Friday 4th November,200512090العددالجمعة 2 ,شوال 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الشباب أمانة (2-2)الشباب أمانة (2-2)
د. محمد بن سعد الشويعر

إذا أدركنا جزءاً من الأمانة نحو الشباب، من الأبوين ودورهما المستمد من شريعة الإسلام ومصدريها: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من مسؤولية كبيرة نحو أولادهما: بنين وبنات في التربية والتعليم والقدوة الصالحة التي يأخذونها تقليداً، وحسن أدب، حيث يتعلمون الخير وكل أمر نافع، ويدركون الشر وكل أمر ضار بما عُوّدوا عليه في النشأة والتدرج العمري لكل منهما.. وإذ نوضح شيئاً معيناً، ونحن نودع رمضان، فلعل الله أن ينفع بالعلم وبالدعوة نقول: إلا أن الخصوصيات لكل منهما، فيما يتعلق بالأخلاق والأمور ذات الحساسية، يحسن بالأدب مراعاتها وأن ينزل لمستوى الأبناء تدريجياً ليعلمهم نظرة التربية الإسلامية في ذلك، وفق شرع الله الذي شرع لعباده حتى يكبح الابن جماح شهواته بعد إدراكه لذلك الأمر، وفق التقدم في السن.. وما ذلك إلا أن سن البلوغ يعطي الجسم تحولات (فسيولوجية) يحسن الاستعداد لها، مع تهيئة الشاب لآثارها، لتوجيهها للمسار السليم.
فهذا يتعلق بخصوصية الأبناء، وما يجب على الآباء من أمانة التوعية، وأخذ الأهبة بعلاج ناجح، قبل وصول الابن أو عند وصوله لهذه المرحلة؛ لأن الوقاية خير من العلاج.
وللأم خصوصية مع البنات، والدخول إلى أعماق قلوبهن، دون حياء أو مواربة، بتعليمهن ما هن مقبلات عليه، عند المشارف، أو مع بوادر العلامات، حتى تتهيأ البنت نفسياً وبدنياً، بالعلم والتوجيه لما طرأ أو سيطرأ على تركيبها الجسماني، من تحول يغيرها من طفلة إلى فتاة ثم إلى أم تتحمل مسؤوليتها في الحياة، وما يجب عليها أن تسلكه وفق تعليمات دينها: طهارة وتعبداً، ومحافظة ونبذاً لكل أمر لم يكن عليه خاتم النبوة، وتعاليم شرع الله.
وقد يكون من الحرص والأمانة، عند النزول إلى مستويات الأبناء والبنات، أن تساق التجارب التي مر بها كل من الأبوين: الأب للأبناء والأم للبنات، عندما مرا بهذه المرحلة، وهذا مثل الملح في الطعام، من باب تقريب المعقول بالمحسوس، وابعاد الخجل عن الأبناء، حتى يطرحوا الأسئلة ويزودوا بالجواب السليم؛ إذ لا حياء في الدين، مع تزويدهم ببعض الكتب الفقهية في أمور العبادات وغيرها، وشرح ما يغمض عليهم، حسب الخصوصية المنوه عنها.
وعلينا أن نلحظ أن منشأ الغلو والتطرف عند الشباب، الذي نشأ عنه بلبلة فكرية، بعدما كبرت مداركهم، وبدأت تتسع معارفهم، نتج عن إهمال الرقابة عليهم، وعدم النفاذ لعقولهم في فترة المراهقة، وفي مرحلة تعليمية معينة ما بين الثانوية حتى الانتهاء من الجامعة.
ذلك أن هذه المرحلة تعتبر انقلاباً في مفاهيم الشباب لما حولهم من مؤثرات اعلامية، وقنوات فضائية وغيرها، لما يبث فيها من أفكار منحرفة، وفتاوى ضالة، ينخدع بها من كانت قاعدته الأساسية في التوجيه والرعاية هشة، ومن كان فكره خاوياً، حيث يستعد لتلقي أي فكر وأية فتوى تعرض عليه بأسلوب معسول، ومقارنات مغرية، فتجد الأيدي الآثمة، ذات النوايا الخفية، ميداناً تجول فيه، عندما تنفتح أذهان نوعيات من الشباب أمامهم - من الفاشلين في الدراسة ومن العاطلين عن العمل ومن الذين أهمل أولياؤهم الرقابة عليهم - وممن غفلت عنهم المدرسة والبيت: تعليماً ومتابعة.. وغيرهم.
هؤلاء العينات من شرائح الشباب سواء كانوا على مقاعد الدراسة أو عاطلين عن العمل أو فاشلين في الدراسة يجب الحرص على أداء الأمانة تجاههم، والاستحواذ عليهم حتى لا يكونوا تبعاً يتلقفهم أصحاب الأهواء والفكر المنحرف. فبالنسبة للعاطلين عن العمل، يجب معالجة أمرهم عاجلاً، بشغل فراغهم وذلك بأعمال حكومية تهيئها الدولة حسب مستوياتهم بأعمال في المؤسسات والشركات تفرضها الحكومة على الجهات التي تستوعب أعداداً كبيرة من العمالة الأجنبية ليحل المواطن بدل الوافد.
وهاتان الحالتان تستلزمان إيجاد معاهد تدريبية، في جميع أنحاء المملكة يتضافر التخطيط لها وتمويلها بين الميدان الخاص والميدان الحكومي، ولا يكون البرنامج موحداً، بل يجب أن يراعى في كل منطقة ما تحتاجه.
ولنضرب نموذجاً لاستقصاء حرف كثيرة استحوذت عليها العمالة الأجنبية، وتستوعب أعداداً كبيرة من الأيدي العامة مثل: تصليح الساعات، وتعرف عددهم بزيارة وكلاء الساعات الشهيرة، ومثل أعمال الكهرباء والسباكة والنجارة وتصليح السيارات، وأجهزة الكمبيوتر، والهاتف، وغيرها من الحرف اليدوية التي تكاثرت عملاً وتصليحاً وصيانة، ويجعل لهؤلاء (كادر) في التعيين وسلم في الارتقاء ليشعر الشباب بأن هناك أيدي ترعاهم وقلوباً تحنو عليهم وأعمالاً تهيأ لهم تحت شعار: صنعة في اليد أمان من الفقر.أما من كانوا على مقاعد الدراسة في المرحلتين الثانوية والجامعية، فإن مما يحزنهم ويصيب بعضهم بالإحباط مقابلتهم من بعض المسؤولين كما يطفح في الصحف، بعد أن جدوا واجتهدوا بالقول: لسنا مسؤولين عن تعيينهم، ولا تهيئة مكان العمل لهم. إن هذه المقولة، تفتح فرصة للعدو لينفذ بادعاءاته وأفكاره، وتولد عن الشباب انعكاساً فكرياً وحقداً. وهذا ليس بحل، بل يزيد النار اشتعالاً، كيف يواصلون الدراسة سنوات طويلة ثم نرى صورهم في الصحف طوابير يستجدون من هنا وهناك.. إنهم في حاجة لمن يسمع لهم، ويستجيب لمطالبهم أو يعدهم على الأقل حتى ينتظروا بأمل.
وفي نظري الحل لهؤلاء من جوانب: فمثلا المؤهلون تربوياً.. حيث ميدانهم التعليم، يحسن دراسة الوضع على مستويات مختلفة بالتعيين المؤقت وبالمكافأة، على أن تحتسب الخدمة لهم في المدارس الحكومية والأهلية، خاصة أن مما أقلق بعضهم أن جمعاً من المتعاقدين بقوا بأعمالهم، بحجة ذكرت في بعض الصحف: بأن هذا اثبت للتعليم.
وأن يُدرس مستقبلاً موضوعان: الأول: إيجاد دراسة دقيقة بحاجة التعليم سنوياً للمعلمين، فيتم القبول للدراسة وفق هذه.
الثاني: أن تتبنى الدولة، ضمن مسؤولية الضمان الاجتماعي أو أي مسمى يحفظ ماء الوجه، لأمثال هؤلاء الشباب حسب مستوياتهم، إعطاء كل من لم يجد عملاً مكافأة ضمانية شهرية، حتى يجد عملاً، فتُقطع عنه بعد حصوله على العمل.. كما هو موجود في الدول الأوروبية خاصة وغيرها؛ لما في ذلك من ضمان لاستقرار نفسيتهم، وعدم دفعهم إلى الجريمة، أو الانجذاب إلى الأفكار الهدامة، والأيدي الآثمة الحاقدة على هذه البلاد وولاتها، إلى أن تسعى الجهات ذات الاختصاص بتوفير العمل لهم المستقر المريح.. والشاعر العربي سبقنا بقوله:


إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة

فقد يفتح للشاب والشابة مجال للخبرة، لكنه مقيد بشروط ضارة بالأمة وبالمجتمع: فكرياً وعملياً.. ومعروف أن الوقاية يجب أن تسبق العلاج. وإذا كانت النفائس والممتلكات، يحرص صاحبها على حمايتها بالخزائن الحديدية، والصناديق المحكمة، فإن الإسلام قد حرص على حفظ الشباب عقولهم وعقائهم، منذ النشأة، وتعليمهم ومتابعتهم عند البلوغ وبعده، وكل من أنيط به رعايتهم عليه مسؤولية وفي عنقه أمانة نحوهم، حتى يسلم المجتمع، وتستقيم أحوال الأمة.. والموضوع لا يكفيه عرض مثل هذا.
ولقد توسعت في كتابيّ: الشباب والتيارات المعاصرة، والإرهاب: نشأته وعلاجه.. كما عالج الموضوع غيري، كل بجهده؛ شعوراً بالمسؤولية, ومساهمة في العلاج.. والتوفيق من الله.. وما أحسن قول الشاعر:


وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
إن هبت الريح على بعضهم
لم تنطبق عيني من الغمض

من فضائل ابن عمر:
عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، من فضلاء الصحابة ومن شباب المسلمين، فقد أسلم صغيراً، وجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما مات رسول الله كان عمره يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم (22) اثنين وعشرين سنة. ذكر ابن كثير في تاريخه عندما مات عام 74هـ ومن ذلك قوله:
أسلم ولم يبلغ الحلم، وهاجر وعمره عشر سنين، وأجازه رسول الله للحرب يوم الخندق وهو ابن خمسة عشر، فشهدها وما بعدها، وهو شقيق حفصة زوجة النبي الكريم، ومن خصاله: أنه كان يتوضأ لكل صلاة، ويدخل الماء في أصول عينيه، وقد أراده عثمان على القضاء، فأبى ذلك، وشهد اليرموك والقادسية وما بعدهما من الوقائع والفتوحات الإسلامية.
وكان إذا أعجبه شيء من ماله يقربه إلى الله عز وجل، وكأن عبيده قد عرفوا ذلك منه، فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه عبدالله على تلك الحالة أعتقه، فيقال له: إنهم يخدعونك، فيقول من خدعنا لله انخدعنا له، وكان له جارية يحبها كثيراً، فعتقها وزوجها لمولاه نافع، وقال: إن الله تعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران،
واشترى مرة بعيراً فأعجبه لما ركبه، فقال: يا نافع أدخله في إبل الصدقة، وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف، فقال: أوخيراً من ذلك؟ هو حر لوجه الله. واشترى مرة غلاماً بأربعين ألفاً، واعتقه فقال الغلام: يا مولاي قد أعتقتني، فهب لي شيئاً أعيش به، فأعطاه أربعين ألفاً. واشترى مرة خمسة عبيد، فقام يصلي، فقاموا خلفه يصلون، فقال: لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا: لله. فقال أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم.. والمقصود أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفاً، وكانت تمضي عليه الأيام الكثيرة، والشهر لا يذوق فيه لحماً، إلا وعلى يديه يتيم، وبعث إليه معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع ليزيد، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء، وكان يقول: إني لا أسأل أحداً شيئاً، وما رزقني الله فلا أرده. وكان في مدة الفتنة، لا يأتي أميرا إلا صلى خلفه، وأدى إليه زكاة ماله، وكان يتتبع آثار رسول الله فيصلي فيها، وكان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك الليلة بالصلاة والتسبيح والتهجد.
وقال عنه ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا ابن عمر. (البداية والنهاية 9: 4-5).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved