Tuesday 6th December,200512122العددالثلاثاء 4 ,ذو القعدة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

باختصارباختصار
القرار الأخير
نورة المسلّم

اختار الشيخ عائض القرني أن يودع الحياة الاجتماعية بقصيدة عبّر فيها ربما عن نفسه، وليس المثير في الموضوع هو تلك القصيدة، بل قرار القرني بالرجوع إلى حياته الخاصة، مما يعني أشياء كثيرة كان قد رمز إليها الشيخ في تلويحه بالوداع، وهو أن الضغوطات التي تعرض لها كانت واحدة من أنواع الحوار المسدود.
اللافت في أمر كهذا، أن وجود المشايخ عادة في حياتنا، يعني قناعة بالعودة إليهم في حال اختلطت الرؤى والمفاهيم العقدية التي لم يرد فيها نصٌ، بمعنى الاحتفاظ بروح الدين ونصوصه ودمجها مع متقلبات العصر والحاجة، وهذا الرجل كان واحداً، -إن لم أكن مخطئة- ممن تداركوا المسألة المتغيرة، فكان له بعض التوجهات المعتدلة والمرنة، في ظهوره الإعلامي حين بدأ مهمته القصيرة بمواجهة شيوخ التكفير تلفزيونياً، وتحرك على غير عادة كثير من زملائه إلى مواقع إعلامية كثيرة وهو يتعاطى مسائل الإقبال على الحياة الجديدة ووسائلها بانفتاحٍ معقول.
أعداء مهنة الشيخ عائض القرني الذي أشار إليهم (عدوك صاحب مهنتك)، كانوا يتهمونه بأنه عالم سلطة، وآخرون على النقيض الآخر كانوا يتهمونه بالتكفيري، والحقيقة الغائبة عن الجميع أن هناك قضية خطيرة تدس نفسها في واقع المجتمع الذي يبدو أن لا حلول لديه، ولا قناعات وسط في أجندته، حين لم يذكر الشيخ أو يشيد بأي من الإيجابيات الأخرى التي كان يتمناها إبان عمله الدعوي، وحين تراجع في بعض دعواته، اتّهم من الطرفين، بينما لم يكن الشيخ القرني هو الضحية، إنّما المجتمع الذي يحكمُ بالأفكار وبنظريات أشخاصٍ يتبنون مسائل لا تقبل الحركة ولا تتماشى مع حاجة العصر، لأن المسائل في النهاية تنتهي كما انتهت إليه مهمة عائض القرني بالانطواء وترك الجمل بما حمل!
وإذا كان القرني صاحب أقصر فتوى مرت علينا، فإنه أيضاً سيُحسب له أنه واحدٌ من الناس رأى الدنيا كما هي، لكنّه حوصر في مسائل أخرى تجبره على ارتداء (بشت) التشدد، ولذلك فضّل العودة إلى أدبه وثقافته وحياته الخاصة، التي لن يوقفه بعدها أحد أو يُشهّر به أو يمارس عليه ضغط التراجع في مثل تلك القضايا المعلقة لدينا والمدموغة بختمنا الاجتماعي لوحدنا، كقيادة المرأة للسيارة وغيرها من المسائل الأخرى.
وقبل أن يتوارى صيت هذه الشخصية المثيرة فإنني أركّز على إيجابية الحوار الذي لم ينتهِ، وردهات الأبواب للحوار التي فتحت لمزيدٍ من ترطيب التشدد والاحتقان، لكنها في الأساس مغلقة وتسمع ربما من آذان واحدة، لأن الاستعداد المنطقي والذهني لم يكن مهيأً، ولن يتهيأ إلا بمزيدٍ من التركيز على إذابة الجليد في قضايا مفصليّة مهمة في الحياة، لا يمكن لها أن تذوب وتتماهى مع الواقع إلا بقراراتٍ سياسية، لا يجب أن تترك لأحدٍ، حتى لا تغيب مهمة البناء الجديد وتترك لكل من أراد أن يُوقف القطار في محطة منفية عن كل هدير العالم، والدليل على هذا هو قرار الشيخ القرني الذي يؤكد بما لاشك فيه أن الكرة الملتهبة لا تزال تتقاذف في زوايا المجتمع، دون أيما هدف إيجابي واحد!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved