التربية في أي مجتمع من المجتمعات لها إطار فلسفي، وأهداف ومرسومة يفترض أن يتم بلورتها في شخصية المتعلمين المعرفية، والروحية والسلوكية، حتى تتمكن من إعداد مواطن صالح يعمل لصالح أمته ووطنه، عالمي يستطيع مواجهة التحديات التي يمكن أن تواجهه في حاضره ومستقبله، وهذه العملية ليست سهلة المنال وخاصة في المجال التربوي. فالتربية الغربية تقدمت بخطى ثابتة في التقدم العلمي ليس بسبب امتلاكها المال، ولكن بسبب اهتمامها بالتربية كمنطلق أساسي لذلك التقدم، اهتماما شمل الطالب بجميع جوانب شخصيته، والمعلم بإعداده واختياره وتقبل احتياجاته والمنهج بكل محتوياته ووسائله، والمبنى المدرسي بكل مكوناته، حيث عملت على ترسيخ قيم أخلاقية وفق فلسفة ورؤية واضحة في سلوكيات المتعلمين ووفقاً لفلسفة تلك المجتمعات، فكان المخرج ذا نوعية عالية استطاع أن يسهم في تقدم تلك المجتمعات بكل ما في هذه الكلمة من معني. أما التربية العربية فإن أنظمتها التربوية مازالت تعيش في ضبابية كبيرة وقصور وعدم وضوح في الرؤية وفي الأهداف، حولت المدارس إلى مصانع لإنتاج البشر بالجملة، علمت الطالب العربي الصمت في مقابل الآلة بدلاً من أن تعلمه للتفكير، جردته من المنظومة القيمة، والأخلاقية، حتى أصبح الطالب العربي مخرجا ضعيفا لا يستطيع في الغالب أن يواجه تحديات القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه الآن. وما تربيتنا وتعليمنا في هذا البلد الطاهر بأقل حالٍ من تربيتنا العربية، مع أن سياستنا التربوية رسمت على منهج سليم مصدره القرآن الكريم والسنة المطهرة وأكد على هذا المنهج ومازالوا يؤكدون ولاة أمرنا - حفظهم الله - ويحرصون ويتابعون ولكن في ضوء تلك المعطيات أرى اننا بحاجة إلى فلسفة تربوية أخلاقية تقتضي وتعمل على ترسيخ المنظومة القيمة الأخلاقية العربية التي جاء بها القرآن الكريم، وتعمل على إيجاد قادة تربويين يكون لديهم وضوح في الإطار الفكري للأخلاق للانطلاق منها في صناعة واتخاذ القرارات التربوية وفق تبصر واستبصار. لذلك فنحن في ميدان التربية والتعليم تربويين كنا أو أفرادا بحاجة إلى: أولاً: بحاجة إلى إدارة وقيادة إنسانية حانية تعيش القيم والأحاسيس الإنسانية في عصر ماديات الحياة وآلاتها المؤتمتة، وربوياتها المفرغة من الحس الأصيل. ثانياً: بحاجة إلى قيادة تربوية في جميع مستويات الإدارة التربوية سواء الإدارة التربوية العليا أو الوسطى أو الإجرائية في الميدان مؤمنة وصادقة ومذعنة للحق، قيادة تحسن استخدام المفاهيم الإيجابية للتعامل مع الآخرين بعدالة، وبدون الاستغلال والسعي للمصالح الشخصية هدفها الارتقاء بالإنسان السعودي في العمل والأداء لتحقيق السعادة لهذا الوطن الكريم. ثالثاً: بحاجة إلى تعميق البعد الأخلاقي في نظامنا التربوي بأسره فعلاً لا قولاً عبر توظيف تقنيات العقل البشري مع القضايا الاجتماعية. رابعاً: بحاجة إلى قادة تربويين على المستوى المتوسط والاجرائي، لديهم رؤية واضحة لما يجري في بلدنا الحبيب قادة مخلصين همم رفعت الوطن يتمتعون بالوسيطة والولاء لهذا البلد وحكامه، لا تأخذهم في الحق لومة لائم، شجاعتهم متناهية لا يسعون للحفاظ على مناصبهم، وتضحياتهم كبيرة من أجل هذا الوطن رسخت لديهم القيم الإسلامية الصحيحة. خامساً: بحاجة إلى قيادة تربوية أخلاقية توازن بين شقي القرار الشق المعرفي الثقافي والشق القيمي الأخلاقي من خلاله المسؤولية والصدق والمساءلة والأمانة والنزاهة. خلاصة القول القيم في التربية مهمة لأنها تشغل مدخلاً أساسياً في العمليات الإجرائية وفي صناعة القرار وممارسة دور القيادة في النظام التربوي ومسؤولة عن مخرجات التربية والتعليم.
|