* القاهرة - مكتب الجزيرة - عبد الله الحصري: بعد مرور 12 عاماً من المفاوضات المعقدة، وبعد التوقيع على 38 اتفاقاً ثنائياً خاصاً بالنفاذ للأسواق باتت السعودية قاب قوسين أو أدنى من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، حينما يعتمد المجلس العمومي لمنظمة التجارة العالمية في الحادي عشر من نوفمبر المقبل وثائق انضمام المملكة إلى المنظمة خلال احتفال رسمي في جنيف، ليتم بعدها الإعلان رسميا عن انضمام المملكة للمنظمة بعد ثلاثين يوما من تاريخ التصديق على الوثائق ، لتصبح المملكة عضوا كامل العضوية خلال المؤتمر الوزاري السادس للمنظمة المقرر عقده من 13 إلى 18 ديسمبر القادم في مدينة هونج كونج. وقد طلبت السعودية لأول مرة الانضمام لمنظمة التجارة العالمية - التي كانت تعرف حينها بالاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة - في عام 1993، حولته في 1995 إلى طلب انضمام إلي منظمة التجارة العالمية، وزاد اهتمامها بذلك بعد أن سعت واشنطن لإبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع كثير من جيران السعودية مثل البحرين وسلطنة عمان والإمارات في إطار خطة لإقامة منطقة إقليمية للتجارة الحرة في الشرق الأوسط بحلول عام 2013 وكان فريق العمل الرسمي المعني بانضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية قد اعتمد وثائق المملكة الخاصة باستحقاقات العضوية خلال الاجتماع الرابع عشر والأخير الذي انعقد مؤخرا بمقر المنظمة في جنيف والذي حضره رؤساء وفود الدول الأعضاء في فريق العمل وعددها 52 دولة. تضمنت وثائق انضمام المملكة جداول التزاماتها في قطاعي السلع والخدمات والتي اتفقت عليها مع الدول الأعضاء في المنظمة على محتوياتها حيث تم التوقيع على 38 اتفاقية ثنائية خاصة بالنفاذ للأسواق وتقرير فريق العمل النهائي إلى جانب بروتوكول الانضمام. وعبر الدكتور هاشم بن عبد الله يماني وزير التجارة والصناعة السعودي عن شكره لفريق العمل السعودي لتوصله لهذه النتائج الحاسمة في مسيرة الانضمام ، مشيرا إلى أن المملكة كانت ولا زالت تؤمن بالاقتصاد الحر ومبادئ المنافسة العادلة والمعاملة الوطنية وحق الدولة الأولى بالرعاية والتي هي من أهم مبادئ منظمة التجارة العالمية لتحصد المملكة المكاسب الناتجة عن فتح الأسواق العالمية أمام الصادرات السعودية وبناء قدراتها وطاقاتها البشرية من خلال زيادة فرص الاستثمار بها خاصة بعد أن تسمح المنظمة للسعودية بتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع بقية دول العالم. ونظرا لأن الدول الراغبة في الحصول على عضوية المنظمة تحتاج إلى موافقة الأعضاء الحاليين للمنظمة ، خاصة اللاعبين الكبار فيها،فقد سعت السعودية إلى إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن اقتصادها المنغلق في السابق بات أكثر انفتاحا على الاستثمارات الأجنبية، كما أن الدول الغربية الكبرى عبرت مرارا عن رغبتها في إيجاد موطئ قدم لعملياتها المالية ومصارفها في المملكة التي تشكل باحتياطيها النفطي الهائل فرص عمل كبرى للمصارف وشركات التأمين. وقد اتسمت مفاوضات السعودية للانضمام إلى منظمة التجارة بتعقيدات كثيرة في مقدمتها التجارة مع إسرائيل والقلق الغربي من الفائدة المصرفية التي تحرمها الشريعة الإسلامية، إضافة إلى ما أثاره المفاوضون السعوديون من اعتراضات في بداية المفاوضات فيما يتعلق بالسماح باستيراد السلع المحظورة دينيا كالكحول ولحم الخنزير والأفلام الفاضحة، إلا أن فريق العمل السعودي تمكن من تجاوز هذه الخطوة باستخدام فقرة في أحكام منظمة التجارة العالمية تسمح بتقييد بعض الواردات بهدف حماية الأخلاق العامة. وكانت السعودية قد وقعت في أول أكتوبر الماضي مع الولايات المتحدة اتفاقا ثنائيا يمهد الطريق إلى انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، ويقضي بأن تفتح السعودية أسواقها أمام مزيد من السلع والخدمات الأمريكية،حيث أعلن روب بورتمان الممثل التجاري الأمريكي في بيان بعد توقيع الاتفاق أنه يمثل إنجازا للبلدين ومنظمة التجارة العالمية، مشيرا إلى أن المملكة ستشهد انفتاحا أكبر ومزيدا من التطوير لحكم القانون وإصلاحات سياسية واقتصادية، مع زيادة التعاون في المسائل الثنائية والمتعددة الأطراف. وأوضح بيان الممثل التجاري الأمريكي أن السعودية وعدت نتيجة لهذا الاتفاق ألا تنفذ جوانب من مقاطعة الجامعة العربية لإسرائيل تنطبق على شركات أمريكية تتعامل مع إسرائيل. وأضاف المكتب أن الرياض تعهدت أيضا بالالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية في تجارتها مع كل أعضاء المنظمة وعددهم 148 عضوا ومنهم إسرائيل. وأكد فريق التفاوض السعودي تقليص الدعم والمعونة الزراعية التي دأبت المملكة علي تقديمها للمزارعين، ومعاملة المزارعين الأمريكيين معاملة المزارع السعودي، مع الحد من الدعم الحكومي لصناديق التنمية ومن أبرزها صندوق التنمية الصناعية والتنمية الزراعية والعقارية وصناديق الاستثمارات العامة، وإلغاء الرسوم الجمركية على نحو 1500 سلعة صناعية وزراعية. كما تناولت المباحثات بين الجانبين قطاع الطاقة والغاز، خاصة فيما يتعلق بالميزة التفضيلية التي تتمتع بها الشركات السعودية في هذا القطاع، وإلغاء هذه الميزة دعماً لصناعات البتروكيماويات والصناعات التحويلية، إضافة إلى مناقشة إصدار المملكة لمواصفات قياسية خاصة في متطلبات الأغذية المحورة وراثياً، وإبراز التقدم الذي حققته المملكة في أنظمة الحماية الفكرية وبراءات الاختراع واللوائح التنفيذية لها، ومدى مطابقتها وتوافقها مع الاتفاقية الدولية للحماية الفكرية، وكذلك تقدمها في تطبيق وتنفيذ اتفاقيتي التدابير الصحية والصحة النباتية واتفاقية العوائق الفنية أمام التجارة. وقال سوباتشاي بانتشباكدي رئيس منظمة التجارة العالمية إن المملكة العربية السعودية حققت قفزة هائلة بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية مشيرا إلى أن الفضل الكبير في هذا يرجع إلى الوزير اليماني لما بذله من طاقة وتصميم في دفع عجلة هذه العملية، وإلى حكومة المملكة العربية السعودية لما أعطته من أولوية كبيرة لتحقيق انضمامها إلى عضوية المنظمة.ويشكل انضمام المملكة العربية السعودية إلى المنظمة شهادة على نجاح نظام التجارة المتعدد الأطراف وعلى كونه ما زال مناسباً اليوم، حيث سبقها انضمام دولتين مجاورتين هما الأردن وعُمان في عام 2000، وقبل عامين، أصبحت الصين التي تشكل رابع أكبر متاجر في العالم عضواً كامل العضوية في المنظمة. والواقع هو أن العضوية في نظام التجارة المتعدد الأطراف ازدادت إلى أكثر من ستة أضعاف ما كانت عليه عند إنشائه في العام 1948. وتشكل الدول الأعضاء فيه 92% من مجموع السكان في العالم و95% من التجارة العالمية.
|