مشكلة كثير من الناس أنهم يقرأون النصوص المكتوبة قراءة ناقصة أحياناً، فيحكمون عليها وعلى أصحابها حكماً ظالماً، ويبنون عليها مواقف غير صحيحة، ويصرون على ذلك لأنَّهم لا يراجعون أنفسهم، ولا يعيدون النظر في قراءتهم الناقصة التي خرمت المعنى، أو حرّفته، وصرفت النَّص عن وجهه الصحيح. والقراءة الناقصة لا تحدث إلا من شخصين؛ أحدهما ناقص المعرفة والفهم، والآخر، سيّئُ القصد، وكلاهما في ارتكاب الخطأ سواء، وإن كان سيّئُ القصد منفرداً بنيَّة السوء التي تدفعه إلى قراءة ناقصةٍ بغرض التشويه والتزييف وتضليل الآخرين، وتهوِّن عليه المخالفة للحق حتى يراها سمةً إيجابية تميزه وتدلُّ على ذكائه ودهائه. كم من نقاشٍ يدور في ساحات الثقافة والأدب والفكر انطلق من قراءة ناقصةٍ لرؤية الكاتب وهدفه. قال لي أحد الشباب ذات يوم: أما علمتَ بما قال فلان؟ يقصد دكتوراً تحدَّث في موضوع اختلاط النساء والرجال في مجالات الحياة والعمل. قلت له: وماذا قال؟ قال: أباح موضوع الاختلاط واتهم الذين لا يقرونه بالتعصُّب والتخلُّف، قلت: وأين قال ما قال؟ وهل سمعت قوله منه مباشرة، أو قرأته منشوراً في مكان؟ قال: كلاَّ ولكنَّ من أثق به حدَّثني بذلك، وأكد لي أنه سمع مقالة هذا الدكتور في موضوع الاختلاط، قلت: الدكتور الذي ذكرته ذو رؤية إسلامية جيدة، وله من المواقف في الدفاع عن الإسلام دفاعاً منطلقاً من الوعي بحقيقة هذا الدين ما يمنعه من إطلاق مثل هذا القول، ولكنَّ ذلك الشاب أصرَّ على رأيه، وقال: لقد تواصينا بالكتابة عنه حتى نكشف حقيقته للآخرين، وحينما مضى تأمَّلت هذا الموقف، وقلت في نفسي: ربما تكون زلَّة لسانٍ من ذلك الدكتور، أو عَثْرَةَ قلمٍ وقع فيها، وحرصت على أن أتحدَّث معه مباشرةً، ثم يسَّر الله لي الحصول على مقالته كاملةً، فما وجدت فيها دعوةً إلى الاختلاط بالصورة التي نقلها ذلك الشاب وإنما وجدتُ فيها وصفاً لواقع الحال في العالم الإسلامي، وإشارات واضحات إلى وجود اختلاط غير لائق بين النساء والرجال في معظم الدول الإسلامية، وحديثاً عن وضع النساء عند الآباء والأجداد متضمناً وصفاً لمشاركتهنَّ في الحياة آنذاك، جَلْباً للماء من الآبار، وزراعةً، وحصاداً، بصورة يشترك فيها جميع أفراد المجتمع رجالاً ونساءً، مع وجود ضوابط واضحة في تلك الحياة، ومع احتشام معروف من النساء، وأفاض في حديثه عن تلك الصورة الاجتماعية، وأشار بعدها إلى أنَّ الاختلاط المعاصر مخالف لشرع الله بما فيه من التهاون بمسائل الخَلْوة، وبما فيه من عدم ورع الرجال والنساء على حدٍ سواء، وبما فيه من تبرُّج واضح للنساء لا يقرُّه شرع ولا ترضى به قيمٌ ومبادئ، ثم قال: لو أن صورة الحياة الاجتماعية ستُراعى فيها تلك الضوابط والآداب والاحتشام والورع فليست هنالك مشكلة في مشاركة المرأة في الحياة في مجالات مناسبة لها. ويبدو أنَّ هذه العبارة قد قُرئتْ قراءة ناقصة، عند من ظنوا ذلك الدكتور يُبيح الاختلاط بصورة عامة، بينما تؤكد القراءة الكاملة غير ذلك. إشارة: التسرُّع في الحكم على الناس خطيئة وظلم.
|