أكثر ما عرفت به منطقة الخليج العربي لدى العالم أجمع هو غناها بالثروة النفطية وما جلبته لها من تطور ونمو على مختلف الأصعدة خلال العقود القليلة الماضية. وقد أعطى توافر أكثر من نصف الاحتياطي العالمي المثبت من النفط للمنطقة دورا حيويا ومباشرا في أهم سوق عالمية لأهم مصدر من مصادر الطاقة، حتى إن اسمها أصبح يتطابق في كثير من الأحيان مع موقعها باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم. ومع ذلك ظل الجزء الأكبر من التأثير المعلوماتي للمنطقة في سوق النفط العالمية، والذي هو في العادة أحد أبرز العوامل التي تقف وراء حركة السوق، يكاد ينحصر ضمن ما يصدر عنها أو عن سواها من أرقام تخص واقع وآفاق الإنتاج والتصدير في المنطقة. مقابل ذلك برزت مراكز وجهات عديدة في أنحاء أخرى من العالم في ممارسة احتكار مهمة التأثير المباشر في الأسواق من خلال التقديرات والتقارير والدراسات التي تصدرها بشأن صناعة النفط العالمية وواقع وآفاق العرض والطلب على النفط. وفي حين أصبحت سوق النفط العالمية تخضع وبشكل مباشر في حركتها إلى التقارير الخاصة بأرقام المخزونات من الخام في الدول المستهلكة وإلى تقديرات العرض والطلب الصادرة عن مراكز وهيئات عديدة داخل الدول المستهلكة وجدت لها اختصاصا مهما في دراسة سوق النفط وانطلقت على الدوام من مهمة تأمين موارد الطاقة بأسعار مناسبة، فقد تلكأت الدول المنتجة، ومنها دول الخليج العربي، في ممارسة كامل دورها المؤثر في السوق الذي هو أبعد بكثير من عادة إصدار الأرقام الخاصة بالإنتاج والتصدير والذي يمتد إلى إعطاء الوجه الآخر وربما الأدق لأوضاع النفط العالمية، خصوصا بقدر ما يتعلق الأمر بواقع وآفاق العرض وحجم الاحتياطي وإنتاجية الحقول وما إلى ذلك. لعل الأخطر من ذلك هو أن الدول المنتجة باتت نفسها تعتمد وفي الكثير من الأحيان على تقارير ودراسات تلك المراكز والهيئات الأجنبية في الوقوف على أوضاع سوق النفط وبالتالي رسم سياساتها الإنتاجية. لذلك يمثل اتفاق وزراء النفط في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في نهاية الشهر الماضي على تأسيس مركز للدراسات الاستراتيجية وأبحاث الطاقة خاص بدول المجلس، خطوة مهمة في ملء فجوة خطيرة داخل قطاع المعلومات في سوق النفط العالمية، والذي على ضوئه تتحرك هذه السوق. إذ يمكن لمثل هذا المركز أن يسهم في منح سوق النفط العالمية صورة مكتملة وحقيقية وأكثر دقة لصناعة النفط العالمية نابعة من معلومات تصدر عن الدول ذات الشأن بقدر ما يتعلق الأمر بحقيقة الإمدادات ومستقبلها. عند ذاك فإن ردة فعل السوق لن تقتصر كما هي عليه الآن على تقارير ودراسات تصدر في الغالب عن أوساط في الدول المستهلكة يمكن أن تكون لها نوايا مبيتة أو حتى صريحة من أجل التأثير في حركة السوق والأسعار. وبقدر مماثل من الأهمية فإن وجود مركز لأبحاث الطاقة خاص بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمكن أن يكون أداة مهمة يساعد صانع القرار في المنطقة على الاعتماد على ما يحتاجه من معلومات مكتملة لا يمكن الاستغناء عنها في رسم سياسة نفطية صحيحة، تهدف إلى الاستخدام الأمثل للثروة النفطية وإلى تجنيب الاقتصادات الخليجية أي تقلبات حادة.
|