مما يزيد من أهمية الخليج جغرافياً وتاريخياً، إنّها إحدى نقاط الوصل ما بين الشرق والغرب، وقد قامت على شواطئه المراكز العالمية للملاحة والتجارة، وكان في حركة دائمة، يربط الطرق البحرية والسبل البرية، لا تقل أهميته الاستراتيجية عن أهمية حوض المتوسط، بل لقد نافسه فترة غير يسيرة من الزمن .. ولهذا كان على مدار التاريخ يحرك شهوات الطامعين ويثير ما بين المستعمرين المنازعات والمنافسات. وعلى مساحة مغمورة بالماء تقدّر بسبع وتسعين ألف ميل مربع، أي ما يعادل 250 ألف كيلو متر مربع، يمتد الخليج العربي على شكل ذراع بصري في جنوبي غربي آسيا، يحدُّه من الشرق الساحل الإيراني ومن الغرب شبه الجزيرة العربية حتى مضيق هرمز، ثم على خليج عمان جنوباً .. وأمّا من الشمال فتحدُّه منطقة بلاد الرافدين. مجلس التعاون الخليجي تقرّر الإعلان عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربي في أعقاب اجتماع وزراء خارجية الدول الست التي شكّلت المجلس في الرياض في فبراير 1981م، ثم كان مولد المجلس خلال الدورة الأولى لمجلسه الأعلى في أبو ظبي في 25 مايو 1981م. وكان قيام المجلس تتويجاً لتجارب ومحاولات على طريق الوحدة في الخليج، كما كان قيامه استجابة لعوامل متعدِّدة عجّلت به ومهّدت لقيامه ولكن ارتباط قيام المجلس بهذه العوامل أو ببعضها لا يعني أنّ بقاء المجلس نفسه رهن بهذه العوامل .. فالثابت أنّ هناك عوامل موضوعية تتفاعل لتحقيق الاندماج في تجربة المجلس، كما أن المجلس نفسه يعمل على تنمية هذه العوامل ويوجهها صوب أهدافه المقررة في نظامه الأساسي. السياسة الخارجية لمجلس التعاون الخليجي عربياً ودولياً حرصت دول مجلس التعاون الخليجي منذ اللحظات الأولى لإعلان تأسيس مجلس التعاون على أن تحدد الخطوط العريضة ليساستها عربياً ودولياً وما ينتج عن ذلك من التزامات ومسؤوليات .. فأكدت هذه الدول في مقدمة النظام الأساسي أنّ تأسيس المجلس يتمشى مع ميثاق جامعة الدول العربية الذي يدعو إلى تحقيق التقارب وتوثيق العلاقات وتنسيق الخطط وتعميق التعاون بين الدول العربية. السياسات الخارجية لمجلس التعاون الخليجي وقد أوجزت أجهزة مجلس التعاون الخليجي أسس التعاون في المجال السياسي فيما يلي: أ- في المجال الدولي: - عدم الانحياز ونبذ الأحلاف والمحاور. - احترام الالتزامات والمواثيق الدولية. - العمل على توطيد أسس السلام والعدل والأمن الدولي ومساندة التوازن في العلاقات الدولية. - عدم التدخُّل في شؤون الغير. - التعايش السلمي في ظل احترام السيادة الوطنية والاستقلال. - صيانة المصالح المشتركة والتفاعل مع أحداث العالم والمشاركة في قضايا السلم وحقوق الإنسان من خلال العمل الجاد والفعال في المنظمات الدولية. - احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ومعارضة استخدام القوة في حل القضايا الدولية، ومناهضة التفرقة العنصرية. ب - في المجال الخليجي: - التعايش السلمي بين دول المنطقة على أساس الاحترام المتبادل وصيانة المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. - إبعاد المنطقة عن ساحة الصراع الدولي ومعارضة التدخل في شؤون المنطقة، والاعتماد على القوة الذاتية ومسؤولية دول المنطقة وشعوبها عن أمنها واستقرارها. - تسوية النزاعات الإقليمية بالطرق السليمة والحوار الهادئ. - تطوير العلاقات بين دول المنطقة بما يحقق صيانة الأمن والاستقرار والتفاهم. ج - في المجال العربي: - دعم القوة العربية وتماسكها، وتنقية الأجواء العربية وتحقيق التضامن العربي. - الدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والحضور الدبلوماسي والسياسي في المحافل الدولية لإيضاح عدالتها. - مساندة حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولته. الأطماع والتهديدات الخارجية لدول الخليج العربية مما لا شك فيه أنّ مسرح الحياة الدولية مسرح مليء بالتناقضات والمفاجآت .. وأن العلاقات الدولية في المجتمع البشري العالمي على درجة كبيرة من التعقيد والتشابك .. وإذا كانت تلك المعادلة تنطبق أيما انطباق على علاقات العالم في المجتمع الدولي، فإنها بالقياس إلى ذلك لتنطبق انطباقاً تاماً أو شبه تام على المحيط الإقليمي، حيث غالباً ما تأخذ العلاقات بين الدول سواء منها العلاقات الثنائية بين دولتين أو مجموعتين من الدول وسواء منها العلاقات الجماعية بين عدد من الدول المتجاورة أو غير المتجاورة .. تأخذ العلاقات طابعاً متشابهاً من التعقيد والتشابك .. ومن المتناقضات والمفاجآت .. ومن هنا يمكن القول دون تردد بأنّ على الدولة أو مجموعة الدول مثل دول مجلس التعاون الخليجي العربية التحلِّي بمزيد من الوعي السياسي - الاجتماعي العالمي والدولي والإقليمي .. ومزيد من التفهُّم والتعمُّق في دراسة واقع ومستقبل العلاقات الدولية والإقليمية، بحيث يكون ذاك الوعي للوقاية من التناقضات التي يتسم بها مسرح الحياة الدولية .. ومن المفاجآت التي يتميز بها واقع العلاقات الدولية والإقليمية .. حقيقة الأطماع - النوعية والحجم تتركز الأطماع الخارجية والتهديدات الموجّهة إلى دول مجموعة مجلس التعاون الخليجي العربية على عدد من الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأخيراً العسكرية، يمكن الإشارة إلى عدد منها يحتل في نظرنا مكانة هامة كالآتي: 1- ضم أو احتلال مؤقّت أو دائم لكافة دول المجموعة الخليجية أو لمناطق وأجزاء منها تعتبر في نظر الطامعين ذات أهداف استراتيجية ومواقع ملاحية أو عسكرية أو اقتصادية على درجة كبيرة من الأهمية والحساسية للدول المعتدية أو الطامعة. 2- تصدير النظريات أو الأفكار، أو بمعنى آخر تصدير الثورات - كما يُقال في علم السياسة الراهن - وذلك إما لإقساد عقائد شعوب تلك المنطقة أو لإيجاد التناقضات والاختلافات والمذهبيات في المنطقة الواحدة، وبالتالي قطع الطريق على كل عمل وحدوي أو اتحادي أو تعاوني بين دول المجموعة الخليجية التي ستتقاسمها الأهواء وتتنازعها الخلافات بعد تصدير الأفكار الثورية وخاصة الاستبدادية منها ذات الطابع الشمولي والتي تتعارض أصلا مع العقيدة الإسلامية التي يؤمن ويدين بها كافة الشعوب الخليجية. 3- السيطرة على الموارد المالية ومصادر الطاقة النفطية والثروات المعدنية وما توفره من فوائض مالية هائلة، حيث يتم للدول الطامعة الحصول على هذه الفوائض والأرباح والثروات من خلال جر المجموعة الخليجية إلى حروب خارجية أو صراعات داخلية، أو ربطها بأحلاف أجنبية، أو ضمها بالقوة أو غير ذلك من الأساليب التي لا تخفى على المراقب السياسي والتي يمكن للدول الطامعة القيام بها بين الحين والآخر مستغلة بذلك الظروف الداخلية والخارجية. العوامل الكامنة والأسباب من المتعارف عليه علمياً أن الأطماع والتهديدات الخارجية هي نتاج عوامل متعددة، منها ما يكون مرتبطاً بذات المعتدى وطبيعته العدوانية سواء كان المعتدى عليه ذا إمكانات متميزة أو كان يمتلك ثروات اقتصادية تثير ضغائن المعتدي، وسواء كان المعتدى عليه ذا إمكانات متواضعة ولا يمتلك إلا الفقر والبؤس .. ومنها - أي من العوامل الكامنة - ما يكون نتاج الحالة الاقتصادية أو الموقع الاستراتيجي أو الإمكانات المادية التي تدفع بالمعتدي ذي النوايا السيئة ممارسة نظرياته العدوانية وتطبيقها على الدول المجاورة سواء كانت دولاً صديقة أو شقيقة وإفراغ جميع ما يمتلكه من طاقات عدوانية على مجتمعات وشعوب آمنة مسالمة لا تعرف الحقد ولا تتعامل بالضغائن ولا تريد لنفسها أو لغيرها سوى الأمن والسلام والرفاه والحياة الكريمة. ويمكن تصنيف هذه العوامل إلى قطاعين: عوامل طبيعية وعوامل مؤسسية. أولاً: العوامل الطبيعية: 1- الموقع الاستراتيجي لمجموعة الدول الخليجية: لا شك فيه البتة في أن للموقع الاستراتيجي أثراً كبيراً في تهديد أمن المنطقة، حيث تتربع مجموعة الدول الخليجية الست على منطقة هامة جغرافيا حيث تتوسط بين أوربا ودول آسيا وإفريقيا .. فها هي حدود تلك المجموعة تشرف شرقاً على بعض دول قارة آسيا الكبرى مثل دولة إيران .. وتشرف غرباً على دول إفريقية هامة مثل السودان ومصر ودول جنوب السودان، وتشرف شمالاً على العراق ثم تشرف جنوباً على المحيط الهادي وبحر الهند. 2- وجود عدد من الجزر ذات التحكم في الملاحة بالخليج في الحرب والسلم: إن وجود عدد من الجزر الهامة ذات المواقع الاستراتيجية والبحرية التي تعتبر مركزا للتحكم في الملاحة البحرية في منطقة الخليج، هو أحد العوامل الأساسية .. وهذه الجزر التي يتبع معظمها إلى دول مجموعة مجلس التعاون العربي الخليجية تعتبر أيضا أهدافا استراتيجية في السلم وفي الحرب، مما يجعل احتلالها مطمعاً للدول الكبرى المجاورة لدول مجلس التعاون الخليجية. 3- آبار النفط والثروة البترولية الهائلة: حيث تعتبر الطاقة النفطية اليوم على وجه الخصوص مصدرا للصراعات الدولية والأقاليمية والإقليمية تتوجّه إليها أنظار المعتدين والطامعين على اعتبار أن هذه الطاقة توفر ثروة هائلة لأبناء شعوب تلك الدول الخليجية التي تتملّكها وبالخصوص إذا كانت الدول الطامعة المجاورة على درجة من الفقر والحرمان الطبيعي الاقتصادي، أو كانت أنظمتها السياسية تميل نحو الاستبداد والقهر والديكتاتورية الفكرية أو الميكيافيلية السياسية حاملة معها الفقر والبؤس لشعوبها. ثانياً: الأسباب والعوامل المؤسسية: وتتمثل هذه العوامل التي لا تقل أهمية عن سابقاتها في عاملين اثنين على قدر كبير من الأهمية والحساسية وهما: 1- فشل جامعة الدول العربية في تأمين الحد الأدنى من العلاقات العربية على مستوى التعاون والتنسيق، وبالتالي فشلها في حماية أمن الدول العربية مجتمعة أو فرادى ضد الأطماع الخارجية والتهديدات الموجهة إليها سواء من قبل بعضها البعض أو من قبل دول أجنبية .. بصفة عامة، وفشلها أيضا في حماية أمن واستقرار مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي العربية بصفة خاصة. 2- ضعف النظام الأمني العربي المتمثل في تفرُّق الدول العربية وضعف اتحاداتها الثنائية وضحالة تطبيق القرارات السياسية والاقتصادية والثقافية المتخذة في اجتماعات القمة العربية أو غيرها من التنظيمات السياسية العربية الإقليمية أو حتى الدولية .. وبالتالي ضعف هذا النظام في مواجهة الأطماع الخارجية والتهديدات لدول الخليج العربية التي تعرّضت أكثر من مرة إلى تهديدات خارجية على درجة كبيرة من السلبية .. حتى أن بعضها مثل دولة الكويت قد تعرّضت إلى تدمير شبه كامل في بنيتها السياسية والاقتصادية واحتلال أراضيها ونزوح شعبها مدة سبعة أشهر خارج الوطن والديار.
|