* جازان - الحدود اليمنية إبراهيم بكري: في أقصى جنوب غرب المملكة تقع منطقة جازان الحدودية بتضاريسها المختلفة البرية والبحرية والجبلية مع اليمن وبحكم طبيعة سكني في هذه المنطقة الحدودية أصبح من البديهي تلمس المهربات الممنوعة داخل حياتنا اليومية. لم يكن يتبادر في مخيلتي سوى اتهام رجال حرس الحدود بمنطقة جازان بالتقصير والتهاون في حراسة حدود الوطن ربما هذا الاتهام يكون طبيعياً لشخص يجهل طبيعة عملهم على حقيقته !!!! لكن من اليوم بعد مرافقتي لرجال حرس الحدود بمنطقة جازان في جولة ميدانية لتمشيط الشريط الحدودي مع اليمن أدركت مدى عظم المسؤولية وحجم الجهود الجبارة التي تبذل من جنودنا البواسل العيون الساهرة حقاً نفتخر ونتفاخر بإنجازات رجال حرس الحدود.. (الجزيرة) عبر حلقات متصلة تصف كل ما يحدث على الشريط الحدودي السعودي اليمني بحقيقتها من إنجازات ومعاناة تلمسناها في حياة الجندي المجهول.. واقتربنا من المهربين والمتسللين بل شاركنا في عملية كمين فعرفنا تفاصيل الأعمال الدقيقة.. عبر حلقاتنا نسردها بالتفصيل.بداية الجولة انطلقنا من مديرية حرس الحدود بمدينة جازان برفقة النقيب سليمان الغبري في تمام الساعة العاشرة صباحاً يوم الأحد الموافق 27-9- 1426هـ ونحن في الطريق تبادلنا الحديث حول أهمية تعاون المواطن والمقيم مع رجال حرس الحدود لأن المسؤولية مشتركة وأمن الوطن يجب أن يشارك فيه كل مَنْ يعيش على هذه الأرض الطيبة.. مرت ساعة من الزمن.. اقتربنا من الشريط الحدودي ومحطتنا الأولى مركز الحافية التابع لقطاع حرس الحدود بالطوال.. كلما اقتربنا أشعر بفخر وأنا أشاهد ذلك الجندي السعودي يقف وقفة الرجال وعيونه تنظر هنا وهناك.. حرارة الشمس المحرقة وصيامه لم تزده إلا عزيمة ليكون الخط الأول لحراسة أمن الوطن.. اقتربت منه لكي أتشرف بمصافحته بل لشكره على جهده الجبار في حماية أمن الوطن.. من خلال حديثي معه لم أتذكر سوى عين باتت تحرس في سبيل الله.. حقاً جنود ورجال حرس الحدود فهم يستحقون هذا الشرف العظيم وهم يحرسون ويسهرون على أمن وحماية بلاد الحرمين الشريفين. قائد مركز الحافية الملازم أحمد علي جعفر جلس يحدثنا عن أهمية هذا المركز في رصد المتسللين والمهربين وشجاعة رجال حرس الحدود في رصد وتعقب كُلِّ مَنْ يحاول تجاوز الحدود بصورة غير نظامية. عقب ذلك تولى مهمة تحديد مسار الجولة الملازم أول طلال القحطاني رئيس قسم الأمن والاستخبارات بقطاع الطوال فتغيرت وجهتنا من الجنوب الغربي إلى الجنوب الشرقي لنسلك طريقاً حدودياً ممهداً شقه مؤخراً حرس الحدود لتسهيل مهمة مرور الدوريات خاصة أن هذا الطريق كانت وعورته عائقاً كبيراً لإنجاز العمل بشكل أفضل ويعتبر هذا الخط امتداداً لمشاريع حرس الحدود التطويرية خاصة أن اتفاقية ترسيم الحدود وضعت النقاط على الحروف وكل طرف أصبح يعرف حدوده بعلامات وضعتها ورسمتها على أرض الواقع لجان دولية.عقب الاتفاقية أصبحت الظروف مهيئة وصحية لاستحداث مبانٍ ومنشآت ولعل تلك الأبراج العالية التي مازالت في طور الإنشاء الخطوة الأكثر أهمية في توسيع مدى الرؤية والرقابة لمسافات شاسعة. ونحن في جولتنا توقفنا بجوار نقطة حراسة عبارة عن قشٍ رُص فوق بعضه على شكل غرفة دائرية تقي الجنود من حرارة الشمس وعلمنا أن هذه الغرف القشية ذات فعالية كبيرة في تلطيف الجو وخفض درجة الحرارة أفضل بكثير من الخيام التي تمتص الحرارة لمدة خمس دقائق. عاشت (الجزيرة) لحظات بجوار جنود حرس الحدود داخل هذه الغرفة القشية وتمت - من خلال محاورتهم - معرفة طبيعة عملهم ومهماتهم ووجباتهم خاصة عندما يفرض الليل سلطته ويحل الظلام الدامس حيث تمنع الإضاءة لكي لا يعرف المهربون والمتسللون مواقعهم ويستخدمون دربيلاً ليلياً للنظر ويتحسسون السمع، عيونهم لا تذوق النوم، همهم وشغلهم الشاغل السهر على حماية أمن الوطن، بصراحة تتجسد أروع معاني الشجاعة والدور البطولي في شخصية رجل حرس الحدود في هذا الموقف تحديداً.إن هؤلاء الجنود هم الخط الأول لأمن الوطن تركوا كل معاني الرفاهية وتشرفوا بالعيش داخل هذه الغرف القشية التي تنعدم بداخلها أبجديات الحياة لكن لحب الوطن مذاقه الخاص يستشعره هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بكل شيء من أجل الوطن، حسب وصفهم يقولون تكفينا جرعة ماء وقليل من الطعام، ظلمة الليل ووحشته تزيدنا قوة وحرارة الشمس المحرقة تزرع بداخلنا العزيمة، تركناهم بهذه الروح المعنوية العالية لكن قرأنا في أعينهم ملامح للمعاناة سوف نذكرها في الحلقات القادمة. في هذة اللحظات عقارب الساعة تتسابق ويمر الوقت ثلاث ساعات هي عمر جولتنا التي مازالت مستمرة، الساعة الواحدة ظهراً حرارة الشمس لا يمكن وصفها رغبتنا الجامحة لمعرفة المزيد حول طبيعة عمل حرس الحدود بالشريط الحدودي مع اليمن جعلتنا نواصل المسيرة، ونحن خلال الجولة اقتربنا من قرية سعودية تسمى الحثيرة لا يفصل بينها وبين الأراضي اليمنية سوى 100م وعندما توقفنا لرصد المتسللين فجأة رصدنا شخصان يحملان فوق ظهورهما أكياس بداخلها خضراوات وتم تعقبهما والقبض عليهما في البداية تم تفتيشهما ومعرفة محتويات الأكياس وتمت إعادتهما للأراضي اليمنية.. قبل ذلك اقترب محرر الجزيرة منهما وسألهما: لماذا أنتما هنا وماذا تحملان؟؟ أحدهما تولى الأجابة قائلاً: نحن نسكن قرية يمنية تسمى المداحشة تبعد 2كلم من قرية الحثيرة السعودية نستغرق نصف ساعة سيراً على الأقدام للوصول إلى هنا غرضنا الوحيد البحث عن الرزق ولقمة العيش.. نحن يومياً نحضر الخضراوات من اليمن ونبيعها بأسعار زهيدة على سكان قرية الحثيرة السعودية. انتهى كلام المتسلل ورفيقه. رافقنا بالجولة قائد مركز القنبور النقيب حسن الجوهري وقائد مركز الرمضة الملازم عبدالله العتيق وقائد مركز المصفق الملازم محمد الشمراني وقائد مركز المعزاب الملازم أول سعيد العضاضي. وقبل أن نختم تفاصيل جولتنا في هذة الحلقة لا يمكن أن أصف لحظة وصولنا لقيادة حرس الحدود بالطوال حيث شاهدنا أفواجاً من مجهولي الهوية يقدر عددهم بالألوف تم ترحيلهم.. هذا المنظر في الوهلة الأولى يذكرك بأفواج الحجاج والصورة أكثر بلاغة. من جانبه وصف لنا مساعد قائد قطاع الطوال المقدم عيسى حمود سرحان ومدير العمليات الرائد محسن العامري الكثير من آليات العمل ومن أهمها الكاميرات الحرارية التي ترصد المتسللين من بعد 15 كلم في الظلام الدامس التي تعمل بنظام فرق درجة الحرارة. وتم إشعارنا بالعديد من طرق تحايل المهربين، ومنها وضع الحشيش في جوالين العسل وإخفاء الأسلحة بين أقراف القات، وتجد أن المهربين يستخدمون حميراً مدربة على تجاوز الحدود محملة بالممنوعات وغيرها من الطرق التي مهما تحايلوا سيجدون رجل حرس الحدود لهم بالمرصاد. ولعل لغة الأرقام أكبر دليل على حجم الإنجازات وتجسد الجهود الجبارة التي تُبذل في قطاع حرس الحدود بالطوال بمراكزه المختلفة التي ذكرناه، وتشير الإحصائيات بأنه منذ بداية شهر محرم لهذا العام إلى تاريخ 25 من شهر رمضان تم القبض على 174571 متسللاً و 1384187كلجم من القات و 412 سيارة و 12518 لعبة نارية و 83419 كلجم من التنباك و 48776 كلجم من الدخان 2174072 كلجم من الدقيق وعدد 8 أسلحة و 57 ذخيرة 166.5 من الخمور و 442360 ريالاً. الجدير ذكره بأنه بالرغم من سبل ووسائل التهريب تجد أن رجال حرس الحدود أكثر فراسة في معرفة ذلك.. هنا تنتهي الحلقة الأولى ومازالت حلقات (الجزيرة) على الشريط الحدودي السعودي اليمني مستمرة.
|