ربما يكون من المتفق عليه أننا بحاجة ماسة جداً لتطوير قطاع الصناعة باعتباره أحد أهم القطاعات التي ينتظر أن تقود التنمية الوطنية في المستقبل خاصة بعد أن أثبتت التجارب العلمية والعملية أن من المستحيل تحويل هذه الصحراء المشتكية من ندرة المياه إلى مساحات زراعية ذات جدوى اقتصادية دون أن يتسبب ذلك في التضحية بأهم مصدر نادر وهو المياه. وربما أيضاً يكون من المتفق عليه أننا بحاجة ماسة لتهيئة البنية التحتية اللازمة لتشجيع الصناعات الوطنية على تجاوز المرحلة الأولية التي تتسم عادة بارتفاع التكاليف الثابتة وارتفاع حالة اللايقين حيال مستقبل المنتج الصناعي المزمع إنتاجه. هذا المتفق عليه يقودنا إلى القول إننا ومنذ إنشاء هيئة المدن الصناعية كنا نتطلع إلى أن تقوم هذه الهيئة بدورها ليس فقط في مجال الإشراف على المدن الصناعية أو في مجال عقد اللقاءات المتكررة لشحذ رجال الأعمال للقيام بتطوير المدن الصناعية على طريقة البناء - التشغيل - نقل الملكية POT ، ولكن أيضاً في مجال تطوير المدن ذاتياً وتقديمها جاهزة مكتملة إلى رجال الأعمال كفرص صناعية قابلة للانطلاق. الغريب في الأمر أن عجز الهيئة عن تمويل عمليات التطوير قادها بالفعل إلى أن تكون هامشية أو غير فاعلة في المسيرة الصناعية على خلاف ما أريد لها أن تكون، وجردها من قدرتها على توزيع وإعادة توزيع التنمية الصناعية وفقاً لما تقتضيه المصلحة الوطنية ويحقق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة. بعبارة أخرى: كان الوطن يتطلع إلى أن تسهم هذه الهيئة في تنمية المدن الصناعية في المناطق الأقل نمواً كإجراء مهم لتنمية تلك المناطق وفك الاختناق عن المناطق الرئيسة التي أصبحت مهددة بالاختناقات السكنية والمرورية ومعرضة للتداعيات البيئية، وكان الوطن ينتظر قيام هذه الهيئة بدور فاعل في إعادة توزيع التنمية بما يحقق الاستقرار المجتمعي والاقتصادي في المناطق النائية حماية للوطن وتركيزاً لمبدأ الوطنية على كافة أرجاء الوطن، إلا أنها - للأسف - ظلت حبيسة إمكاناتها المحدودة وصلاحياتها المقيدة التي أفقدتها هذا الدور وحطمت التطلع الوطني لها كمحرك فاعل للتنمية الصناعية. وفي اعتقادي أننا إذا فشلنا في استغلال الظروف الحالية التي يعيش فيها الوطن حالة من الوفرة المالية نتيجة لارتفاع الإيراد الحكومي النفطي لدعم هذه الهيئة وتقوية إمكاناتها الفنية والمالية لتقوم بدورها المطلوب، فإننا بلا شك سنجد أنفسنا نسهم في زيادة التعقيدات المجتمعية في المناطق الرئيسة بما فيها التداعيات الأمنية والبيئية الخطيرة، ونسهم في إضعاف قدرات اقتصادنا الوطني نتيجة لعدم قدرتنا على استغلال الفرص الاستثمارية والصناعية المتاحة في المناطق الأقل نمواً. ولعلي أشير هناك إلى المناطق الأقل نمواً انها تحتاج إلى تنمية مدنها الصناعية أكثر من حاجتها إلى فرق البحث الاجتماعي التي تتوافر لتقدير احتياج الفقراء وأكثر من حاجتها إلى مكاتب الضمان الاجتماعي لأن تنمية المدن الصناعية لا تؤدي فقط إلى استغلال المتاح من المواد الخام ولكنها تقود إلى تغيير تركيبة المجتمع المحيط من مجتمع يعتمد على الضمان الاجتماعي ويشتكي من ارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الهجرة الجماعية إلى مجتمع عامل من خلال فرص العمل الهائلة التي يوفرها الازدهار الصناعي في المنطقة. كل ما نتمناه ونحن على مشارف العراك التجاري العالمي أن نشاهد هيئة المدن الصناعية ناشطة في مجالها بعيدة عن التعقيدات البيروقراطية التي لا تخدم المصلحة ولا تحقق الهدف المنشود.. فهل يتحقق ذلك؟ الله أعلم. إشارة في اللقاء الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية بجدة طالب بعض الحضور بإغلاق هيئة المدن الصناعية لعجزها عن القيام بواجبها ولافتقارها لآليات تفعيل الدور المطلوب، وهنا أضم صوتي إلى صوتهم إذا استمرت على حالها لأنها أصبحت في حرج شديد مع ذاتها أمام الوطن والمواطنين..
|