Wednesday 2nd November,200512088العددالاربعاء 30 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

يارايارا
اختراع التاريخ
عبدالله بن بخيت

أتخيل أن هناك كثيراً من العرب يشعر بالمهانة مما يجري في السياسة الدولية. فقد أصدر مجلس الأمن يوم أمس الأول قراراً يلزم سوريا بالتعاون الكامل مع لجنة ملس وهو في طريقه لإصدار مزيد من القرارات حتى نصل إلى القرارات التعجيزية التي تبيح في النهاية خنق سوريا والإجهاز عليها. الذي يقرأ تاريخ السنوات القليلة الماضية يجد أن مجلس الأمن تم تسخيره لملاحقة العرب والتضييق عليهم. فمنذ غزو العراق للكويت والعراق يتلقى قرارات متوالية من مجلس الأمن أدت في النهاية إلى الغزو الأمريكي الغاشم عليه والإطاحة بحكومته. وفي هذه الأثناء تسلى مجلس الأمن أيضا بإصدار عدة قرارات أجبرت ليبيا على تسليم أحد مواطنيها ليقضي بقية عمره في سجن في اسكوتلندا مع دفع مبالغ طائلة لأسر ضحايا طائرة لوكربي ثم التخلي نهائياً عن برنامجها النووي. ويوم أمس الأول صدر القرار الثالث أو الرابع في سلسلة من القرارات تستهدف سوريا ولا يشك أحد أن الهدف النهائي من هذه القرارات هو الانتهاء إلى السيطرة الأمريكية على المنطقة وعلى العالم.
لا يوجد إنسان على الأرض لا يعرف أن أمريكا تريد السيطرة على العالم. شيء نعرفه حتى قبل اكتشاف أمريكا وقيام دولة عظمى هناك. منطق التاريخ أخبرنا دائماً أن الدول الكبرى تتصارع لتبسط نفوذها ومنطقها فهذا هو شأن الإمبراطوريات فليس فيما يجري الآن أي جديد. هناك صيغ متعددة وأدوات مختلفة ولكن النتيجة واحدة على مر العصور. الشيء الذي يختلف دائما هو منطق الدول المستهدفة. هناك من يفهم التاريخ ويتصرف على أساسه وهناك من يرتكب كل الحماقات التي تسمح للدول العظمى إيذاءها وتعطيل التنمية فيها. حيث تجعل من مقدراتها وشعوبها وقوداً لأطماع هذه الدول. لا أظن أن الأمر يحتاج إلى قراءات وفلسفات. إذا قرأنا تاريخ العرب الحديث سنلمح أن هناك شيئاً ما يسحب الأمة العربية والإسلامية من كارثة لكارثة، فالانهيارات التي نشاهدها الآن لم تبدأ الآن. ففي كل تاريخنا الحديث ونحن نردد أن أمتنا تمر بمنعطف تاريخي خطير، حتى أصبحت هذه الكلمة مثاراً للتندر والسخرية. وإذا قرأنا هذا التعبير سنلاحظ أنه في النهاية تعبير مخفف لكلمة انهيار.
في كل مرة يصدر فيها قرار من مجلس الأمن موجه ضد دولة عربية أو إسلامية أتأمل في دول شرق آسيا وأقارن بين ما يجري هناك من صراعات وبين ما يجري على أرضنا. وانتهي إلى أن دول شرق آسيا تمر بمشاكل، تمر بأزمات ولكنها لا تمر بمنعطفات تاريخية. حتى فيتنام الدولة التي تعرضت لواحدة من أطول وأشرس الحروب في العصر الحديث نلاحظ أنها الآن تتصارع مع عدوها القديم الذي أحرق أرضها وقتل ملايين من أبناء شعبها بمنطق التصارع من أجل البناء لا التصارع من أجل تغيير المنطق أو التاريخ أو الرغبة في الانتقام أو الشعور بالمهانة كما لم تتصرف فيتنام أو أي دولة من دول شرق آسيا انها ند للولايات المتحدة أو للغرب في محاولة بائسة (كما نفعل) لاختراع تاريخ (فانتازاي) مواز للتاريخ الذي تسير فيه الإنسانية.
كل دولة من دول شرق آسيا بما في ذلك الصين تعرف حجمها وحدودها وتعرف أن التاريخ لا يمكن الخروج من صيرورته لتغييره وإنما تغييره يتم من داخله. فالعالم الآن يعيش زمن الحضارة الغربية في كل شيء. الغرب يسيطر على كل شيء لا يوجد ما يمكن استثناؤه التكنلوجيا، الثقافة، الوعي، الفن وكل ما يدور في هذا العالم من ثقافات أو تمردات ليس إلا تجليات للثقافة الغربية ومنطق الوعي الغربي. والحضارة الغربية كأي حضارة إنسانية توفر في داخلها مساحة كافية لتحرك الثقافات الأخرى سواء كانت ثقافة ولدت في رحمها أو ثقافة من الثقافات التي صادفتها في الطريق. هناك حضارة واحدة تحكم العالم تتضمن في داخلها ثقافات متعددة كما يحدث اليوم وهذا ما فهمته دول شرق آسيا ورفضنا حتى مجرد التأمل فيه. قبل الحادي عشر من سبتمبر كانت الثقافة الإسلامية تتنامى في داخل المنظومة الغربية وخاصة الولايات المتحدة. وكنا نتفاخر بأن الإسلام ينتشر بسرعة قياسية. لم يكن الغرب غافلاً عن ذلك بل كانت الحكومات الغربية تساهم بنفسها في دعم الحملات الإسلامية وغيرها وفقاً لبنية الحضارة الغربية التي تبيح التعددية وتتجه للإقرار الكامل بحقوق الإنسان والعدالة الإنسانية الشاملة. كل حضارة إنسانية عظيمة في داخلها أرضية تسمح لبذر ثقافة الآخر وتنميتها. ولكننا مع الأسف رفضنا استغلال هذه الفرضية وقررنا كما يبدو اختراع تاريخ (فانتازاي) مواز للتاريخ الحقيقي. وظفنا أكبر كمية من الأوهام لاقناع أنفسنا بأن التاريخ يمكن أن يكون تاريخين وأن العالم يمكن أن يكون عالمين. فدخلنا في صراع مع الوجود نفسه حتى أصبح تاريخنا الحديث مجرد انهيارات سميناها منعطفات تاريخية. وليست قرارات الأمم المتحدة التي نتابعها اليوم بشعور مستمر بالمهانة سوى الوجه السياسي لهذه الانهيارات. الوجه الذي عجزنا أن نرى غيره. لم نفهم أن الإنسان يستطيع أن يحتفظ بدينه وفكره وثقافته ونظرته التاريخية وهو جزء لا يتجزأ من الحضارة المعاصرة. لم نفهم أن الحضارة الغربية تسيطر على العالم وهي في الوقت نفسه حضارة إنسانية شاملة تسير كما سارت كل الحضارات الإنسانية القديمة بما فيها حضارتنا الإسلامية تسير في طريق سعادة الإنسان ورفاهه. والبحث عن السعادة لا بد أن يصادف صراعات وآلاماً لا يوقفها إلا النضج وقبول الأمر الواقع والتعامل معه كما هو.

فاكس : 4702164

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved