* موسكو - سعيد طانيوس: أجمعت الآراء الرسمية والسياسية في روسيا، على اعتبار القمة الاستثنائية الثالثة لمنظمة المؤتمر الإسلامي المقرر عقدها في مكة المكرمة يومي السابع والثامن من ديسمبر الجاري, قمة مصيرية هامة، ولا سيما بعد إعلان وزير الخارجية السعودي، سمو الأمير سعود الفيصل، أن هذه القمة ستبحث خطة عشرية وضعها علماء الأمة لإعادة بناء البيت الإسلامي. (الجزيرة) استفتت عدداً من آراء المسؤولين الرسميين والسياسيين الروس حول تقديراتهم لهذه القمة الاستثنائية وتوقعاتهم للنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، خصوصاً أن روسيا أصبحت تتمتع بوضع مراقب فريد في منطمة المؤتمر الإسلامي، وهي تسعى جاهدة لتعزيز علاقاتها مع هذه المنظمة ومع الدول المنضوية تحت لوائها، على اعتبار أن الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في روسيا، إذ إن أكثر من 20 مليون مواطن روسي يعتنقون الدين الحنيف، من جهة أولى، ومن جهة ثانية، فإن الكرملين يميل إلى الاعتقاد أن تعزيز علاقاته وروابطه مع منطمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية عامة، من شأنه أن يخفف من شأو النزعات الانفصالية التي ظهرت في منطقة القوقاز التي يدين معظم سكانها بالإسلام، وأن يجفف مصادر تمويل القوى المناهضة لروسيا في هذه المنطقة التي تعتبر خاصرة روسية هامة وموجعة في نفس الوقت. وفي أغسطس عام 2003 أعلن في أثناء الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ماليزيا نهج التقارب بين موسكو ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وقوبلت مبادرة بوتين بالحماس في منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي أكتوبر عام 2003 شارك الرئيس الروسي بصفة ضيف في قمة المنظمة التي عقدت في ماليزيا أيضاً. ويومذاك أعلن عن نية موسكو في الحصول على وضع مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي. لكن انبثقت مشكلة فنية ? إذ لم تحصل أي بلاد على مثل هذا الوضع في المنظمة، دون أن تتوفر لديها النية للانضمام لاحقاً إليها كعضو كامل الحقوق.وفي النتيجة وبعد مشاورات طويلة مع ممثلي الأقطار الإسلامية حصلت روسيا في لقاء وزراء خارجية البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في اليمن في يونيو عام 2005 على وضع المراقب المنشود. ويشير الدبلوماسيون في روسيا قائلين: (إننا حققنا بنتيجة الاتصالات المستمرة مع العالم الإسلامي التفاهم المتبادل حول الشأن الشيشاني، وأغلقت قنوات كثيرة لورود الأموال إلى المنظمات الإنفصالية، العاملة في أراضي روسيا). ولهذا فإن إقامة صلات وثيقة بين موسكو والعالم الإسلامي هي مسألة تتعلق بالدرجة الأولى بسياسة ومصالح روسيا الداخلية. وتنخرط روسيا شيئاً فشيئاً في المجال الإسلامي. وهذا شيء طبيعي. إذ يقطن في البلاد حوالي 20 مليون مسلم، وتتطور الأمة الإسلامية فيها بصورة ديناميكية جداً. وقد أعقبت الصحوة الإسلامية في روسيا عملية تشكيل هوية المسلمين الروس كقوة سياسية, إذ إنهم يصبون إلى أن يصبحوا لاعبين مستقلين ومتنفذين على الساحة السياسية للبلاد. وفي خلال العام الأخير فقط ظهرت في روسيا عدة منظمات اجتماعية إسلامية فاعلة. واعتبر فينيامين بوبوف، سفير المهام الخاصة المكلف بالعلاقات الروسية مع منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية الدولية في حديث مع (الجزيرة) أن القمة الاستثنائية لمنطمة المؤتمر الاسلامي المقرر عقدها في مكة المكرمة هي قمة مفصلية هامة في تاريخ هذه المنطمة، نسبة للظروف الدولية والإقليمية التي تعقد فيها, ونسبة لجدول الأعمال الهام المطروح أمامها. وأضاف (إذا ما كنا نريد الحؤول دون تقسيم العالم وفق المبدأ الديني- الحضاري ، وهذا الاتجاه موجود إذ يحاول المتطرفون من كل الأنحاء دفعنا إلى ذلك، فيجب علينا عمل كل ما في وسعنا من أجل إجراء حوار بين الحضارات. وبوسع روسيا أن تسهم برصيد ملموس في ذلك، لأن التعامل بين الطوائف يجري هنا على مدى أكثر من ألف عام.وأشار بوبوف إلى أن الأمة الإسلامية تمر في الوقت الراهن في منعطفات حادة وهامة في الوقت نفسه، لذلك فإن التضامن والتعاضد بين مكونات هذه الأمة مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، على أساس أن ذلك من شأنه أن يوحد كلمة المسلمين ويقوي مواقعهم سواء في مواجهة الخارج أو في مواجهة القوى المتطرفة التي تتخذ من الإسلام غطاء بعملياتها المستنكرة. وقال مسؤول رفيع في الخارجية الروسية ل (الجزيرة) إن موسكو تعلق آمالاً كبيرةً على النتائج التي يمكن لهذه القمة أن تتمخض عنها، خاصة أن المواضيع المطروحة على جدول أعمالها ليست مواضيع عادية بسيطة، بل مسائل مصيرية يترتب على حلّها الكثير من مستقبل الأمور، لأن إعادة ترتيب البيت الإسلامي من الداخل لا يمكن إلا أن يصب في خدمة الأمة الإسلامية وجميع المسلمين في العالم، وهذا من شأنه أن يشجع قيام عالم متعدد الأقطاب لا تنحصر فيه المسؤولية عن العالم وما يدور فيه بقطب وحيد أوحد. وأشار هذا الدبلوماسي الروسي الرفيع إلى أن النتائج المرتقبة لهذه القمة لا بد أن تؤثر إيجاباً على الوضع في العراق، وأن تعطي دفعاً جديداً لعملية التسوية في فلسطين على أساس خطة (خارطة الطريق) والقرارات الدولية ذات الصلة، وأمل أن يتوصل الزعماء والقادة المسلمون في هذه القمة إلى قرارات من شأنها تخفيف الضغوط التي تمارس على سوريا وعدد من الدول العربية والإسلامية.
|