لقد أصبح مألوفاً في زماننا أن نفجع ذات صباح بخبر وفاة صديق عزيز وعندما نسأل عن السبب يقال لنا: انها السكتة القلبية.. وكثيراً ما نسمع أن فلاناً عنده (ذبحة صدرية) أو (جلطة بالقلب) فما هو هذا المرض الغادر وماذا اعددنا لمواجهته.. ذلك هو ما أود أن أتحدث فيه اليوم. قد أفلح الطب الحديث في القضاء على الكثير من الأوبئة التي كانت تجتاح الشعوب في العصور الماضية والتي كانت تسببها الميكروبات والطفيليات المختلفة ولكنه يقف الآن شبه مكتوف اليدين أمام مرض تصلب شرايين القلب - وما كنا لنقع في هذه الحيرة لو كنا نعلم أسباب هذا المرض على وجه التحديد وذلك على الرغم من وجوده في صورة تزداد حدة في العالم المتمدين حتى لقد أصبح يشبه الوباء في دول معينة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإنجلترا. نحن الآن هنا في الدول النامية التي أصبحت تأخذ بالأساليب الحديثة في الحياة نلاحظ تزايد الإصابات بهذا المرض عاماً بعد عامٍ ولا بد لنا من تتبع الأبحاث العالمية التي تنفق عليها الدول ملايين الجنيهات.. ومما يزيد من اهتمام العالم بهذا المرض أنه غالباً ما يصيب الرجال في وسط العمر وبعده، وهؤلاء هم رجال الأعمال وأصحاب المناصب الرئيسية في المؤسسات والحكومات.. من أجل ذلك فالعالم كله شديد الاهتمام بهذا الموضوع بمقدار حرصه على كفاءاته البشرية التي لا تقدر بمال. ولما كانت هناك رابطة وثيقة بين المدينة الحديثة وأمراض شرايين القلب فإن الاتهامات تنصب على مسببات معينة أصبحت ملازمة لطريقة حياتنا. أولاً: التدخين، فمعظم المصابين بهذا المرض هم من المفرطين في التدخين. ثانياً: الطعام، فكلما ارتفع مستوى الدخل كلما التهمنا كميات أكبر من الأطعمة التي تحوي نسبة عالية من الدهون الحيوانية والكوليسترول. ثالثاً: الكسل، فقد أصبحنا نجلس في مكاننا أثناء عملنا ونركب سياراتنا في غدونا ورواحنا ونستعمل المصاعد والتليفون من أجل راحتنا بينما كان أجدادنا يفلحون الأرض طوال النهار أو يسقون أغنامهم ويتكبدون المشاق البدنية لكسب قوتهم. رابعاً: التوتر النفسي، فقد أصبحت الحياة شديدة التعقيد وأصبح التفكير في المستقبل وإجهاد الذهن هو طابع العصر بينما كان أباؤنا ينامون ملء جفونهم ولا يطلبون من دنياهم إلا القدر المعقول. خامساً: ضغط الدم المرتفع ومرض السكر وهما وثيقا الصلة بأمراض شرايين القلب ويتعين علينا اكتشافهما. وليس معنى ما نقدم أنه لا جدوى من علاج أمراض شرايين القلب.. ولكننا على العكس قد أصبحنا الآن في موقف أحسن بكثير مما كناه بالأمس، وأصبح في الإمكان إنقاذ آلاف الناس من أخطار الموت المفاجئ ومن المضاعفات العديدة لهذا المرض. لهذا، فقد أصبح في معظم مدن أوروبا وأمريكا مراكز خاصة لإسعاف مثل هذه الحالات فور وقوعها.. وما على المريض الذي يشعر بألم في صدره إلا أن يتصل بأحد هذه المراكز كي تتحرك فوراً سيارة إسعاف مجهزة تجهيزاً خاصاً بمعدات تستطيع مراقبة القلب من ساعة وصولها إلى منزل المريض وطوال رحلة العودة إلى المركز. ويستطيع الطبيب المرافق أن يكتشف القلب لحظة توقفه عن العمل ويمكنه إعادته إلى النبض مرة أخرى بواسطة هذه الأجهزة ويمكنه أيضاً تصحيح الخلل الذي يحدث في انتظام نبضات القلب، وذلك كله أثناء نقل المريض في الطريق حتى لا تضيع هذه اللحظات الحاسمة من عمره. وعند الوصول تتسلمه وحدة الرعاية الدقيقة بأطبائها المتخصصين وممرضاتها المتخصصات ويعيش المريض تحت هذه الرعاية المركزة حوالي أسبوع حتى يزول معظم الخطر فيمكن بعد ذلك نقله إلى غرفته بالمستشفى. هذا من ناحية الإسعاف السريع - أما من ناحية الحالات القديمة التي يكون فيها أحد شرايين القلب أو بعضها مسدودة بواسطة جلطة وترسيبات دهنية قديمة فقد أصبح من الممكن الآن تركيب شرايين أخرى بديلة ويستعمل لهذا الغرض حاليا أحد أوردة الساق التي يمكن أن يستغنى عنها المريض - ويتم معرفة أماكن الانسدادات بدقة شديدة للغاية بواسطة تصوير تلك الشرايين بالصبغة على أشرطة سينمائية. وهكذا، نجد أن العلم لا يتوقف أمام أي مرض مهما كان خطره والأمل معقود على أن تتخلص الإنسانية من هذا الخطر الذي يزداد استفحالاً يوماً بعد يومٍ.
دكتور مصطفى النحاس |