|
انت في "الاقتصادية" |
|
من منا لا يتذكر سنوات الوفرة (الطفرة الاقتصادية) التي عاشها الوطن خلال فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات واستطاع معها - بفضل الله سبحانه وتعالى - أن يتحول من صحراء قاحلة ذات حياة بدائية في معظم جوانبها إلى حياة تماثل وتتفوق في كثير من الأحيان، تلك السائدة في الكثير من الدول التي سبقتنا تقدماً وتنمية. وإذا كنا نعزو تلك النهضة السريعة إلى الزيادة الكبيرة في أسعار النفط العالمية ومعها الزيادة الهائلة في الإيراد الحكومي والإنفاق العام، فإننا في هذه الأيام نعيش فترة مشابهة في هذا الجانب حيث بلغت أسعار النفط مستويات قياسية - على الأقل بالنسبة لقيمها الاسمية - مما سيسهم أيضاً في بلواغ الإيراد الحكومي إلى مستويات غير مسبوقة نستطيع معها أن نكمل ما تبقى من مرحلة البناء التي لم نستطع تحقيقها خلال فترة الوفرة السابقة. المعطيات النوعية تقول إذاً إننا نعيش مرحلة طفرة جديدة تشبه في بعض جوانبها تلك التي سادت في الفترة السابقة ولكنا - في نظري - تختلف في جوانب أخرى مما يجعلنا نتطلع إلى تحقيق الإفادة الكبرى لهذا الجيل وللأجيال القادمة بإذن الله تعالى. فمن جانب تأتي هذه المرحلة والمجتمع بشكل عام والمخطط الاقتصادي بشكل خاص عند مستوى متقدم من الوعي الثقافي والمهني الذي يمكنه من التعامل مع معطيات الوفرة الاقتصادية بكفاءة عالية تفوق تلك التي كانت في السابق مما سيضاعف من عوائد الوفرة المالية ويزيد من قدرتها على تلبية الاحتياجات التنموية بفاعلية أكبر. بعبارة أخرى تأتي هذه الوفرة وقدرات الوطن الإدارية والتخطيطية في مستوى مطمئن نستطيع معه أن نحقق الاستغلال الأمثل لمواردنا المتاحة أكثر مما كان في السابق عندما كانت الرؤية التنموية غير واضحة والخبرة الإدارية غير موجودة نسبياً. من جانب آخر تأتي هذه الوفرة والقطاع الخاص قد اكتسب الخبرة والدراية اللتين تساعدانه على القيام بدوره المطلوب وأخذ الدور المناسب نسبياً في الحراك الاقتصادي الوطني والذي بدوره سيزيد من الفعالية الاقتصادية على مستوى الوطن ويقلل من الاعتماد على القطاع العام ومن مستوى الهدر المالي والإداري الذي عادة ما يصاحب أداء هذا الأخير. ومن جانب إضافي فإن هذه الوفرة تأتي ونحن قد أكملنا معظم البنية التحتية ذات التكاليف المالية الباهظة مما يعني امكانية استغلال الفائض في المجالات التي لازلنا نشتكي فيها من نقص ملحوظ كالتأهيل المهني والتقني لعناصر الانتاج الوطنية وفي مقدمتها عنصر العمل حتى نستطيع أن نحقق مقومات التنمية المستدامة التي تؤمن للوطن خاصية الاستقرار الاقتصادي بعيداً عن التقلبات الاقليمية والعالمية. بشكل عام تأتي هذه الوفرة ونحن إدارياً واقتصادياً واجتماعياً في حال أحسن مما كنا عليه في السابق مما يمنحنا المقدرة - بإذن الله تعالى - على تحقيق الإفادة القصوى من الفائض وتوجيهه نحو مكامن النقص الهيكلية التي تعيق التنمية وتحد من مستوى رفاهية المواطن. ولكن يبقى السؤال مطروحاً وهو هل نستطيع أن نتجاوز عقدة التحضر التي أفرزها الماضي وساهمت في تركيز التنمية في مناطق أو مدن محددة؟ وهل يمكن لنا أن نستثمر القدرة المالية الهائلة في تنمية بقية مناطق المملكة التي لم تحظ بنفس النصيب من الوفرة الاقتصادية الفائتة؟ هذا الهم الوطني لابد أن يتصدر همومنا التخطيطية بعيداً عن المؤثرات الأخرى لكوننا في حالة عدم تحقيق ذلك في هذا الوقت سندفع الثمن غالياً عندما تستمر الهجرة الجماعية إلى مناطق التحضر وعندما تنتشر الجريمة وتزداد الاختناقات المرورية والسكانية وترتفع تكاليف المعيشة ويصبح الإنسان يستنشق ثاني أكسيد الكربون في مناطق الاختناق. فهل نستفيد من الوفرة في إعادة نشر التنمية ومعطياتها لتعم كافة أرجاء الوطن ولنحمي مدننا الكبرى من مؤثرات تركز قوى التحضر؟ أتمنى ذلك.. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |