Tuesday 1st November,200512087العددالثلاثاء 29 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

حوادث الأنفاقحوادث الأنفاق
د. موسى بن عيسى العويس / تعليم الرياض

التريث في تناول القضايا والأحداث الساخنة سنّة أخذت بها، فالكتابة تحت ثورة العواطف وغليانها كثيراً ما تحيد عن العقل، وتفضي إلى عدم التوازن، وتفقد الطرح شيئاً من الموضوعية.
صحيح أن المقال ربما يفقد وهجه وقوته إذا فقد تفاعل القارئ، لكن هذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يغير المبدأ الذي قطعته على نفسي، فتأمل الموضوع عبر زوايا عديدة تمنح المعالجة مزيداً من النضج، والمصداقية، والقبول.
تصارع الخير والشر على مرّ التاريخ سنة من سنن الحياة، وقانون من قوانين الكون الأزلية التي يعمر بها المستخلفون هذه الحياة. ولا يمكن لأي مجتمعٍ - مهما كانت درجة التزامه - أن يظل بمنأى عن ارتكاب الأخطاء، ووقوع بعض أفراده في هفوات، لأسباب مختلفة، وعوامل كثيرة. والشيء المؤكد في هذا السياق أن بقاء الأمة مرتبطٌ ببقاء الأخلاق، وهذا ما سبقنا الشاعر إليه حين قال:


وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

مرّت علينا حوادث كثيرة، ومع ذلك سأقتصر على حادثتين، انتصرت الفضيلة في الأولى، وقتلت في الثانية. في الأولى تجسدت القيم والأخلاق على مشاهدها، أما الثانية فقد نحرت القيم والأخلاق على لقطاتها. الأولى: حادثة نفق السويدي، والثانية: حادثة نفق النهضة. حادثتان اهتزت لهما القيم وتحرك لهما الضمير، بدافع من الدين، والخلق، والغيرة، والحياء، والشهامة، والشيم، والوفاء، والمروءة، والأريحية، والشجاعة، والنخوة. شخصيات (القصة) واحدة، مع تباين في المنطلق، والمبدأ، والتربية، والدافعية، والتكوين.
في حادثة نفق السويدي أحاط الطوفان بتلك الفتيات، وانقطع بهن السبيل. ظللن بين الحياة والموت، بين الرجاء واليأس، بين السعادة والشقاء، بين بريق الأمل، وظلمة اليأس. موقف حرج، في ساعات عصيبة مرت بها تلك الفتيات، والناس من حولهن، بين حابسٍ للنفس، وبين شانئ وشامت، وناقد ومنقود. ترى من ستقع عليه المسؤولية؟ أعلى الأمانة، أم على البلديات، أم على أجهزة الدفاع المدني، أم على المؤسسة التي تعهدت النقل؟
أمام (المشهد) يتناسى فئة من الشباب أنفسهم، فيهبون لنجدتهن، وظفروا بما ظفروا به، أمام الخالق أولاً، وأمام المجتمع ثانياً. هذه فئة من شبابنا ترفع رؤوس المربين، فهم نموذج أمثل في السلوك الرفيع، لكن لا أدري، هل حسبت لنا في حينها معشر المربين، أم تجوهلت؟
أما في حادثة نفق النهضة فيختلف الموقف كل الاختلاف؛ موقف تغيرت معه النظرة واختلفت، وأصبح المجتمع بأكمله أمام المحاكمة؛ محكمة القيم، ومحكمة الأخلاق، ومحكمة النظام، ومحكمة العرف، ومحكمة التقاليد، ومحكمة الذوق.
ولا أدري كيف مرر المعلم، والداعية، والمرشد، والإمام، والخطيب هذين الموقفين؟ هل تناولهما بالقيل والقال، والهمز واللمز، واتخذها مجرد أحاديث مجالس تهدم أكثر مما تبني، أم وظفوا هذين الحدثين أمام المجتمع، وأمام النشء، كدروس في فضائل النفس، ونوازع الأخلاق، حين تسمو بصاحبها، وتقوده إلى مدارج الكمال. أو حين تعصف به الشهوة الحيوانية، وتجره إلى أدنى درجات الرذيلة. هذان موقفان قابلان للموازنة بين تيارين متباينين.
أبغض ما تراه الأمة في شبابها، كما يقول المنفلوطي: أن تراهم مبتذلين في شهواتهم، مستهترين في ميولهم وأهوائهم، فيهتكون حرمات الأعراض ما شاءوا وشاءت لهم نزعاتهم، ويعبثون بها في كل مكان عبث الفاتك الجريء، الذي لا يخاف مغبة، ولا يخشى عارا.
رأينا كيف ذهبوا وأخذوا على المرأة كل سبيل، ضايقوها في مغداها ورواحها، حين تذهب للعمل، أو تخرج لزيارة، أو تبرز في مناسبة.
أبغض ما تراه الأمة في شبابها أن تراهم، وقد فقدوا خلق الرجولة والشهامة، وأصبحوا يتجملون للنساء بأخلاق النساء، ويزدلفون إليهن بمثل صفاتهن وشمائلهن، حتى لم يبق لبعضهم - كما نشاهد - من سمات الرجولة وأخلاقها غير الأسماء والألقاب.
شباب الوطن: أتعلمون أن هذه المرأة التي عبثتم في نفسها وضميرها، إنما هي في الغد أم لأولادكم، وعماد منازلكم، ومستودع أعراضكم ومروآتكم. انظروا كيف سيكون شأنكم معها غداً، وكيف سيكون مستقبل أولادكم؟
شباب الوطن: أين ستجدون الزوجات الصالحات في مستقبل حياتكم إن أنتم أفسدتم فتيات اليوم، وفي أي جو سيعيش أولادكم إن أنتم ملأتم الأجواء عليهم سموماً وأكداراً.
أما أنت - أيتها المرأة - فاعلمي أن لك كياناً مستقلاً، وحياة ذاتية، وأنك مسؤولة عن الذنوب والآثام أمام النفس والضمير. ومتى استيقظ الضمير من سباته، وتولى بنفسه المحاسبة على جميع الأعمال، ومراقبة الحركات والسكنات، فهو أعظم سلطاناً، وأقوى يداً.صحيح أننا - معشر الرجال - يجب أن نحترم المرأة، لتتعود احترام نفسها، ومتى احترمت نفسها كانت أبعد الناس عن الزلات والسقطات. والاحترام لا يعني - بأي حالٍ من الأحوال - أن تتخلع المرأة وتستهتر وتهيم على وجهها، في مجتمعات الرجال وأنديتهم، وتمزق حجاب الصيانة والعفة المسبل عليها.
هذه خواطر لكم - معشر الشباب والشابات - إن أنتم أخذتم بها فذلك خير، وإلا فسلام على الفضيلة والشرف.
سلام من لا ينتظر عودة، ولا يرجو إيابا لها، إلا على يد حامي دولة الأخلاق، في عاصمة هذه البلاد، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved