* أبو ظبي - مركز الإمارات للدراسات: تمثل القمة السادسة والعشرون للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، المقرر عقدها في أبو ظبي، يومي 18 و19 ديسمبر - كانون الأول 2005، نقلة نوعية في مسيرة العمل الخليجي المشترك؛ إذ ينتطر أن تشهد هذه القمة مراجعة شاملة للإنجازات والصعوبات التي شهدتها تلك المسيرة، وتأسيساً جديداً لمرحلة مقبلة من الأداء المثمر. وتأتي تلك القمة، التي يرأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في مرحلة دقيقة، وفي سياق إقليمي ودولي يشهد تطورات متلاحقة تحتاج إلى تنسيق عال وواع من قبل دول المجلس لتجسد أولى وأهم تجارب العمل الجماعي العربي الناجحة، بعدما حقق العديد من الإنجازات وتفادى الكثير من الصعوبات منذ انطلاقته، من أبو ظبي عام 1981، في القمة الأولى التي ترأسها المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباني نهضتها. وثمة العديد من التطورات والاستحقاقات، على الصعد المختلفة، ستحظى، من دون شك، باهتمام كبير من قبل قادة دول المجلس؛ فعلى الصعيد الداخلي هناك المسائل الخاصة بالأمن، والعمالة، والتركيبة السكانية، والبطالة. وعلى صعيد التعاون بين دول المجلس هناك قضايا الاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، والوحدة النقدية، ومشروع إنشاء سكة حديد تربط دول المجلس، ومشروع إصدار بطاقة الهوية الموحدة لمواطني دول المجلس التي تعرف ب (البطاقة الذكية). كما ستتم مناقشة مشروع الربط المائي بين دول المجلس، ومسألة مد الحماية التأمينية لمواطني دول المجلس العاملين خارج دولهم في أي من الدول الأعضاء بالقطاعين العام والخاص، فضلاً عن مناقشة الكثير من القضايا ذات الطابع البيئي، والصحي، والزراعي، والتعليمي، والاجتماعي، والتجاري، والتي تنظم التعاون في تلك المجالات وتطوره. وعلى صعيد السياسة الخارجية وعلاقات دول المجلس بالدول والمنظمات والتكتلات الإقليمية والدولية؛ هناك العديد من الموضوعات التي تحتاج إلى الكثير من البحث والتنسيق، خاصة أن تطورات عديدة ومتلاحقة أثرت في المشهد الجيوسياسي الذي تنتمي إليه دول المجلس وتؤثر وتتأثر به منذ انتهاء (قمة زايد)، وهي القمة الخليجية الخامسة والعشرون التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في ديسمبر - كانون الأول 2004م. وتأتي التطورات الحاصلة في العراق على رأس الموضوعات التي ستحظى بنصيب كبير من البحث والدرس من قبل قادة دول المجلس الذين عبروا جميعاً عن مواقف دولهم الداعية إلى استعادة الأمن والسيادة والاستقلال في العراق، والذين باركوا الخطوات التي قطعها نحو تأسيس شرعية دستورية جديدة، عبر سلسلة الانتخابات والعمليات السياسية التي قادت إلى صياغة الدستور وإقراره وإجراء الانتخابات التشريعية، في منتصف ديسمبر - كانون الأول 2005، والتي يؤمل أن تكرس الاستقرار والأمن في هذا البلد الشقيق. كما سيبحث القادة الملف الإيراني في ضوء التغيرات التي طرأت عليه. وفي هذا الإطار، فإنهم سيجددون موقفهم الداعم لدولة الإمارات العربية المتحدة في مطالبتها بحقها في جزرها الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) التي تحتلها إيران. وسيدعون طهران إلى استجابة الدعوات الرامية إلى حل مشكلة الجزر بالطرق السلمية. وفيما يتعلق بعملية السلام سيدرس القادة الموقف الراهن لتلك العملية في ضوء التغيرات السياسية الحاصلة في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما سيبحثون انعكاسات الأحداث الإقليمية والدولية المختلفة على هذه العملية، وسيجددون دعوتهم إلى إقامة السلام الشامل والعادل في المنطقة، باستعادة الأراضي العربية المحتلة، وتحقيق الأمن المتبادل للأطراف كافة. وسيحظى موضوع الإرهاب باهتمام كبير من قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم السادسة والعشرين. وسيقيّم القادة التطورات الحاصلة في هذا الملف، في ضوء الاتفاقية الأمنية التي وقعتها دول المجلس لمواجهة مخاطر تلك الظاهرة المدمرة. وسيبحثون سبل تعظيم مقدرات المواجهة الأمنية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتربوية والاقتصادية لهذه الظاهرة، سواء على الصعيد المحلي في كل دولة من الدول، أو على الصعيد الجماعي في الدول الست. وسيناقش القادة ظاهرة الإرهاب وتداعياتها وسبل مواجهتها في إطار أنها ظاهرة دولية لا تنتمي إلى دين معين، ولا تعبر عن ثقافة بعينها، ولا تنطلق من مساحة جغرافية محددة، ولكن من منطلق أنها ظاهرة عالمية، تنطلق من مسببات عديدة، تتصل بمشكلات وظروف اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية متشابكة ومعقدة. وسيشدد القادة على أن التصدي لتلك الظاهرة يجب أن يتم من خلال تعاون وتنسيق واسع وشامل وفعال، ويجب أن يتم باشتراك دول العالم كافة ومنظماته الحكومية وغير الحكومية، وبقوى المجتمع المدني جميعها، خاصة أن مخاطر تفاقم تلك الظاهرة تزيد وتستفحل وتضرب تقدم المجتمعات في شتى صوره ولا تستثني فرداً أو مؤسسة أو دولة. ولن تغيب المسألة السورية - اللبنانية عن مناقشات القادة في القمة، خاصة أن التطورات الأخيرة تنذر بمشكلات قد تهدد أمن واستقرار المنطقة. وسيبحث القادة السبل اللازمة لحل المشكلة الراهنة بما يضمن سلامة ومهنية التحقيقات الجارية في جرائم الاغتيالات الأخيرة التي شهدها لبنان، ويحافظ على أمن واستقرار الشعبين السوري واللبناني. وثمة عقبات أيضاً تعترض وتيرة الإنجازات التي تحققت منذ انطلاق المجلس قبل نحو ربع قرن، وتلك العقبات ستحظى باهتمام شديد من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، وسيعملون على تجاوزها للحفاظ على قوة دفع وزخم كبيرة عرفها المجلس منذ اليوم الأول لتأسيسه؛ فلا شك أن العمليات الرامية إلى تعزيز الاندماج الاقتصادي بين دول المجلس تحتاج إلى دفعة قوية إلى الأمام، فمشروعات مثل الاتحاد الجمركي، والوحدة النقدية، والسوق المشتركة تؤسس البنية الراسخة الصلبة للتنمية المستدامة في دول المجلس، وهي تحتاج إلى تذليل العقبات التي تعترضها حتى يتم الوفاء بها في المواعيد المناسبة وبالفاعلية القصوى، فإذا كانت (قمة زايد) التي شهدتها المنامة نهاية عام 2004 عرفت بأنها قمة (التحديث)، فإنه يمكن القول إن قمة أبو ظبي 2005 ستعكف على مراجعة المنجز وتقييمه وتطويره ودفعه إلى الإمام، في خطوة جديدة على درب مسيرة المجلس الذي شكل الإطار الجامع لجهود حكومات وشعوب دول الخليج العربية، والذي يُعول عليه في تحقيق المزيد من الإنجاز والتقدم لتلك الشعوب.
|