جاء الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الخليجي في اجتماع وزراء خارجية دول الخليج (السعودية، الكويت، قطر، البحرين، سلطنة عمان، الإمارات) بالرياض في فبراير 1981م، ثم كان مولد المجلس خلال الدورة الأولى للمجلس الأعلى بأبو ظبي في مايو 1981م، في ظل: أ - تطور الأوضاع الداخلية في إيران في منتصف عام 1978م وسقوط حكم الشاه وإعلان قيام جمهورية إيران الإسلامية في فبراير 1979، والسياسات الإيرانية التي أثارت شكوك دول الخليج خاصة تلك المتعلقة بعزم طهران تصدير ثورتها إلى دول الخليج. ب - الحرب العراقية - الإيرانية - التي اندلعت عام 1980م واستمرت إلى عام 1988، وألقت بتأثيراتها السلبية المباشرة على أمن المنطقة واستقرار دولها. ج - الضعف الذي أصاب الجامعة العربية، بعد الجدل الذي أثير حول معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وانتقال مقر الجامعة إلى تونس، وبالتالي تفكك عنصر الأمن القومي العربي الجماعي. وقد حقق المجلس منذ تأسيسه إنجازات ونجاحات عديدة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، كما تعايش مع عثرات كبيرة، ولعل أبرزها وأهمها الغزو العراقي للكويت في التسعينيات، إذ فجر الأخير معضلة أمن الدول العربية في الخليج، على نحو غير مسبوق، منذ حصول هذه الدول على الاستقلال. ومن بين إنجازات المجلس العديدة ايضا بالنسبة لقضاياه وشؤونه الداخلية، نجاحه في تثبيت أسسه، وتحقيق العديد من أهدافه، وإنشاء العديد من الهياكل والبنى السياسية بما يتماشى ويتواكب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تمكنت دول المجلس من إقرار المبادئ العامة للعمل الاقتصادي المشترك الذي أخذ يدخل نطاق التطبيق تدريجياً، فالاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الثانية التي عقدت في نوفمبر 1981م نصت في ديباجتها على أن الهدف منها هو تنمية الروابط الاقتصادية بين الدول الأعضاء وتوسيعها وتدعيمها، وتنسيق وتوحيد سياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية والتشريعات التجارية والصناعية والنظم الجمركية فيها، كما أن هناك قدراً من التشابك المستمر والمتصاعد للمصالح الاقتصادية الخليجية على المستويين الأهلي والحكومي، وهو نواة ومنطلق للسوق الخليجية المشتركة الآخذة في التشكيل والتطور تدريجياً بفعل قرارات وأنظمة تبناها المجلس. ومن ناحية أخرى، نجحت دول المجلس في إيجاد استراتيجية خليجية موحدة للتعامل مع القضايا الخارجية، مثل مخاطر الثورة الإيرانية والتداعيات والآثار الأمنية للحرب العراقية، الإيرانية التي استمرت زهاء ثماني سنوات متتالية، كما وقفت معاً لمساندة دولة الكويت سياسياً وعسكرياً خلال حرب الخليج الثانية. إلا أنه برغم النجاح الذي حققته دول المجلس على الصعيد الداخلي والخارجي، ما زالت هناك تحديات جمة تواجه المجلس على الصعيدين، الداخلي والخارجي، فأما على الصعيد الخارجي فإنه لا يمكن فصل أوضاع الداخل الخليجي عن شكل وهيكل سياساتها الخارجية المتبعة سواء في علاقاتها البينية أو علاقاتها مع دول الجوار أو علاقاتها مع الدول العربية والغربية الأخرى، وحول أبعاد هذه التفاعلات المتشابكة يشار إلى أبرز دوائر سلوك الدول الخليجية نحو الخارج. العراق لم يكن العراق مصدرا للتهديد في عام 1981م، بل كان يعتبر (حارس البوابة الشرقية للأمن القومي العربي) في مواجهة إيران أثناء حربه مع الأخيرة، ولكنه تحول إلى أحد أهم مصادر التهديد بعد غزوه للكويت، حيث أحدث خلخلة كبيرة في مفاهيم الأمن المستقرة في الخليج ثم ما أحدثه الغزو الأمريكي للعراق من خلق بؤرة أمنية خطيرة وعلى هذا، فإن على دول مجلس التعاون أن تتبنى استراتيجية واضحة تجاه العراق تأخذ في اعتبارها ليس فقط وضعه الحالي، وإنما احتمالات المستقبل بالنسبة له، وموقعه في الخليج بشكل عام، حيث يؤدي غياب هذه الاستراتيجية إلى حدوث بعض التباينات في مواقف دول المجلس تجاهه. إيران كانت إيران أكبر مصدر لتهديد أمن دول مجلس التعاون، عندما أنشئ المجلس في عام 1981م، إلا أن ظروفاً كثيرة غيرت هذا الوضع، ولكن يبقى أن عناصر عديدة للتهديد ما تزال تنبع من إيران، ولكن الجديد أن هذا التهديد لم يعد منصباً على قضايا تصدير الثورة، وإنما يتوزع على: - الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث (ابو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى) ورفض طهران للمبادرات الخليجية لحل هذه المشكلة، واعتبار الأمر مجرد (سوء تفاهم) وليس نزاعاً حدودياً. - نزاعات الهيمنة الإقليمية الإيرانية التي تظهر كل حين وآخر في الخطاب السياسي الإيراني تجاه الخليج، ولعل تسمية الرئيس الإيراني محمد خاتمي للخليج ب (الخليج الفارسي) منذ فترة كانت مثالاً على ذلك. - اختلاف الرؤية الإيرانية عن الرؤية الخليجية بشأن أمن الخليج، حيث ترفض إيران أي وجود أجنبي في الخليج بما في ذلك الوجود العربي, ومن هنا عارضت إعلان دمشق بين دول مجلس التعاون الست وكل من مصر وسوريا، في حين أن الرؤية الخليجية تقوم على أن أمن الخليج جزء من الأمن القومي العربي. - الأوضاع غير المستقرة في إيران في ظل الصراع بين المتشددين والمعتدلين، هذا الصراع الذي يتسم بالدموية ويهدد بالتحول إلى حرب أهلية، وفي هذه الحالة، سوف يطفو التوتر الداخلي على علاقات إيران في محيطها المجاور، وتحديداً الخليجي. وانطلاقا مما سبق، فإن رؤية خليجية واحدة تجاه إيران تبدو ضرورية ملحة، حتى لا يؤدي أي تحرك منفرد تجاهها إلى بث الفرقة والاختلاف بين دول المجلس، هذه الرؤية يجب أن تكون طويلة المدى، وتنظر إلى المستقبل وتقوم على المبادرة وطرح الأفكار وليس مجرد رد الفعل، حيث ما زالت النبرة الانفتاحية الإيرانية تجاه دول الخليج ( نبرة كلامية) لم تتعد إلى نطاق الفعل بعد.السباق النووي بين الهند وباكستان: ومخاطر أي صدام عسكري بينهما على الأمن والاستقرار في الخليج بالنظر إلى: 1- العمالة الهندية والباكستانية الكبيرة في دول مجلس التعاون، واحتمالات الصدام بينهما في حال حدوث أي صدام عسكري هندي - باكستاني. 2- تأثير ذلك على الاستقرار داخل دول مجلس التعاون، بالنظر إلى التعاطف الديني للشعوب الخليجية مع باكستان في مواجهة الهند حول كشمير. 3- محاولة كلا الطرفين الهندي والباكستاني، اكتساب الدعم الخليجي في أية مواجهة بينهما، وخاصة الجانب الباكستاني. إسرائيل: كانت إسرائيل مصدرا لتهديد الأمن العربي والخليجي منذ إنشائها وما زالت. والجديد في هذا الأمر أن تهديداتها تتزايد وتتطور وتتجدد، فناهيك عن التهديد العسكري السياسي، فإن هناك العديد من عناصر التهديد الإسرائيلية الأخرى لأمن الخليج التي يمكن رصدها في الآتي: - ألاعيب الموساد الإسرائيلي في الاقتصاد الخليجي عبر عمليات تزوير العملة وغسيل الأموال وتدمير الحسابات وغيرها. - نظرة إسرائيل إلى الخليج على أنه مصدر لتمويل مشاريعها الشرق أوسطية من ناحية، وسوق مهمة لصادراتها من ناحية أخرى، سوف تجعلها تمارس كافة أنواع الضغط على دوله لدفعها إلى التطبيع معها. الحرب الباردة: كانت الحرب الباردة مصدراً من مصادر تهديد أمن الخليج عند إنشاء مجلس التعاون، إلا أن انهيارالاتحاد السوفيتي، وسيادة نظام القطب الواحد، قد أفرز عدة تحديات أخرى، أهمها: - التهديدات التي يفرزها النظام الاقتصادي العالمي، ممثلا في منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد والبنك الدوليين على اقتصاديات الدول النامية، ومنها دول مجلس التعاون. - الإرهاب الدولي وعلاقته بالجريمة المنظمة وجماعات المافيا، وغيرها من مظاهر الإجرام التي تتعدى حدود الدول والمجتمعات. - الضغوط التي تمارس على النفط كسلعة استراتيجية أساسية في دول مجلس التعاون، سواء من خلال التأثير على كمية الإنتاج وبالتالي الأسعار، أو عبر حجة البيئة وضرورة المحافظة عليها، وتجيء في هذا الإطار ضريبة الكربون التي تتدرج لتصل إلى عشر دولارات على البرميل الواحد. ولعل أكثر الملاحظات التي يمكن إيرادها على أسلوب تعاطي دول مجلس التعاون مع هذه القضايا - هي أن هناك اختلافاً ملموساً في المواقف تجاه أهم ثلاثة ملفات أو قضايا تفرز تحديات شديدة على أمن واستقرار دول المجلس، وهي ملفات العراق وإيران وإسرائيل، وهذا يقتضي صياغة رؤية واحدة تجاه هذه القضايا برمتها. مشاكل الحدود في مجلس التعاون: نظرا لأسباب عديدة، أهمها الاستعمار والطبيعة الجغرافية وعدم وضوح مفهوم السيادة لفترة طويلة من الزمن فضلاً عن اكتشاف البترول، فقد ورثت منطقة الخليج، وبصفة خاصة دول مجلس التعاون - العديد من مشاكل الحدود التي مثلت عائقاً أساسياً أمام خطواتها نحو التكامل، وكانت وما زالت ثغرة في جدار الأمن الخليجي، وفي الوقت الذي أصبحت فيه نزاعات الحدود من (تراث الماضي) في العالم أو في معظم أجزائه. وعلى الرغم من أن النزاعات الحدودية سمة بارزة من سمات المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، فإنها تتسم بخطورة مضاعفة في منطقة الخليج، بالنظر إلى عدة اعتبارات أساسية هي: أ- إنها نزاعات عديدة ومتشابكة، بحيث لا توجد دولة واحدة من دول مجلس التعاون ليست طرفا في نزاع حدودي، سواء مع دولة من دول المجلس أو مع دولة من خارجه. ويؤدي هذا التداخل إلى أن اتفاقا للحدود بين دولتين قد يثير غضب أو اعتراض دولة أخرى. ب - الحلول والتسويات التي وضعت للعديد من نزاعات الحدود بين دول مجلس التعاون، كانت حلولا مؤقتة وتوفيقية سكنت النزاع ولم تنهه تماما، وبالتالي فإنه يتجدد كل فترة وأخرى ويخرج من قمقمه عند أول اختبار، وحتى في حالة وجود اتفاقيات لتسوية المشاكل الحدودية، فإنها جاءت في معظمها - عامة وغير واضحة. ج - كثيرا ما أدت نزاعات الحدود في الخليج إلى صدامات مسلحة، بل وكوارث سياسية، فبالإضافة إلى الغزو العراقي للكويت في عام 1990م الذي اعتمد في أحد مبرراته على الحدود، فإن هناك عدة أمثلة أخرى لصدامات عسكرية محدودة بين دول مجلس التعاون، مثلما حدث في 1986م بين البحرين وقطر. ونظرا للأهمية الاقتصادية للمناطق الحدودية المتنازع عليها في كثير من الأحيان، فإن خيار اللجوء إلى القوة قد يكون مطروحا باستمرار خاصة إذا رأى أحد الطرفين أن الطرف الآخر يعتدي على حقوقه وسيادته، ولذلك فإن نزاعات الحدود هي بمثابة القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة، تلقائيا، أو من خلال (مفجر) سياسي أو اقتصادي. د - عطلت نزاعات الحدود، في كثير من الأحيان، عمل مجلس التعاون، ووقفت حائلا دون تحقيقه لأهدافه، حيث كان المجلس هو (ضحية) هذه النزاعات، ولعل أبلغ مثال على ذلك هو انسحاب قطر في عام 1992م من قوات درع الجزيرة وتهديدها بمقاطعة اجتماعات مجلس التعاون بسبب نزاعها الحدودي مع السعودية حول منطقة (الخفوس)، كما يلقي النزاع الحدودي بين البحرين وقطر - الذي رفع إلى محكمة العدل الدولية بمبادرة قطرية منفردة - بتأثيراته السلبية العديدة على المجلس في ظل عدة أمور أهمها: - إن الخروج عن الإطار الخليجي واللجوء إلى محكمة العدل الدولية، إنما يعني إخفاق المجلس في تسوية النزاع خليجيا، وفي إثناء قطر عن المضي قدما في إصرارها على رفعه إلى المحكمة الدولية، على الرغم من وجود اتجاه خليجي عام بضرورة التسوية الودية في الإطار العربي أو الخليجي. 2- يشير العديد من المحللين إلى أن نموذج قطر والبحرين قد يشجع دولا أخرى في مجلس التعاون على تكراره واللجوء إلى التحكيم الدولي، خاصة مع طول فترات النزاع، وفي هذه الحالة، يفقد المجلس أهم وظائفه كمنظمة إقليمية وهي تسوية الخلافات التي تنشأ بين أعضائها وفق المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أنه (يجب على أطراف أي نزاع، من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر، أن يلتمسوا حله، بادئ ذي بدء، بطريقة المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم). هـ - تؤدي نزاعات الحدود بين دول مجلس التعاون إلى استنزاف الجهد والمال والوقت من ناحية، وتحول دون الاستفادة من المناطق المتنازع عليها من ناحية أخرى، فتظل الموارد والطاقات معطلة، على الرغم من أنها قد تكون غنية بالنفط أو الغاز أو أي من الموارد الأخرى التي تنتظر استغلالها.وتؤدي نزاعات الحدود إلى تهيئة الظروف للتدخلات الأجنبية في مجلس التعاون من ناحية، وخروج بعض أعضائه عن الإجماع الخليجي تجاه قضية ما في إطار (مناورات الحدود) من ناحية أخرى، والواقع أن النزاع بين قطر والمملكة الذي تفجر في عام 1992م، هو مثال بارز في الصدد، حيث لجأت قطر إلى عقد معاهدة صداقة مع إيران التي وجدتها فرصة للتدخل في شؤون دول المجلس، من خلال تأكيدها على استعدادها للوقوف إلى جانب قطر في نزاعها مع السعودية، بل وعرضها توقيع معاهدة دفاع مشترك مع الدوحة. وعلى الرغم من أن مجلس التعاون الخليجي هو التجمع العربي الفرعي الوحيد القائم والفاعل بعد انهيار مجلس التعاون العربي وتجميد الاتحاد المغاربي، فإنه غير قادر على وضع حلول نهائية وحاسمة لمشكلة الحدود بين دوله، وهذا يرجع إلى عدة اعتبارات هي: 1- غياب الآلية اللازمة لذلك، فعلى الرغم من أن ميثاق المجلس ينص على إنشاء آلية لتسوية المنازعات الخليجية، فإن هذه الآلية لم تر النور حتى الآن على الرغم من إثارة العديد من المشاكل الزوجية التي تمت تسويتها أو تسكينها من خلال اللقاءات الثنائية أو الثلاثية. ويشير خبراء النزاعات الدولية إلى أن آلية أو هيئة تسوية المنازعات الحدودية التي نص عليها ميثاق مجلس التعاون، فوق أنها ظلت حبرا على ورق، فإنها ذات طابع سياسي وليس قانونيا، مما يقتضي إعادة النظر في القواعد الحاكمة لعملها إذا أريد تفعيلها، والأمر لا يتوقف عند غياب الآلية الخليجية فحسب، وإنما هناك غياب للآلية العربية بشكل عام، حيث ما زالت (محكمة العدل الدولية) مشروعا يحتاج إلى الإرادة السياسية التي تخرجه إلى النور، أما الأساليب الأخرى لتسوية المنازعات التي أشار إليها ميثاق الجامعة العربية وهي التحكيم والوساطة، فإن اللجوء إليهما هو أمر اختياري وليس ملزما. 2- تقاليد السياسة الخليجية والعربية بشكل عام التي تبتعد عن الاقتحام الشجاع لأصل الخلافات والمشاكل، وتحرص على عدم (إغضاب) أي طرف عربي واظهار الوفاق والاتفاق العام، وفي إطار ذلك يتم الاقتراب من الخلافات العربية - العربية بحذر، وفي غياب الصراحة والشفافية في كثير من الأحيان. 3- المشاكل والتحديات التي واجهت مجلس التعاون منذ إنشائه، على الرغم من أنها أحد العوامل التي يجب أن تدفع إلى ضرورة التعاون والاتفاق بين دول المجلس، فإنها أيضا كانت سببا أساسيا من الأسباب التي أدت إلى تجاهل المجلس للمشاكل بين دوله، وخاصة مشاكل الحدود واتجاهه إلى تسكينها للمحافظة على التماسك في مواجهة التحديات الخارجية، بل إن بعض دول المجلس قد لجأت إلى الاستفادة من حاجة المجلس لهذا التماسك في بعض الفترات الحرجة لصالحها مثلما حدث في اجتماع مجلس التعاون في الدوحة في عام 1990، وإصرار قطر على مناقشة نزاعها الحدودي مع البحرين في ذلك الاجتماع وطرحها لمسألة اللجوء إلى المحكمة الدولية، وفي هذا لم يكن أمام قادة المجلس سوى أحد خيارين: الأول، هو رفض المطالب القطرية، على أساس أن الوقت لم يكن مناسبا، وبالتالي تهديد وحدته، في الوقت الذي كانت فيه القوات العراقية ما تزال في الكويت والتحالف الدولي يتشكل لإخراجها. الثاني: هو الاستجابة لمطالبها لإنقاذ وحدة المجلس في ظل هذا الظرف العصيب، على أن يعاد النظر في الأمر بعد ذلك، وقد أخذ المجلس بالخيار الثاني، إلا أن قطر استندت إلى ذلك وأصرت على اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وهذا ما حدث بالفعل. 4- غياب المعلومات الكافية لحل نزاعات الحدود في الخليج، حيث إنها نتاج لأعمال الاستعمار بالأساس، وبالتالي فإن الجزء الأكبر من الوثائق والخرائط والمعلومات حول الحدود موجود في بريطانيا بوجه خاص وغياب هذه المعلومات يحول دون الاقتراب الصحيح من المشكلة.وعلى هذا فإن ثمة مقترحات للتعاطي مع مشكلة الحدود في الخليج، أهم عناصره هي: 1- إيجاد آلية خليجية مناسبة لحل المشاكل بين دول مجلس التعاون، على أن يكون اللجوء إليها ملزما، وقراراتها نهائية لا رجعة فيها، وتتمتع بالاستقلالية الكافية التي تؤهلها لاتخاذ قراراتها وإصدار أحكامها وفق معطيات قانونية خالصة بعيدا عن الاعتبارات السياسية. 2- الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، سواء في الاتحاد الأوروبي أو منظمة الوحدة الإفريقية. 3- العمل على الاقتحام الشجاع للمشكلات وعدم تجاهلها أو تأجيلها، فضلا عن ضرورة الاعتراف بوجودها، لأن هذا الاعتراف هو أول خطوة في طريق حلها. 4- توفير قاعدة بيانات كاملة عن نزاعات الحدود في المنطقة تغني عن اللجوء إلى مصادر أخرى للمعلومات قد تصور الأمر على غير حقيقته، فتندفع بعض الأطراف إلى اتخاذ مواقف معينة غير مبنية على معلومات سليمة. 5- وفي الإطار العربي الأوسع، لا بد من الإسراع في إقرار محكمة العدل العربية لتكون آلية عربية ملزمة لتسوية المشاكل بين الدول العربية بكل أنواعها. 6- إضافة إلى كل ما سبق، فإن الأمور في حاجة إلى إعادة الثقة في مؤسسات العمل العربي والخليجي المشترك، وفي مقدمتها الجامعة العربية ومجلس التعاون، حتى يمكن للأطراف المتنازعة أن تلجأ إليها وكلها ثقة في حيادها وقدرتها على فرض الحل الذي يتم التوصل إليه.
|