مذابح الأبرياء غرب العراق

يكفي أن تتردد معلومات عن وجود مشتبه بانتمائه إلى الجماعات المسلحة أو الإرهابيين في العراق لتنزل حمم القصف على المنطقة المشتبه بها، ولا يهم كم من الأبرياء يمكن أن يسقطوا من أجل أن تظفر القوات الأمريكية بمن تبحث عنه أو بمن تسعى إلى القضاء عليه.
وقد تكرر هذا (السيناريو) عدة مرات في غرب العراق، وهناك دائما تأكيدات من هذه القوات بأن القصف كان دقيقا حيث إنه لم ينل إلا من المقصودين الموجودين وسط الأسر والعائلات، كما تكون هناك على الدوام إشارة إلى عدد القتلى من (الإرهابيين)، لكن قوائم القتلى لا تتضمن المدنيين، بينما تتحدث المصادر المستقلة غير العسكرية عن قتلى معظمهم من النساء والأطفال.
فقد تحدث أطباء في مستشفى القائم عقب القصف الأخير للمنطقة عن أغلبية من القتلى المدنيين، فيما أكد أحد القادة المحليين في المنطقة خلوها من المسلحين.ولم يحدث عقب كل الغارات السابقة المماثلة التي كانت فيها أغلبية من القتلى من النساء والأطفال ما يشير إلى حدوث محاسبة دقيقة لمن قاموا بها، وربما اعتبرت تلك الغارات ناجحة بمقياس الذين قاموا بشنها لمجرد أنه تم قتل اثنين أو ثلاثة من المشتبه بهم، حتى وإن كان قد ذهب العشرات من النساء والأطفال الأبرياء قتلى معهم.ولأن المنطقة مجاورة لسوريا فإن الغارات لا تخلو من رسائل سياسية موجهة إلى تلك الدولة ولأهل المنطقة، في الجانب العراقي، على السواء، على ضوء الاتهامات والمزاعم بأن سوريا تسمح بمرور مقاتلين ينضمون إلى الجماعات المسلحة التي تحارب الأمريكيين، وبالنسبة إلى أهل المنطقة فإن هذه الرسائل القاتلة تحذرهم من إيواء أولئك المسلحين المفترضين.ولا يخلو الأمر في مجمله من تجاوزات مريعة، فهناك غياب للمحاسبة الدقيقة عقب هذه الغارات الجوية، خصوصا وأن هدف ملاحقة الإرهاب يبيح مثل تلك التجاوزات، ويفيد من الهالة الكبيرة المحيطة بهذه الحرب، كما يسوغ للتجاوزات طالما أن الهدف يحظى بكل ذلك الاهتمام غير العادي.وفي العراق، وكما الحال في كل دولة، ينبغي أن تتركز الأولويات على حماية أنفس المواطنين، غير أن تكرار القصف بهذه الطريقة العشوائية مرة بعد الأخرى يعكس كم أن دماء العراقيين أصبحت مستباحة، كما يبدو كما لو أن هناك توجهاً لتكريس هذه الاستباحة وتعويد الناس عليها، حيث إنه يتعين عليهم في كل مرة طي أحزانهم ومراراتهم والتركيز على النجاة بأنفسهم من الغارة القادمة، بدلا من الوقوف بصلابة ضد هذا العبث المأساوي.