء شركات النفط الأمريكية للبحث في سبل للتعاون بين هذه الشركات والسعودية، وبالفعل أعلنت الأخيرة بعد ذلك عن عرض بفتح مجال البحث والاستكشاف والإنتاج للنفط والغاز الطبيعي باستثمارات تصل إلى 100 مليار دولار، وهذا التحرك في واقع الأمر يأتي استجابة لتهديد محتمل للأهمية الاستراتيجية لنفط الخليج السلعة الرئيسة التي تقوم عليها اقتصادات دول المجلس حتى الآن، والرسالة التي يحملها هذا التحرك لمن يهمه الأمر، تتلخص في أن البديل النفطي الخليجي هو الأفضل والأيسر والأقل تكلفة مقارنة بالبدائل الأخرى. كذلك برز خلال الفترة الأخيرة دور نشط لدبلوماسية النفط الخليجية التي قادتها السعودية بالتنسيق مع دول المجلس، وأدت هذه الدبلوماسية إلى استعادة النفط لأسعاره الطبيعية بعد الانخفاض الكبير في أسعاره، كما أنها برزت في مطلع عام 2000 إبان ارتفاع الأسعار. ولاشك في أن هذا الموقف يتواءم إلى حدٍ كبير مع المعطيات القائمة على المسرح الدولي، على الرغم من أنه قد لا يكون بالضرورة هو البديل الأفضل وإنما هو البديل الممكن. وفيما يتعلق بمدى استجابة دول المجلس للمستجدات الاقتصادية فالملاحظ أن ثمة اتجاهاً واضحاً لديها نحو إعادة هيكلة اقتصادياتها، وتبني سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تقوم على إعطاء دور نشط للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، كما أن دول المجلس أخذت في تطوير تشريعاتها لاجتذاب الاستثمارات الخارجية من القطاعات المختلفة من أجل تنشيط العملية الاقتصادية. كذلك بدأت الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية في إصدار التشريعات التي تتواءم مع اتفاقية التجارة العالمية الحرة، خصوصاً فيما يتعلق بقواعد حماية الملكية الفكرية، كما بدأت السعودية وسلطنة عمان مباحثات مع المنظمة من أجل الانضمام إليها وانتهت بانضمام المملكة للمنظمة هذا العام. والجدير بالاهتمام هو اتجاه دول المجلس إلى توظيف الموقع الاستراتيجي المهم الذي تتمتع به بما يتواءم ومستجدات حركة التجارة العالمية وقواعد الاقتصاد الجديد، وتقدم إمارة دبي ومنطقة جبل علي نماذج مهمة ناجحة في هذا المجال، الأمر الذي شجع بقية دول المجلس على دراسة إمكانية توظيف مواقفها توظيفاً جديداً، ومن هنا نجد بعض المشروعات الخاصة في مجال تطوير خدمات الموانئ والتخزين، وتقديم الخدمات الاقتصادية والمالية والتجارية. وعلى الرغم من أن هذا الوضع يمثل استجابة من جانب دول المجلس كل على حدة للمستجدات الاقتصادية الدولية، إلا أن ما يؤخذ على هذه الدول أنها لم تضع استراتيجية اقتصادية متكاملة على مستوى المجلس للتعامل مع هذه المستجدات، ويرى العديد من المحللين أنه من الضروري وضع استراتيجية اقتصادية متكاملة في هذا الصدد، على أساس أن هذه الاستراتيجية في حالة تنفيذها سوف تؤدي إلى تعظيم عوائد دول المجلس من خلال توظيفها لموقعها، كما أنها ستؤدي إلى تجنب حدوث صراع أو تنافس فيما بينها يؤدي إلى إلحاق خسائر للجميع. وبالنسبة للصين وبروزها الواضح كعميل كبير في سوق النفط العالمي في القريب إضافة إلى دورها المرتقب على مستوى التوازنات العالمية. فإن الدول الأعضاء لم تولِ هذا الموضوع عناية على مستوى المجلس ولا نجد في هذا المجال إلا تحركاً سعودياً صوب الصين تمثل في زيارة قام بها الأمير سلمان بن عبدالعزيز لبكين، حيث أجرى مباحثات مع المسؤولين الصينيين تناولت دعم العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. ثم زيارة أمير قطر للصين التي تمت في سياق تنمية علاقات قطر بالصين، والواقع أن بناء موقف مشترك على مستوى المجلس تجاه الصين أمر مطلوب، خلال المرحلة القادمة.
|