صور من المأساة العراقية

تداعيات المذبحة في غرب العراق، حيث راح العشرات من النساء والأطفال والرجال ضحايا لغارة أمريكية استمرت عدة ساعات، تشمل هذه التداعيات فظائع أخرى لا تقل مأساوية، فقد صوّرت محطات التلفزة رجلاً يائساً يبحث بيديه فقط عن جثث ربما تكون لأبنائه أو أخوته بين الأنقاض. وهو في ذلك المشهد المحبط المأساوي لا يتلقى أي عون من جهة رسمية أو عسكرية وهو ينكب على هذا العمل المضني اليائس لكن الرجل يمضي في بحثه تعصره عوامل الحزن والإصرار على معرفة مصير أحبائه أو على الأقل دفنهم بصورة مشرفة إن تم العثور عليهم.
وتتواصل صور هذه المأساة المتكررة في ذات المنطقة على ذات النهج، حيناً بعد الآخر، بينما يتحدث مسؤول عسكري أمريكي عن تنفيذ ناجح لعملية وصفها بالجراحية في إشارة لدقتها وإصابتها الهدف المحدد، ومع ذلك فهو يقول: إن المستهدفين من قبل القوات الأمريكية دائماً ما يندسون وسط المدنيين، والإشارة هنا واضحة إلى أن سقوط المدنيين قتلى ليس مسؤولية هذه الضربات الجوية، وإنما قد تكون مسؤولية ذلك المسلح أو الإرهابي المطارد أو قد تكون مسؤولية هؤلاء النساء والأطفال الذين تواجدوا ربما في المكان الخطأ أو التوقيت الخطأ.
لكن أين يذهب هؤلاء؟ فهم في بيوتهم يغطون في النوم في منتصف الليل؟؟
وتحت هذه المبررات الواهية تتواصل الجرائم ضد المدنيين، وهي مبررات تحمل على الأسى والألم أكثر من كونها تخفف من وقع الكارثة، ومن الواضح أن لا أحد يهتم حتى بمجرد إبداء عبارات المواساة لسقوط الأعداد الكبيرة من القتلى، بل الأكثر مرارة أن يتحدث المهاجمون عن تحقيق هدف العملية الجراحية الدقيقة مع تجاهل آثارها الكارثية.
إن ما يجري في غرب العراق هو جانب من صورة بلد يرزح تحت الاحتلال، ومن ثم فإن الأولويات تكون دائماً للقوى الأكثر تنفذاً وسطوةً، وإزاء ذلك فإن تكرار هذه المذابح في ذات المنطقة عوضاً عن أنه يعكس التجاهل التام لوقائع تشكلت مع مرور الوقت ومع تزايد الحوادث المماثلة، فإنه يشير أيضاً إلى الاستهداف المقصود لسكان المنطقة، وإلا كيف يمكن التغاضي عن منع تكرار هذه المشاهد المأساوية.. ولن يكون من المفيد على كافة الأصعدة عزل جانب كبير من سكان العراق بمثل هذه المذابح، خصوصاً وسط الحديث الذي يتردد من قبل الساسة على أهمية حضور كافة أبناء العراق ومشاركتهم في العملية السياسية والدستورية المستمرة، التي كان آخر فصولها الموافقة على الدستور من خلال الاستفتاء، بينما لا يزال يتعين إجراء الانتخابات في قادم الأيام.
ومثل هذه الهجمات تكون أدعى للتنفير عن المشاركة في العملية السياسية.