دار نقاش بيني وبين زميلٍ يعمل في مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، وتتمتع بالأهلية الكاملة لتحقيق أغراضها. وكنت أرغب منه مساعدتي في تقديم خدمة ضمن النشاط الرئيسي للمؤسسة التي يعمل بها، فقال: أنت ترغب من الآخرين مساعدتك في الوقت الذي لا تقدم لهم المساعدة ضمن النشاط الرئيسي للوزارة التي تعمل بها. قلت : سأفاجئك بالقول إنه من حقي أيضاً أن أعتب عليك عندما لا تقدم لي المساعدة المطلوبة ضمن نشاط المؤسسة التي تعمل بها، في حين ليس من حقك أن تعتب عليّ عندما لا أستطيع تقديم المساعدة التي تطلبها أنت أو غيرك ضمن النشاط الرئيسي للوزارة التي أعمل بها!!. قال: كيف؟ قلت: لأن ما أطلبه منك ضمن النشاط الرئيسي للمؤسسة التي تعمل بها باستطاعتك تحقيقه لي دون المساس بحقوق الآخرين أو تضررهم من ذلك، لكونها مؤسسة ربحية يملك العاملون فيها من الصلاحيات والمرونة ما يمكنهم من التعامل مع المستفيدين من خدماتها في إطار ما تهدف إليه المؤسسة. أما أنا فأعمل في جهة حكومية تتعامل مع أنظمة لا تملك صلاحية تجاوزها من جانب، ومن جانب آخر فإن جمهور المستفيدين يتضرر من خدماتها في حالة التجاوز من جانب آخر، وأظنك تتفق معي في ذلك. فاصلة: لفت نظري مقولة أشار إليها الكاتب الأستاذ مشعل السديري في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 21-10-1425هـ وهي للخطيب الروماني الشهير شيشيرون (106-43) قبل الميلاد حول الموازنة، حيث يقول هذا الخطيب: (يجب أن تكون الموازنة متوازنة، ويعاد ملء الخزينة، وتخفض الديون العامة، وتهدأ عجرفة ذوي المناصب الحكومية، وتنقص المساعدات التي نعطيها للدول الأخرى لئلا تقع دولتنا في الإفلاس، وعلينا إرغام الناس على العمل لئلا يعتمدوا على المعونات الحكومية مورداً لأرزاقهم). وكنت أتمنى من الكاتب أن يوضح مصدر هذه المعلومة، لأنها معلومة طريفة ونادرة، وتأتي طرافتها حينما نكتشف أن المصطلحات الإدارية فيما يتعلق بالميزانيات العامة والسياسات المالية للدول التي نتداولها حالياً كانت معروفة قبل أكثر من ألفي سنة مثل: (الموازنة، الخزينة، الديون العامة، الغرور بالسلطة من ذوي المناصب الحكومية، مساعدات الدول الأخرى، إفلاس الدولة، ترغيب الناس في العمل وعدم اعتمادهم على المعونات الحكومية)، وهي نادرة حقاً لكونها فرصة للباحثين في تاريخ الإدارة لإجراء المزيد من البحث والتحقيق في هذا المجال ليثبتوا بأن الإدارة علم ذو جذور عميقة عمق التاريخ، وأنها بالفعل عملية إنسانية مستمرة.
* مدير عام المراجعة بوزارة الخدمة المدنية
|