|
انت في "الاقتصادية" |
|
على الرغم من تأخر انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية، إلا أن النجاحات الجديدة جعلت من هذا الهدف الهام قاب قوسين أو أدنى إذ لم يتبقَ سوى الإجراءات التظاهرية الرسمية التي عادة ما تأخذ البعد الاحتفالي الإعلامي أكثر من كونها عقبات قد تحول دون تحقيق الهدف، وإذا كنا بالفعل قد بدأنا في الاحتفال بهذا الإنجاز تجاوباً مع المحفزات العاطفية الوطنية، فإننا لا بد أن نعي بأن ما تحقق لا يمثل سوى خطوة على الطريق الصعب الذي تحفه الكثير من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية ما لم نكن قادرين على تشغيل المحركات العقلية والمنطقية بمعدلات متسارعة لتهيئة الاقتصاد الوطني بشكل مناسب حتى يكون قادراً على تحقيق المزايا العديدة التي تترتب على الانضمام إلى هذه المنظمة العالمية، فمن المعلوم أن عضوية هذه المنظمة تعني اتساع دائرة المنافسة بعد إزالة الحماية الجمركية وتفعيل مبدأ معاملة المنتج الأجنبي معاملة المنتج الوطني وتعني حرية حركة موردي الخدمة عبر الحدود الدولية مما سيزيد من مساحة المنافسة على تلبية الطلب المحلي على السلع والخدمات بغض النظر عن مصدر ومكان إنتاجها، وهذا يعني أننا حتى نستطيع المحافظة على نصيبنا من السوق المحلي والنفاذ بشكل أكبر إلى الأسواق العالمية نحتاج أولاً إلى سرعة إجراء جراحة عاجلة على مكونات ثقافتنا الاقتصادية لتتخلص من عقد البيروقراطية والبيروقراطيين ولتتناسب ومعطيات الاقتصاد العالمي الجديد الذي يكفل البقاء فقط للمنتج الكفء القادر على تطوير الذات وتحسين آليات الإنتاج بكفاءة عالية وبمعدلات متسارعة، كما نحتاج لنكون قادرين على مواجهة المستجدات الاقتصادية الجديدة إلى إعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في تصميم وتنفيذ سياساتنا الاقتصادية الجديدة ولإجراء التعديلات المطلوبة على سياساتنا القائمة لكونه الأكثر قدرة على فهم اقتصاديات السوق وما يرتبط بها من مؤشرات مختلفة، بعبارة أخرى، نحن في مرحلة اقتصادية جديدة تتطلب التعامل مع متغيرات السوق بمنهجية اقتصادية تقوم على فهم مبدأ المنافسة الكاملة أو شبه الكاملة واتخاذ القرارات بشكل سريع يتناسب مع توجهات السوق وهذا لا يتحقق إطلاقاً في ظل واقعنا الحالي الذي يعطي هذه المهمة لمسؤولي القطاع العام الذين لا يمتلكون الدراية الكافية والخبرة المناسبة لفهم آليات السوق والذين - على الأقل البعض منهم - يتلذذون بوضع العراقيل الإدارية أمام المستثمرين دون إدراك لأهمية الوقت ودون مراعاة للواقع الاقتصادي الإقليمي والعالمي الذي يستفيد كثيراً من وجود مثل هذه العقلية الإدارية لدينا لإغراء رأس المال والمستثمر الوطني، فإذا كنا في الوقت الحاضر وقبل الانضمام إلى المنظمة العالمية نعاني كثيراً من هذه البيروقراطية وهؤلاء البيروقراطيين، فإننا بلا جدال سنكتوي بنارهم بعد الانضمام ما لم تكن لدينا الشجاعة الإجرائية لتحييدهم أو استبدالهم بمن هو قادر على التعامل مع المستثمر الوطني والأجنبي بعقلية وثقافة القطاع الخاص، وفي اعتقادي أننا في هذا الوقت بالذات لم يعد لدينا خياراً آخر سوى استقطاب بعض العقول المميزة التي ليدها خبرة كافية في القطاع الخاص ومنحهم الفرصة لإدارة بعض الوزارات والأجهزة الحكومية ذات العلاقة حتى تكون قراراتهم وإجراءاتهم متلائمة مع متطلبات السوق وحتى نتجاوز مخاطر الانضمام الذي سيكشفنا بشكل أكبر للاقتصاد العالمي ويعرض منتجاتنا الوطنية لمنافسة مباشرة مع المنتجات العالمية، فإذا كنا نعد الانضمام إلى المنظمة العالمية منجزاً وطنياً؛ فإنني شخصياً أرى أن ما تحقق ليس إلا السهل من الطريق الصعب ويبقى المنجز الوطني الحقيقي متوقفاً على مدى قدرتنا على فهم الوقع الجديد واختيار الكفاءات الإدارية التي تقود اقتصادنا الوطني بعقلية الاقتصاد العالمي المفتوح بدلاً من البيروقراطية الطاردة للاستثمارات الوطنية، فهل يتحقق ذلك.. الله أعلم. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |