لا أستغرب من شاعر ألا يدرك نشازا موسيقيا في أغنية ما قد لا يدركه إلا فنان متمكن، فذلك إن لم يوجد فلا لوم عليه لأنه ليس من مهمته، حيث إن الموسيقى يمكن اكتسابها بالتعلم والتلقين بعكس الشعر الذي لا يجيء إلا بالموهبة. ولكن الكارثة الحقيقية أن أغلب من يتعاملون بالموسيقى وبنسبة عالية تتدنى نسبة التذوق الشعري لديهم لدرجة الصفر ولا أستطيع أن أستوعب أن يدرك الفنان نشاز جملة موسيقية أو خللاً في الإيقاع ولا يدرك كسرا (نقصاً) يعادل بكبره هوة بين جبلين أو ثقلاً (زيادة) واضحاً قد تنوء بحمله ظهور الإبل. هناك -ولا أدري من القائل- وقد يكون مطرباً من أطلق عبارة (ليس على المطرب أن يعرب) وقد أقبل هذه العبارة على مضض!! رغم تقززي من غناء الكثير من المواويل بفصيح الشعر، الذي أعطى الحق أن يقول أحد المقهورين: وارى (....) بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا ولكنني لا أقبل أن يعبث الفنان بما يدعي أنه غناء جاء به ليأخذ من وقتي دقائق ربما لو استثمرت على أقل تقدير في غفوة لكان أولى وقد يقول قائل: إذا لم يعجبك ما يغنى فلست مجبراً أن تسمع، وأنا معه في ذلك إذا كان ذلك الفنان يمارس رداءة ذوقه بمعزل عن أسماع الناس التي يجب أن تخصص لها دائرة من الذوق تحمي جمال الفطرة من التشويه والعبث. ومن لديه أدنى شك فيما أقول فليختر أي فنان يخطر على باله من (عاهات الغناء) الجدد أو أساطينه المنقرضين ومن هم في الطريق إلى الانقراض ليجد العجب العجاب، حيث يمر البيت والكلمة النشاز وتغنى دون تردد، وقد يكسر المستقيم من الشعر لعدم معرفته به. أحد الشعراء أعطى لأحد الهواة العرب قصيدة نبطية ليغنيها وكان فيها بيتا يقول (لا تمنعونه لا طلع يمي اعصير) وقد نطقها المطرب (عصير) بفتح العين وبألم وشجن المحب!! وقد لا أستغرب أن يأتي أحدهم ويغني (آه من سود الليالي).. (واحد وخمسين من سود الليالي).. ومن حكايات الفنانين مع الشعر ما يبعث على الضحك والألم والقليل من البهجة.
|