اطلعت كغيري من قرّاء جريدة الجميع جريدة الجزيرة، على مقال لمعالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي الذي نُشر يوم السبت الموافق 17-10-1426هـ العدد 12105 يناقش من خلاله ما تطرّق له بعض الكتّاب حول تحوُّل العشق شبه الجماعي لإنجازات ومنهج الدكتور القصيبي إلى كُره شبه جماعي أيضاً. ولقد لفت نظري كثيراً محاولة معالي الوزير تفسير هذا التحوُّل بالمسئولية العملية التي تفرض عليه اتخاذ القرارات التي تحقق الأهداف الوطنية ولا تحظى بقبول ممن يطالهم نطاقها التطبيقي، متجاهلاً - في نظري - بعض المسببات التي قد تكون غائبة عن معاليه أو قد تكون تهمة لا ناقة له ولا جمل بها. ولعلِّي في هذا السياق أتداخل عن بُعد مستعرضاً بعض المسببات التي أرى أنّها قد جعلت من وزارة العمل بشكل عام ووزيرها الموقّر بشكل خاص محل عتب البعض، ولن أقول البغض، لأنّ رجلاً مثل الدكتور القصيبي قدّم الكثير للوطن يستحق الحب والتقدير. أول هذه المسببات التي أتمنى أن يشاركني معاليه هي أنّه يتعامل مع متغيّر يطال مصادر دخل الكثير من المواطنين وعليه بالتالي توقُّع العتب عندما يتخذ قراراً يعاكس رغباتهم ويتعرّض لمستقبلهم الاقتصادي .. فإذا كان المواطن قد اتخذ في الماضي قراره الاستثماري وفق متغيرات محددة، فإنّ التغيّرات غير المتوقّعة التي تلجأ لها وزارة العمل بين الحين والآخر، قد تسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية طائلة لا بد لمن يكتوي بنارها أن يعتب على ويعاتب المتسببين في ذلك .. وهنا لعلِّي أذكر معالي الوزير بأنّ الكثير من حياتنا الاقتصادية هي في الواقع نتاج لثقافة خلّفها ماضينا الاقتصادي والإداري الذي لا يتوافق بشكل كبير مع معطيات الواقع، وبالتالي فإنّ إحداث التغيُّرات الهيكلية يتطلّب تدرُّجاً مرحلياً يأخذ في الاعتبار الأخطاء الإدارية السابقة التي شكّلت هذا الواقع وزادت من حدّة تأثُّره بالتغييرات الجديدة التي تفرضها مستجداتنا الاقتصادية .. وثاني أسباب التحوٌّل في نظري هو أنّ إحداث التغييرات المفاجئة لا يفترض أن يصاحبه لغة حادة تستمد قوّتها من الصلاحيات الإدارية الممنوحة وتتجاهل الانعكاسات التي قد تصيب العمود الفقري للمستثمر السعودي .. بعبارة أخرى .. ليس من المقبول إطلاقاً أن نُخضع رجال الأعمال والقطاع الخاص بشكل عام لحالة من الخوف المستمر نتيجة لرغبة المسئولين في وزارة العمل تحقيق نجاحات ملموسة وسريعة في مرحلة زمنية محددة، خاصة إذا علمنا أنّ هذا القطاع وأولئك المستثمرين قد تصرّفوا في وضح النهار ووفقاً للنظام عندما قدّموا دراساتهم لإقامة استثماراتهم العملاقة وخاصة إذا علمنا أنّه من غير المعقول جداً أن تتغيّر وتتبدّل السياسات الاستراتيجية بتبدُّل المسئولين. ومن هذا المنطلق أرى إذا استحسن معالي وزير العمل أن يحد من تدافع المسئولين في وزارة العمل على التصاريح الإعلامية التي تساهم في إرباك القرارات الاقتصادية ولا يخدم بعضها المصلحة العامة. وأخيراً أجد أنّ من مسبِّبات البغض الذي يحاول معاليه عدم الاعتراف به، هو شعور الوزارة في عصره بأنّها تمتلك القوة الجبرية التي تساعدها على تنفيذ قراراته دون حاجة إلى استجداء الآخرين وخاصة رجال الأعمال، وهذا بطبيعة الحال لا يخدم المصلحة ولا يحقق الأهداف. فقد يكون من الممكن تحقيق الأهداف دون اللجوء إلى التهديدات التي يطلقها بعض مسئولي الوزارة، وقد يكون من المصلحة أن نتفق مع القطاع الخاص على استراتيجية وطنية طويلة الأجل لتحقيق الأهداف الوطنية في سوق العمل، ولكنه أيضا من غير الممكن أن يلزم هذا القطاع بتعليمات وقرارات لا تتناسب والتحوُّل التدريجي المنطقي تجاه عنصر العمل الوطني، ومن غير الممكن أن نهمل مصلحة هذا القطاع ونُغلب مصلحة عنصر العمل السعودي دون أن يكون هذا العنصر مهيئاً مهارياً وثقافياً للعمل في القطاع الخاص، ومن غير الممكن أن يتحمّل القطاع الخاص أخطاء وزارة العمل التي ما زالت عاجزة عن فرض خاصية الاستقرار المفقودة لدى عنصر العمل السعودي، وما زالت عاجزة عن إلزام هذا العنصر بعقد عمل محدد الشروط ومعلوم المدة الزمنية التي يلتزم بها الطرفان. بشكل عام أعتقد أنّ الكُره - إن حصل - هو نتيجة لغياب الآلية المناسبة التي تحقق الهدف بشكل تدريجي وتهيئ في هذا السبيل كلّ المعطيات المناسبة وفي مقدِّمتها بالطّبع مدى ملاءمة عنصر العمل للقيام بمهامه العملية وفق سلوك القطاع الخاص لا وفق معايير العمل في القطاع العام .. أُمنياتي لمعالي الوزير بالنجاح في تحقيق أهدافه الوطنية بأقل الخسائر الاجتماعية والاقتصادية والإدارية.
|