لا أدري تحت أيِّ مسمى أو قانون يندرج ذلك التعميم الفريد من نوعه الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم بشأن آلية نقل الحالات الإسعافية التي قد تحدث في المدارس الحكومية أو الأهلية سواء للطالبات أو المعلمات، والذي ينص على طلب الإذن مسبقاً من ولي الأمر بالسماح للمدرسة في التصرف المباشر في حياة هذه المخلوقة!. التعميم الذي قرأته في الصحف كان يقول: الرجاء من سعادتكم ولي أمر الطالبة إبلاغنا بموافقتك على خروج الطالبة في حالة حدوث طوارئ تستدعي خروجها عن طريق الدفاع المدني أو الهلال الأحمر حفاظاً على حياتها، أو الخروج من المدرسة (للمستشفى) لأمر طارئ مع السائق الخاص أو سائق الليموزين!!. أمور كهذه لا تثير العجب فقط، لأنها تتنافى مع القيمة الإنسانية للإنسان الذي وجب المحافظة على حياته، بل تثير أكثر من ذلك، وهي تعزيز مفهوم أن المرأة في مجتمعنا مخلوق تتوارث الوصاية عليها حتى في أبسط الحقوق الإنسانية لإنقاذ الحياة والمحافظة عليها.. أما الكارثة الأخرى فهي أن تعزز المفهوم جهة رسمية هي وزارة التربية باعتبارها جهة مسؤولة عن سلامة وأمن أرواح منسوبيها، بحيث تفرض حق الإنقاذ فقط، والمتعارف عليه دولياً دون استشارة أو انتظار موافقة للإنقاذ من الموت من أحد، بل يحاسب كل مسؤول عن التقصير في سرعة الإنقاذ لحياة أيٍّ كان في كل القوانين الإنسانية العالمية، كحق من حقوق الحياة، ومن أجل سلامة البشر دون تصنيف.. وما زادني ألماً وحسرة، في قراءة الخبر في صحيفة الشرق الأوسط عدد يوم أمس الأول الأحد، هو تصريح لإحدى منسوبات التعليم بمدينة الرياض، التي استشهدت بحالات أدى تأخر حضور ولي الأمر فيها إلى مضاعفات أو الوفاة أحياناً، كنوبات الصرع وارتفاع السكر وأمراض القلب، حين ذكرت أن طفلة تعرضت لكسر في يدها أدى إلى عاهة لتأخر ولي أمرها لاصطحابها إلى المستشفى، وكان بالإمكان تلافي هذا لو أن وليها قد أتى مبكراً أو أن المدرسة تصرفت بما يليق بحياة هذه المسكينة!!. أما الدكتور سلمان الشهري مدير عام الصحة المدرسية بتعليم البنات فلم يكن لديه علم بالأمر، معتبراً أن حياة الطالبة أو المعلمة يجب أن تأخذ الأولوية في هذه الأمور وأن تكون الصلاحية مسؤولية الجهة المباشرة، لكنه يخشى من فتح جبهة داخلية مع أولياء الأمور وأن بعض التحفظات الاجتماعية لا تتلاشى إلا مع مرور الوقت، مضيفاً إلى الدور التوعوي والتثقيفي للآباء للمساهمة في حفظ حياة بناتهم وذلك من خلال التوعية بأهمية اللحظة وأجزاء الثانية التي تساهم في حياة الطالبة أو المعلمة!. لا أقول إن مثل هذه الأخبار التي تقع على رؤوسنا كالأحجار الثقيلة تحبطنا فقط، بل تجرنا إلى نقطة البداية التي لا يزال المجتمع يتعارك حولها، وهي عدم الاعتراف بحق هذه الإنسانة لمجرد أنها امرأة، ولم يشفع لها انتسابها لخيمة الوعي التي من مهامها تثقيف المجتمع والخروج من أنفاق الجهل وهي مؤسسة رسمية كوزارة التربية والتعليم، وكأن هذا المخلوق فائض عن الحاجة، وإن عاشت فقد كتب الله لها عمراً، ولو ماتت فهو ستر لها قبل أن تذهب في سيارة إسعاف دون ولي أمر!! خصوصاً أن الإناث يشكلن أكثر من النصف في تعداد المواطنين، وإن أعداد المعلمات القتلى على الطرق نتيجة حوادث النقل أصبحت خارج الإحصاء، ولهذا لا بد للوصاية أن تنخر وعي المجتمع وتعزز المقولة العامة، أن لكل امرأة سعودية أكثر من وصي، وأنها رغم التحفظات، تجد أن المجتمع بأكمله له الحق أن يقول كلمته في أي قرار يخصها، فلماذا نضحك على أنفسنا ونركز على الوعي الاجتماعي إذا كان أحد مسؤولي الوزارة رغم إيمانه بحق الرعاية الصحية والإنقاذ، لا يزال يطالب بتثقيف الآباء حول أهمية حياة بناتهم، وفي القرن الواحد والعشرين وبعد مضي أكثر من خمسين عاماً على تعليم الفتيات في المملكة، فلا نتعجب أن المرأة تموت بانتظار موافقة الوصي، إذا تكرم وأتى لإنقاذها، أم أنه لا زال يستمتع بهذه المنحة الحقوقية له في حياة بني آدم ينتظر من سعادته رداً، ننقذها ولا نخليها تموت؟
|